تدخل دول في شأن تونس: أيّ دور للدبلوماسية وكيف تدار السياسة الخارجية؟
علّق الدبلوماسي والسفير السابق نجيب حشانة على بلاغ الخارجية الولايات المتحدة الأمريكية حول مراسيم رئيس الجمهورية قيس سعيد والتي تنص على إقالة 57 قاضياً وعلى تحوير القواعد التي تحكم المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، واعتبارها أنّ هذه المراسيم تعدّ نمطًا مقلقا من الإجراءات التي قوضت المؤسسات الديمقراطية المستقلة في تونس.
وقال خلال حضوره في برنامج "ميدي شو" اليوم الجمعة 3 جوان 2022 إنّ هذا البيان كان منتظرا وستتمّ قراءته على أعلى مستوى من الخارجية لرئاسة الحكومة والجمهورية والاعلام أيضا وحتى المجتمع المدني بمختلف مكوناته "لأنّه صادر عن دولة عظمى وشريك مهم لتونس اقتصاديا وعسكريا وسياسيا".
ورجّح حشانة أن لا يكون هذا البيان الأخير من نوعه من الولايات المتحدة "لأن مسار 25 جويلية رافقه تحفظ كبير من الخارجية الامريكية وأجندة الرئيس سعيّد كانت محل تساؤلات من طرفهم".
واعتبر أنّ عبارة "قوّضت المسار الديمقراطي" مهمة جديدة ويجب دراستها وكيفية التعامل معها واستعمال قوة الحجة لإقناع الطرف الأمريكي خاصّة أن العالم القديم بصدد التغير وهناك مؤشرات لعالم جديد تونس ليست بمنأى عنه، حسب تعبيره.
هناك أطراف حاولت استغلال تصريح الرئيس الجزائري لتوتير العلاقات مع تونس
وعن تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال ندوة صحفية عقدها مع نظيره الإيطالي سارجيو ماتاريلا بالعاصمة روما وقوله إن "مساعدة تونس على تجاوز المأزق الذي تمر به والعودة للطريق الديمقراطي"، بيّن السفير السابق أنّ ما أثار الجدل هي عبارة "عودة الى المسار الديمقراطي"، معتبرا أنّ هذا التصريح "ربّما يقصد به انتهاء الفترة الاستثنائية لكن الجزائر على كل المستويات هي جار لتونس وشريك مهم لا يمكن ان نتجاهله ولا يمكن اللعب بالمصير والقدر.. الجغرافيا تحكم في تونس وتفرض عليها ان تكون علاقاتها وطيدة مع الجزائر وليبيا".
وأضاف نجيب حشانة "لا خوف على العلاقات مع الجزائر ربما هناك أطراف إقليمية استغلت الزيارة لتأجيج المواقف وتوتير العلاقات لكن الموضوع الأمني وخاصة على الولايات الحدودية المشتركة أمر مهم للجزائر ولا يمكن للعلاقات بين البلدين ان تتحمل أي شيء سلبي على المستوى الأمني العسكري".
كان يجب مراعاة مصلحة البلاد وعدم اقحام سعيّد في مسألة "لجنة البندقية"
وفي سياق آخر، وبخصوص تقرير "لجنة البندقية" وتصريحات قيس سعيّد بخصوصها، كشف ضيف "ميدي شو'' أنّه كان يجب مراعاة مصلحة البلاد وعدم وضع رئيس الجمهورية في الواجهة لإعلان موقفه من اللجنة "هذا الأمر خاطئ وكان يجب أن تتولى الخارجية هذا الأمر .. كان يجب المحافظة على صورة الرئيس امام الخارج وتحضير موقف رصين مدروس لعدم اثارة الجانب الاخر، وذلك لا يعني التفريط في سيادتنا او قرارنا الوطني لكن يجب دراسة الموضوع اخذا بعين الاعتبار مصالح تونس ".
وقال نجيب حشانة "سياستنا الخارجية كانت مشعة لأن وضعيتنا كانت مريحة والتراجع الكبير للسياسة الخارجية ظهر جليا في السنوات العشر الأخيرة وخاصة منذ 25 جويلية وانعدام التواصل والاتصال زاد الطين بلة لان الشركاء والممولين يجهلون حقيقة الوضع وسبب الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية منذ البداية".
