languageFrançais

هل تكلم نفسك؟.. أحسنت واصل!

هل تكلم نفسك؟.. أحسنت واصل!

هل وقفت يوما أمام المرآة وتحدثت مع نفسك، هل صرحت بما يدور في خلدك بصوت عال، أثناء المشي، إعداد الطعام، أو أثناء القيادة، كاشفا لذاتك عن خططك أو محاولا مساعدة نفسك لحلّ مشكل ما؟.. قد ينعتك البعض بالجنون، إذا علموا أنك تفعل ذلك أو قد يظنون أنك تعاني من اضطراب ما، لكنهم مخطئون، في الحقيقة هي عادة سليمة مرتبطة بإحساس الشخص بذاته.

حديث الذات... ماهو؟

حديث الذات، الكلام الداخلي، خطاب الباطن، المونولوج الداخلي أو التفكير الشفهي.. هو الصوت الداخلي للشخص والذي فيه حديث لفظي مستمر للأفكار التي تتبادر للذهن في حالة الوعي.

هو تصرف يقوم به العقل البشري يعبر فيه عن المشاعر كالفرح والغضب والخوف، وما إلى ذلك. عادة ما يُجرى الخطاب الداخلي كما يجرى النقاش مع شخص ثان.

''أنا بحاجة إلى ذلك الشيء''.. ''سوف لن أسكت لك مجددا''.. ''يجب أن أحقق هذا الهدف''.. ''ليس لدي المال الكافي ''، ''لا شعر بأنني بخير..'' هي عبارات قد تحدث بها نفسك وما أكثرها.

''التحدث مع النفس عبارة عن عملية داخلية تتضمن الانفعالات والأفكار والمشاعر التي يقوم بها الفرد في التواصل مع ذاته بشكل مباشر،'' يقول الدكتور أحمد دبور أخصائي الطب النفسي، ويتابع: '' قد يكون الحديث مع الذات على شكل مناقشة داخلية أو تفكير في القضايا المختلفة، ويمكن أن يشمل أيضًا الاستماع للمشاعر والتحليل الذاتي وتقديم النصائح للنفس''.

 

 

هي ليست هلاوس

اذا كنت تخطط لشيء ما أو اذا كنت تحاول ايجاد حل لمشاكلك فالتحدث مع الذات مهم جدا، فهو يمنحك فرصة للتأمل الذاتي، وتكوين صورتك الذاتية، والتفكير النقدي، والتعبير عن العواطف التي قد لا تستطيع البوح بها لغيرك وكشف سرّك، الجاذم على صدرك.

التحدث مع الذات بصوت عال يعد في الغالب أمرا ‫طبيعيا ومفيدا، وهو يساعد على ترتيب الأفكار ‫وتنظيم المشاعر، حيث إنه يساعد على زيادة التركيز أو تحفيز الذات أو ‫تخفيف التوتر والشعور بالراحة النفسية، هكذا تقول عالمة النفس والمعالجة النفسية ‫الألمانية شتيفاني شتال.

يرى المختصون في دراسات حول الحديث الذاتي أنّ الصيغة المثالية للخطاب الداخلي هي الصيغة التي تبدأ بعبارات عن أمور واقعية وتستمر بدقة منطقية إلى أن يتوصل إلى حل.

في مقال له على موقع "سيكولوجي توداي" يقول الطبيب النفسي الدكتور تيموثي ليغ إن هذه العادة تبدأ غالبا في مرحلة الطفولة، وإنّه حتى إذا كنت لا ترى أي خطأ في التحدث إلى نفسك (ولا يجب عليك ذلك بالفعل)، فقد تتساءل عما يعتقده الآخرون، لكن ''لا تهتم، فعادتك صحية وسليمة''، لأنّ التحدث إلى نفسك يُعد أمرا طبيعيا.

مختلفة هي الطرق التي يمكنك التحدث بها مع نفسك، وتشمل، الحديث مع النفس الإيجابي أو السلبي. الجانب الإيجابي يعني التحدث إلى نفس عبر تقديم عبارات مصممة لمساعدتك على البقاء متحفزاً أو ملهمًا. أما التحدث إلى نفسك بطريقة سلبية فغالبًا ما يتمحور حول عبارات تنتقد فيها نفسك أو تلومها.

