'زيت الڨاضوم'.. صيدلية في قارورة

هل سمعت من قبل بنبتة الضرو؟.. هي عشبة دائمة الخضرة، تتدلى منها ثمار حمراء صغيرة يستخرج منها ''كنز''، تنمو ببطء لتصل إلى 7 أمتار ونصف كحد أقصى من طولها.

هذا ''الكنز'' ينمو في مناطق البحر الأبيض المتوسط في أوروبا، ولكن يوجد أيضًا في آسيا وإفريقيا، ومحظوظة هي تونس بانتشار هذه النبتة في هضابها وبين جبال شمالها الغربي وخاصة معتمدية عين دراهم من ولاية جنودبة. 

ثمارها الحمراء الصالحة للأكل وتتحول إلى اللون الأسود والبني عند النضج، كما تتفتح أزهارها ابتداء من شهر مارش وصولا لشهر ماي .

بطم، بطوم، البطم العدسي، فستق شرقي، البطم الشرقي، ماستيك، المستكي، المَصطَكى أو المُصطَكى، الضرو، (في المغرب العربي) والقاضوم بالعامية التونسية، جميعها أسماء لهذه العشبة الصغيرة، تختلف من بلد إلى آخر، لكن الاسم الأكثر تداولا هو ماستيك، اسم مشتق من الفعل اليوناني 'ماستيخين' الذي يعني 'يصطك أسنانه ويمضغ'.

تنتمي هذه النبة التي تقطر زيتا عجيبا فوائده لا تُعد ولا تُحصى‏، لجنس البطم (الذي يضم الفستق أيضا)، وهي عشبة محبة للحرارة، أوراقها مركبة.

موطنها الأصلي حوض البحر المتوسط من المغرب وشبه جزيرة أيبيريا وجزر الكناري غربا، عبر جنوب فرنسا وتركيا، حتى العراق وإيران شرقا مرورا ببلاد الشام، وتزرع بشكل كبير في جزيرة خيوس اليونانية.

نبتة الضرو في الطب التقليدي

قال ابن منظور في لسان العرب أنّ المصطكى هي 'العلك الرومي'، بينما قال أبو محمد عبد الله بن محمد الأزدي الصحاري في كتاب الماء أنها 'اللبان'.

يستعمل قلب نبتة الضرو في الطب الشعبي سابقا، فكانت توصف لعلاج النزلات والصداع بأنواعه ولقطع النزيف وعلاج سوء الهضم وعلاج الكبد والطحال وإذا طبخت في الزيت وقطرت باردة في الأذن فتحت السدد وأزالت الصمم واستعملت لتقوية اللثة والأسنان.

قال ابن سينا في هذه الشجرة: ''المصطكا ينفع من الجرب وصب عصارته على القروح تنبت اللحم فوقها وعلى العظام المكسورة فتجبرها. ومضغه يجلب البلغم من الرأس وينقيه وكذلك المضمضة به تشد اللثة وهو يقوي المعدة والكبد ويفتح الشهية للطعام ويطيب المعدة ويحرك الجشأ ويذيب البلغم وينقع من أورام المعدة والكبد وفي نفس الوقت يقوي الكبد والأمعاء  وطبخ أصله وقشرته وورقه ينفع كل داء''.

استعمل الأتراك واليونانيون وأهل الشام نبة الضرو في الطب الشعبي سابقا، بمضعها لإعطاء رائحة مستحبة للفم وكمضادات للتشنجات المعوية وتقوية اللثة وتحفظ بياض الأسنان وتزيد اللعاب وتقوي المعدة وتستعمل لعمل كمادات لتخفيف آلام الروماتيزم وآلام النقرس وآلام الأعصاب وتستعمل في التقلصات الصدرية.

زيت القاضوم بالعامية التونسية..

تحتوي نبتة الضرو على 2% من زيت الطيار (Volatile Oils) و20% من زيت الراتنجات ( Resins)، وفي تونس يتم عصرها بالرحى لاستخلاص زيت حارّ المذاق يطلق عليه ''زيت القاضوم''.