وأكّد ضرورة تصحيح الوضع الداخلي ورأب الصدع حتى تسترجع بلادنا ثقة الدول المانحة والمستثمرين على حدّ السواء.
يجب أن لا يتحوّل الحلفاء إلى أعداء
من جانبه أوضح المختصّ في التواصل السياسي كريم بوزويتة أنّ تونس لها علاقات مع كل دول العالم وتربطها مصالح وميولات تاريخية مع الحلف الأطلسي حتى لو لم يتمّ التصريح بذلك.
وتابع "الولايات المتحدة الأمريكية ليست دولة عدوة بل هي حليفة لتونس وتضمن القروض والتمويلات لهذا يجب مراعاة العلاقة معها.. الدبلوماسية هي من ستخدم تونس حتى لا يتحول الحلفاء الى أعداء".
يجب التعامل مع الجزائر بمنطق الشركاء لا الأشقاء
وأشار بوزويتة إلى أن العلاقات الخارجية تتطلب القوة والاستقلالية والاكتفاء "وان كانت موازين القوى متفاوتة سيسمح ذلك بتدخل الجميع في شؤون أي دولة داخليا".
كما علّق على تصريحات الرئيس الجزائري بخصوص المسار الديمقراطي في تونس، قائلا "تونس خاضت 8 حروب مع الجزائر وكل ما وقعت حرب اهلية في تونس تستغل الجزائر الفرصة لافتكاك مناطق في تونس لهذا يجب تجاوز اسطورة الدولة الشقيقة والتعامل مع الجزائر بمنطق الشركاء والمصالح"
وعن النبرة حادة الحادة لرئيس الجمهورية ضدّ "من يتدخل في شان تونس الداخلي"، لفت المختصّ في التواصل السياسي إلى أن السيادة الخارجية تتطلب الاستقلال في القرار لا الإكتفاء بإلقاء الخطابات "يجب أن نضمن أمننا الغذائي والاستقلال الطاقي والمائي ثم نتحدث عن السيادة".
وأشار إلى أن الخارجية التونسية لا تملك الثقافة لا الإمكانيات لتلميع صورة تونس في الخارج وبناء العلاقات العالمية "لهذا يجب اليوم التفكير جديّا في بناء سياسة علاقات عامة لتونس ليس فقط للترويج للسياحة.. اليوم انتهى وقت الإصلاحات لأنه حان وقت التغيير".
مضمون بيانات أمريكا عن تونس تغيّر..
بدوره أكّد الصحفي بوكالة رويترز للأنباء طارق عمارة أنّ الموقف الأمريكي من تونس تطوّر بشكل واضح "فبعد البيانات التي كانت تتحدث عن القلق تحول الحديث اليوم الى تقويض مؤسسات الدولة والوضعية المقلقة.. وواضح ان اللغة تغيرت من أكبر دولة في العالم".
وقال "تونس تعيش أزمة اقتصادية خانقة والمالية العمومية توشك على الإفلاس.. وهي ليست بلدا في جزيرة معزولة وإن كانت تبحث عن دول مانحة يجب عليها أن تتجاوز مشاكلها وخلافاتها السياسية وتركّز على الجانب الاقتصادي".
وأضاف طارق عمارة "نحن ضدّ التدخل في الشأن الداخلي لبلادنا لكن يمكن للقوى العظمى أن تبدي رأيها لان تونس ليست معزولة كما أن دول أوروبا او أمريكا استثمروا في التجربة الديمقراطية وهذا يعطيهم الحقّ في إعلان مواقفهم ممّا يحدث".
"لا يمكن الحديث عن السيادة وانت مادد يدّك تتسلّف"
كما اعتبر أنّ تونس مطالبة بالتعويل على امكانياتها وإنقاذ اقتصادها لمنع تدخل الأطراف الخارجية في شأنها الداخلي، مضيفا "لا يمكن الحديث عن السيادة وانت مادد يدّك تتسلّف"، مشددا على أهمية تشكيل جبهة وطنية موحدة داخليا.
كما أقرّ أن تصريح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مثير للجدل رغم محاولة تأويله فيما بعد وتفسيره لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هناك مصالح مشتركة بين البلدين ستفرض ان تسير الأمور بشكل طبيعي رغم محاولات تأجيج الأمور من بعض الأطراف الإقليمية.