فوائد التحدث مع النفس

للتحدث مع النفس، فوائد إيجابية عديدة، نفسية وعاطفية، حيث يساعد على تحسين الوعي الذاتي، وعلى فهم أفضل للذات والمشاعر والأفكار الداخلية، مما يساهم في زيادة الوعي وتعزيز النمو الشخصي.

معظم الدراسات الحديثة التي تناولت حديث النفس قامت على النظرية المهمة لعالم النفس الروسي فيجوتسكي الذي عاصر السنوات الأولى للاتحاد السوفييتي، وبدأ التعمق في دراسة هذه العادة من خلال ملاحظته لأطفال يتحدثون إلى أنفسهم خلال اللعب.

 

 

ليف فيجوتسكي (Lev Vygotsky) عالم نفس روسي ولد سنة 1899 ونال شهادة الأدب من جامعة موسكو عام 1917 وعمل عام 1924 في معهد علم النفس بموسكو، واشترك في تطوير برامج تعليمية بشكل واسع وخاصة تعليم الأطفال الصم والبكم

ومن وجهة نظره فإن هذا الحديث الداخلي الذي يحدثه الطفل ينتج بناء على حواره مع والديه أو أحد مقدمي الرعاية له، وهو يتطور بعد ذلك من خلال التفاعل الاجتماعي، ويمر بعدد من التحولات المهمة حتى يصبح داخلياً مثل أن يتم اختصاره أو إيجازه بالمقارنة بالحديث الخارجي.

وتنبأ فيجوتسكي بأنه إذا كان الخطاب الداخلي مأخوذاً عن الخطاب الخارجي، فإنه من المتوقع أن يساعد الخطابان في تنشيط نفس الشبكات العصبية بالمخ. وفي بريطانيا، ربطت بعض الدراسات التي أجريت من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي للمخ بين الخطاب الداخلي ومنطقة التلفيف الجبهي السفلى اليساري التي تعرف أيضاً بمنطقة بروكا، وتم التوصل إلى أنها المسؤولة عن عملية إنتاج الخطاب.

في جامعة درم البريطانية تم إجراء تجربة من خلال النظر إلى أداء مجموعة من الأطفال من سن 7 إلى 10 سنوات عند تخطيطهم لعمل أطلق عليه برج لندن، لتظهر الأبحاث أن الحديث النفسي له نكهة عاطفية أو تحفيزية.

وفي الدراسة ذاتها ولكن على الطلبة، أكد ثلثا الطلاب ممن يستخدمون الخطاب الداخلي أنهم يستخدمونه إما لتقييم سلوك لديهم، وإما لتحفيزهم على عمل شيء معين.

يرى الفلاسفة أن الوعي بالخطاب الداخلي ضروري ومهم لفهم الوظائف الإدراكية للأشخاص، فالذين يستخدمون الخطاب النفسي يفهمون أنفسهم بطريقة أفضل، فالخطاب الداخلي يجعلهم يحللون عواطفهم ومثيراتهم وأفكارهم والأنماط السلوكية الخاصة بهم .


الحديث الذاتي التعليمي: يتمحور هذا النوع من الكلام الموجه ذاتيًا حول التحدث من خلال الخطوات التي ستحتاج إلى اتباعها لحل مشكلة أو أداء مهمة.

الحديث مع النفس التحفيزي: يركز هذا النوع من الكلام على تقديم التشجيع لأداء مهمةٍ ما وتهنئة نفسك على جهودك أو بأنك قادر على تحقيق النجاح.

التحدث مع النفس يقلل من التوتر والقلق ويمكن لهذه العادة أن تكون وسيلة فعالة لتخفيف ذلك، حيث يتيح للفرد الفرصة للتعبير عن مشاعره بحرية دون خوف من الحكم الآخرين.

