نضال نسوة بين ألغام الشعانبي من أجل لقمة العيش..'المردومة' نموذجا
ارتبط جبل الشعانبي بعمليات إرهابية كثيرة في العشرية الأخيرة، ما جعل الحديث عنه يقتصر عن التطرق إلى تطورات أمنية تمس الأمن القومي للبلاد، وهو ما حجب عمق مأساة سكان سفوح، الذين كان و ما زال عمق الجبل يعتبر مصدر قوتهم الأوحد.
بين مرتفعات الشعانبي ووديانه، ترتفع أعمدة دخان "المردومة" في منطقة ولاد سمارة من عمادة البريكة التابعة لولاية القصرين، وهو حطب جبل الشعانبي الذي يحوله الأهالي إلى فحم يبيعونه مع حلول موسم البرد. ما يعدّ مورد رزقهم الأساسي في فصل الشتاء.
من وسط بيت آيل للسقوط ، تخرج "فطوم" لتنغمس في إعداد "المردومة" أمام بيتها بعد أن تحمل معها ما جمعته من حطب الجبل، لتضعه في النار ولتغطيه لتتحصل على بعض الفحم بعد 20 يوما.
" أنا أموت في كل مرة أصعد فيها إلى الجبل للحصول على الحطب، خوفا من الألغام ومن الإرهابيين الذين قد يعترضون طريقي، لكن عجز زوجي عن العمل ومسؤوليّتي تجاه عائلتي تجبراني على المجازفة
والصعود إلى الجبل الذي أصبح محجرا علينا، و على إعداد "المردومة" التي يحرسها زوجي أيام احتراقها"، تقول "فطوم" وقد انغمست بين أعمدة الدخان في عملها المنهك.
مخاطر كبيرة يتعرض لها سكان المنطقة أهمها الألغام التي لم تثنهم عن الصعود إلى الجبل بحثا عن الحطب أو للرعي.
"ناجية" واحدة من نسوة المنطقة التي نجت من الموت بعد أن انفجر عليها لغم أرضي في جبل الشعانبي. كانت متأثرة وهي تستحضر تلك الحادثة التي أدت إلى نفوق دابتها التي كانت ترافقها في رحلات لا تشبه إلا نفسها نحو مخاطر الإرهاب.
" لقد نقلت إلى المستشفى يومها حيث بقيت لأيام عدّة قبل أن أعود إلى بيتي ، لأستأنف نشاطي مجددا بين الأخطار نفسها، لا خيار آخر لديّ"، تقول ناجية وهي تجمع ما احترق من فحم من "المردومة" التي انتصبت أمام بيتها بعد أن جمعت حطبها مما وهبه لها الجبل.
رغم حجم الخطر الذي يرافقهم ليلا نهارا، لا مطلب للأهالي إلا ماءً صالحا للشرب وطريقا معبدة، ترفع عنهم عزلتهم عن العالم في أيام الشتاء الممطرة.
في خط النار وفي الحزام الأول لمكافحة الإرهاب يوجد مواطنون صمدوا في وجه الإرهاب و أبوا الهروب من موطنهم. عايشوا الخطر القائم، وقاوموا الخوف من أجل لقمة العيش.
قصص كثيرة أخرى تشبه قصتي فطوم و ناجية ، في وطن مازال يبحث جزء من المنتمين إليه عن حقوقهم الطبيعية في العيش، في منطقة لو نطقت جبالها سياسة لقالت :"كفانا عيشا في الهشاشة ،على هامش الحياة ..أين التنمية؟."
روبرتاج: برهان اليحياوي