عجيب هو هذا الزيت الذي يشتهر به الشمال الغربي التونسي، حيث تعمل النسوة هناك على جمع النبتة من جبال عين دراهم وتقطيرها، كمهنة لاستخراج الزيت وبيعه.

عديدة هي فوائد هذا الزيت لا يكفي هذا المقال لعدها وحصرها، وسنحاول هنا مدّكم بنبذة عنها.

مضاد البكتيريا: يقلل زيت القاضوم من خطر الإصابة ببعض أنواع البكتيريا المسؤولة عن تسوسات الأسنان الّتي قد تنتقل إلى الفم من خلال الطعام، مما قد يساهم في تقليل خطر الإصابة بالتسوسات، ويمكن استخدامها على شكل علكة لهذا الغرض.

تخفيف مشكلات المعدة: يساهم زيت القاضوم في التخلّص من عدوى الجرثومة الحلزونيّة التي تسبب قرحة في المعدة بسبب امتلاكها لخصائص مضادة للبكتيريا، كما تساعد على تخفيف القرحة وتحسين شفائها عند حدوثها سواء كان ذلك في المعدة أو الأمعاء.

تحسين الهضم: زيت القاضوم يمتلك خصائص مضادة للالتهابات قد تساعد على تحسين الهضم والحفاظ على صحة الجهاز الهضمي، وبالتّالي فقد تساهم في تخفيف أعراض متلازمة القولون العصبي.

التحكّم بمستويات الكوليسترول والسكر في الدم: قد يساهم زيت القاضوم في خفض مستويات الكوليسترول والسكر في الدم مما قد يساهم في تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب المختلفة، لكن يجب استشارة الطبيب للتأكّد من الجرعة المناسبة.

مفيدة للمصابين بالسرطان: قد تمتلك عشبة الضرو قدرةً على تثبيط الخلايا السرطانية، لكن لا توجد دراسات تٌثبت ذلك، حيث يُعتقد بأنّ هذه العشبة قد تساهم في ذلك بسبب دراسة تم إجراؤها على الفئران، لكن لم يتم دراسة ذلك على الإنسان لذا لا يمكن استبدالها بالعلاج الطبي الّذي يصفه الطبيب هو العلاج المُثبت الّذي يجب اتّباعه للسرطان.

فوائد أخرى عديدة لهذا الزيت، فهو مفيد لالتئام الجروح، ويساعد في دعم وتقوية وظائف الكبد، وتنظيم حركة الأمعاء الدقيقة والغليظة، وقد يلعب دورا في التخفيف من آلام البطن.

كما يساعد على التقليل من ضغط الدم وزيادة التحكم به، ويُساهم في دعم جهاز المناعة في الجسم، مما قد يساعد في الوقاية من الإصابة بالعدوى، كما أنه يعمل كمضاد بكتيري ومضاد فيروسي فعال.

يمكن أن يقلل هذا الزيت من الدهون في الجسم، ويخفف من آلام العضلات والتهابات المفاصل، ويعزز الدورة الدموية في الجسم، ويمكن أن يساهم في الحماية من الإصابة بالنوبة القلبية، وتخفيف أعراض الربو وتوفير رائحة مُنعشة للفم.

نبتة الضرو والتجيمل

لا تقتصر استخدامات عشبة الضرو على الاستخدامات الطبية فقط، إنّما تدخل في العديد من الاستخدامات غير الطبية، حيث يمكن الاستفادة من زيت القاضوم في صنع الصابون، ويستخدم كمثبت للعطور، والبخور ومعاجين الأسنان.

أثبتت بعض الدراسات انّ زيت نبة الضرو يساهم في شدّ البشرة وتصفيها عند المواضبة على استعماله، ويستخدم بكثرة في مواد التجميل وخاصة المراهم المخصصة لإزالة البقع الداكنة من الوجه (les taches brunes).

معالجة البثور: تعتبر مشكلة البثور من المشاكل التي تواجهها الكثير من النساء، حيث تسبب لهن الكثير من المشاكل والإزعاج، ولزيت القاضوم فوائد كبيرة في علاج البثور حيث يعمل على ظهور البثور الخفية ومن ثم يقضي عليها ويمنعها من الظهور شرط دهنه باستمرار على الجلد.