تحسين اتخاذ القرارات، من بين ايجابيات هذه العادة السليمة، حيث يمكن للفرد من خلال مناقشة الأفكار والمشاعر مع نفسه، أن يأخذ قرارات أفضل وأكثر توازنًا، حيث يتمكن من استكشاف الخيارات المختلفة وتقييمها بشكل أكثر دقة.

تعتبر عادة التحدث مع النفس، وسيلة فعالة للتعبير عن المشاعر والتفكير، مما يساهم في الحفاظ على صحة عقلية جيدة وتقليل خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق.

تعزيز الإبداع والتفكير الإيجابي، حيث يمكن للتحدث مع النفس أن يحفز الإبداع ويعزز التفكير الإيجابي، ويتيح للفرد استكشاف الأفكار والتفكير بطريقة مفتوحة ومبتكرة.

أيضا من خلال التحدث مع النفس بشكل صادق وصريح، يمكن للفرد أن يطور فهمًا أفضل لنفسه، مما يساعده في بناء علاقات صحية ومتينة مع الآخرين.

ويمكن لهذه العادة أن تساعد في تعزيز الانضباط الذاتي وقدرة الفرد على تحقيق الأهداف والالتزام بالتصرفات الإيجابية، إضافة إلى تحقيق التوازن العاطفي فعندما يتحدث الفرد مع نفسه بشكل منتظم، يمكنه تطوير أدوات للتعامل مع المشاعر السلبية بشكل أكثر فعالية، مما يزيد من مستوى الاستقرار العاطفي.

 

 

فوائد عديدة أخرى للتحدث وهي:

انخفاض مستوى الاكتئاب
قلة الكرب والمشكلات في الحياة
ارتفاع معدل العمر الافتراضي
مقاومة أكبر لنزلات البرد
تعزيز صحة القلب، وتقليل احتمالية الوفاة الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية
دعم الصحة النفسية والبدنية
زيادة القدرة على التكيف مع الصعوبات.
التخلص من التوتر
سلبيات التحدث مع النفس

متى يصبح التحدث مع الذات سلبيا؟

بعد كل هذه الفوائد والايجابيات التي ذكرناها في المقال أعلاه، لابد من التنويه أنّ هذه العادة قد يمكن أيضا أن يكون له بعض السلبيات في صورة التحدث الى الذات بشكل مفرط، وفق عالمة النفس والمعالجة النفسية ‫الألمانية شتيفاني شتال.

وتشير عالمة النفس إلى أن التحدث مع النفس بصوت عال قد يكون ‫مرضيّا أيضا، وذلك عندما يسمع المرء أصواتا غريبة وغير موجودة ويقوم ‫بإجراء أحاديث مع هذه الأصوات. ‫‫وفي مثل هذه الحالة قد يكون المرء مصابا بأحد الأمراض النفسية مثل ‫الذهان، مما يستلزم استشارة الطبيب في أقرب وقت للخضوع للعلاج ‫النفسي.


''تعرف المؤسسة الوطنية للصحة العقلية في الولايات المتحدة، الذهان بأنه مجموعة من الأعراض التي تؤثر على العقل، ويفقد المريض اتصاله بالواقع أثناء النوبة وتتعطل أفكاره وإدراكه بالواقع وقد يجد صعوبة في التعرف على ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي''

''ويعاني الأشخاص المصابون بالذهان عادة من الأوهام والهلوسة ورؤية أو سماع أشياء لا يراها الآخرون، مثل أصوات تطلب منهم القيام بشيء ما أو تنتقدهم''. 
 

وتقدر الدراسات أنّ ما بين 15 و100 شخص من أصل 100 ألف مصابون بالذهان، كل عام، ومن الصعب معرفة عدد الأشخاص الذين يعانون من الذهان بالضبط، وفق المؤسسة ذاتها.

الدكتور على القط، استشاري الصحة النفسية، يقول إن بعض الأشخاص الذين يتحدثون مع أنفسهم بشكل مرضي يعانون من اضطراب فى وظيفة نفسية مثل الوعي والتى تحدث عند بعض المرضى بعد إجراء عملية جراحية نتيجة تناول مواد مخدرة، أحدثت خلل أو تشوه فى وظيفة الوعي، وهذه تعتبر حالة عارضة، وتتحسن مع مرور الوقت.

