القصرين: أطفال بين مخالب الفقر وبطش شتّى أنواع الاستغلال..
"في مرّات كثيرة، تعترض طريقي 4 أو 5 سيّارات محمّلة بالتّلاميذ المنقطعين عن الدراسة، في طريقها نحو مدن أخرى، لكي يُستغلّ الأطفال في ما يتجاوز سنّهم ووعيهم..."
هكذا افتتح مدير المدرسة الابتدائيّة المزيرعة، من معتمديّة حاسي الفريد، التّابعة لولاية القصرين، شوقي ماشلّي، حديثه في تصرح لموزاييك.
يقول الماشلي "في المناسبات الدينيّة، في شهر رمضان وغيره، ينقطع بين 4 و 5 تلاميذ من كلّ قسم مكوّن من 20 تلميذاً، في مدرستي الّتي تحتوي 216 تلميذاً. أي أكثر من 50 طفلاً، لم يتجاوز عمره ال12 سنة، بصفة وقتيّة أو بصفة نهائيّة، ومعظمهم يُستغلّ في التسوّل.
ويؤكّد محدّثنا على أنّ عدداً منهم يغادر نحو ولايات أخرى، ويقطنون هناك لأشهر، ويُستغّلون في جرائم اتّجار بالبشر، كاملة الأركان.
ويشير المربّي في تصريحه لموزاييك، إلى أن نسب الانقطاع عن الدّراسة في مدرسة المزيرعة من معتمديّة حاسي الفريد(المعتمديّة الأفقر في تونس) تتجاوز ال 10% سنويّاً. إذ انقطع 17 تلميذاً من 216 مرسّماً، في السّنة الدّراسيّة الحاليّة. فيما شهدت السّنة الدراسيّة الفارطة انقطاع 19 طفلاً عن الدّراسة من 222 تلميذاً، وعرفت السّنة الدراسيّة 2020/2019 تسرّب 22 تلميذاً من 187 تلميذاً مرسّماً.
من جانبه يؤكّد المندوب الجهويّ للتّربية منصف قاسمي، على أنّ ظاهرة استغلال تلاميذ المدرسة الابتدائيّة المزيرعة في التسوّل، بعد انقطاعهم عن التمدرس بصفة كليّة أو موسميّة، هي مسؤوليّة تتجاوز وزارة التربية، رغم ما تبذله من جهد للحدّ من التسرّب المدرسيّ، لأنّ الوضع الاجتماعيّ للعائلة يؤثّر على تمدرس التلّميذ.
ودعا إلى ضرورة التّفكير في منوال تنمويّ يوفّر للمواطن حقوقه الطبيعيّة، من ماء صالح للشّرب وشغل وبنية تحتيّة لائقة، تثبّته في جهته وتوفّر لطفله الظّروف الملائمة للدّراسة.
من ناحية أخرى، أكّد مصدر عليم صلب وزارة الأسرة والمرأة والطّفولة وكبار السنّ، لموزاييك، أن مندوب حماية الطّفل بالقصرين يتعاطى بشكل يومي مع إشعارات التسرّب المدرسيّ، والتّي تحتوي حالات جبر الأطفال على التسوّل، لكنّ ضعف الإمكانيّات المرصودة في كلّ الهياكل المتداخلة، تعتبر المشكل الأكبر لحلّ مثل هذه الإشكاليّات الّتي تتطلّب توفير إمكانيات ماديّة وأخرى لوجيستيّة لمختلف المتداخلين للعناية بالطّفل وعائلته.
وشدّد مصدرنا على ضرورة العمل أيضاً على ثقافة إشعار مندوب حماية الطفولة في حالات كثيرة، منها الاتّجار بالبشر، والّتي تعتبر جناية تتجاوز عقوبة مرتكبها 5 سنوات من السّجن، وتكون ثابتة إذا ما دفعت أيّة جهة كانت طفلاً ما نحو التنقّل من إلى ولاية إلى أخرى للتسوّل أو تعرّضه لأيّ نوع من الاستغلال.
شهادات صادمة تتمحور حول خطر حقيقيّ يهدّد أطفالاً باتوا عرضة لكلّ أنواع الاستغلال، وأصبحوا يتنقّلون لجمع ما يتوفّر من مكرمات وصَدَقات في الشّوارع والأنهج، عوض تلقّي تربية سليمة وعلماً نافعاً، قد يشكّل نواة مصعدهم الاجتماعيّ نحو ما هو فارق، وسط مجتمع من المفروض أن مصلحة الطّفل الفضلى فيه، هي بوصلته، بالنّصوص القانونيّة وبمجلّة حماية الطّفل... لكن بين النصّ والواقع مسافة العدالة الاجتماعيّة عن فئات محاطة بالهشاشة والبؤس... طبقة لا تزال تبحث عن بصيص أمل يضيء سبيل أطفالها الواقعين بين مخالب الفقر وبطش شتّى أنواع الاستغلال...
برهان اليحياوي.