معالجة حروق الشمس: يؤدي التعرض الطويل للشمس إلى القضاء على طبقة الميلانين في الجلد، الأمر الذي لا يؤدي فقط إلى الترهل، بل يتسبب أيضا في ظهور التجاعيد بسرعة كبيرة ويصل الأمر حتى الاصابة بالحروق والتهابات الجلد، ولزيت القاضوم فوائد عديدة في تجميل البشرة والقضاء على مشاكلها، إضافة إلى قدرته على شفاء حروق الشمس على الجلد والجسم. يمكنك صنع غسول من الزيت الضرو وتطبيقه على جسمك ووجهك 3 مرات في الأسبوع حتى تلاحظ فرقا، بعد ذلك، يمكنك الاستمرار في الاستخدام مرة واحدة في الأسبوع.
معالجة تكسر الشعر: يحتوي الزيت الضرو على العديد من المركبات التي تعمل على علاج مشاكل الشعر، وإعادة بناء البصيلات التالفة، وتقويتها، وإعادة بنائها، وتضيف قوة ولمعاناً للشعر. 

ملعقة صغيرة من زيت القاضوم ، بالإضافة إلى إحضار الكمية المناسبة من 'المايونيز'، اعتمادا على طول شعرك. ضعي هذا الخليط بالتساوي على خصلات الشعر ودلكي فروة الرأس جيدا. غطي رأسك بقبعة الاستحمام واتركيها لمدة ساعة، ثم اغسلي شعرك جيدا بالشامبو والماء وكرري هذه الوصفة حتى تحصلي على النتيجة المرجوة.

معالجة قشرة الرأس: لهذه النبتة فوائد في التخلص من قشرة الرأس حيث تحتوي في مكوناتها على عناصر تعمل على القضاء على الفطريات المسببة للقشرة. ضعي ملعقتين كبيرتين من زيت القاضوم، ووزعيها جيدًا واتركيها لمدة ساعة، مع تذكر ارتداء قبعة. كرري الوصفة 3 مرات في الأسبوع.

نبتة الضرو تصلح للأكل

كما يمكن الاستفادة من زيت القاضوم في الأكل، من خلال استخدام الصمغ أو ما يٌعرف بالراتنج ( Resin)، الموجود بنسبة 20 بالمائة في نبة الضرو كما ذكرنا في أول المقال، والذي نجده في شقوق الشجرة، لمضغه وهو غالبا ما يكون طريا ومقبول الطعم والرائحة، ويضاف إلى الحلويات لإعطائها المذاق الشهي.

كما تعتبر بذور عشبة الضرو من الأجزاء الصالحة للأكل وثمارها تُعد كأحد المصادر الغنية بالأنثوسيانين (Anthocyanin)، وتُستخدم أيضا كملونات للأطعمة.

إضافة القليل من زيت القاضوم لملعقة من العسل أو شراب آخر، قد يساعد في التقليل من اضطرابات الجهاز التنفسي. ومزج بضعة قطرات منه مع أي زيت عضوي آخر، قد يساعد في تخفيف آلام المفاصل.

يقول البعض استخدام زيت الضرو كمهدئ للأعصاب من خلاله استنشاقه عند انتشاره في الجو.

الآثار الجانبية لعشبة الضرو

تُعد عشبة الضرو أحد الأعشاب الآمنة نوعًا ما في حال تناولها لفترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر، لكن يمكن أن يُعاني القليل من الحساسية اتجاه عشبة الضرو.

ويجدر ذكر أنه لا يُنصح باستخدام زيت الضرو للأطفال دون سن الثالثة، أو النساء الحوامل، أو المرضعات، كما يجب تجنب وضعه على الجلد قبل التعرض إلى أشعة الشمس مباشر.

قد تسبب نبة الضرو بعض الآثار الجانبية البسيطة عند استخدامها مثل الغثيان، والإسهال، والإمساك، لذا يُنصح بتجنّبها من قِبل الأشخاص الّذين يعانون من الحساسية تجاه النباتات المختلفة من الفصيلة البطمية.

*يرجى استشارة الطبيب قبل استخدام نبة الضرو وزيتها العجيب!

أميرة عكرمي