الاضطراب فى وظيفة التفكير، قد تؤجي بالشخص إلى التحدث مع نفسه بشكل مرضي، أيضا فتجعله يشعر بأن أحد الأشخاص يتجسس عليه أو يراقبه ويريد أن يأذيه، أو يملي عليه ما يجب فعله فتصل هذه الحالة المرضية بالبعض إلى ''إدعاء النبوة''، وفق استشاري الصحة النفسية علي القط.

 

 

سلبيات أخرى للتحدث المفرط مع الذات

تدهور العلاقات وقلة التواصل: قد يؤدي التحدث المفرط مع النفس إلى الانفصال عن العلاقات الاجتماعية الحقيقية وذلك من خلال الانعزال وقلة التواصل مع الآخرين، وهذا بدوره يؤثر سلبا على القدرة على بناء العلاقات الشخصية والاجتماعية وفهم احتياجات الآخرين.

عدم التفكير بواقعية: من سلبيات التحدث المفرط مع النفس أن البعض قد يضخم الأفكار والمشاعر السلبية أو الإيجابية، وهذا بدوره قد يؤثر على القدرة على رؤية الأمور بواقعية.

تشتت الانتباه: هذه العادة قد تؤدي إلى تشتت الانتباه وصعوبة التركيز على المهام اليومية والواجبات، مما يؤثر سلبًا على الإنتاجية والأداء العام.

اضطراب النوم: قد يؤدي التفكير المتكرر في الذات والمشاكل الشخصية إلى صعوبة النوم والاسترخاء، مما يؤثر على نوعية النوم ويزيد من مشاكل الأرق والتعب النفسي.

حلول التخفيف من التحدث المفرط مع النفس؟

للتخفيف من التحدث المفرط مع النفس، يمكن اتباع بعض الحلول والاستراتيجيات، وأولها ضرورة التواصل مع الآخرين، وهي من بين الخطوات الأولى للعلاج، فالبحث عن فرص للتواصل مع الآخرين يمكن أن يكون مفيدًا لتقليل التحدث المفرط مع النفس وتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي.

التأمل: يتضمن التركيز على التنفس وتوجيه الانتباه نحو اللحظة الحالية بدون الاعتراض على الأفكار أو المشاعر التي تأتي وتذهب، يمكن أداء التأمل في مكان هادئ، وتحديد وقت معين للجلوس في الصمت والهدوء.

اليوغا: قد تساعد ممارسة اليوغا على تحقيق الاسترخاء وتقوية الجسم وتهدئة العقل.

تحديد الأولوياتك: يعتبر تحديد الأولويات خطوة أساسية في تحقيق التوازن والنجاح في الحياة الشخصية والمهنية، يمكن أن يشمل ذلك تحديد الأهداف الرئيسية التي تسعى لتحقيقها في الحياة، سواء كانت تتعلق بالعمل، أو العلاقات الشخصية. وبالتالي يمكن توجيه تركيزك وجهودك نحو تحقيقها بدلاً من الانشغال بالتفكير الزائد في الذات والتحدث المفرط مع النفس.

ممارسة بعض الهوايات: يمكن للهوايات والأنشطة الإبداعية مثل الرسم، الكتابة والقراءة أن توفر منفذًا آمنًا للتعبير عن مشاعرك وأفكارك بدلاً من التفكير الزائد في الذات.

من خلال التفريغ الإبداعي، يمكن أن تشعر بتحسن في المزاج وانخفاض ملحوظ للتوتر النفسي.

آخر الخطوات هي الحصول على مساعدة من الطبيب النفسي للتخلص من التحدث المفرط مع النفس، فعندما تؤثر هذه الحالة سلبا على حياتك اليومية وصحتك النفسية، فقد تكون هناك حاجة إلى طلب المساعدة الاحترافية من متخصصين في الصحة النفسية. 

 

*أميرة عكرمي