لماذا لا تُعجبنا صورنا وتبدو أصواتنا غريبة عنّا في الفضاء الرقمي؟
هل سبق أن شعرت بعدم الارتياح عند سماع صوتك المسجل أو عند رؤيتك لصورتك؟ هل تساءلت يوما لماذا يبدو لك صوتك مختلفا؟ ولماذا لا تبدو صورتك جذابة؟ لا تقلق، فأنت لست وحدك. كثير من الناس يمرون بهذه التجربة، والسبب يعود إلى عوامل نفسية وإدراكية سنحاول تفسيرها في هذا المقال.
صوتك المسجل غريب عليك؟ لا تقلق!
وفقا لدراسة استقصائية نشرتها صحيفة واشنطن بوست، ونقلها موقع العربي، في مارس 2024، أشار حوالي 750 شخصا من بين 1500 مشارك إلى أنهم صُدموا عند سماع أصواتهم المسجلة، بل وأعربوا عن رغبتهم في تغييرها لو أمكن ذلك. هذا الشعور ليس نادرا، بل هو ظاهرة شائعة لها جذور علمية في مجال علم النفس السمعي.
لماذا نرفض أصواتنا المسجلة؟
يفضّل الدّماغ الأصوات المألوفة التي يسمعها باستمرار، ولذلك فإن سماع صوتنا المسجل قد يبدو غريبا لأنه لا يتطابق مع ما اعتدنا سماعه عند التحدث. هذا الانحياز الإدراكي يجعلنا نشعر بعدم الارتياح عند سماع صوتنا الخارجي كما يسمعه الآخرون، حسب عدد من الدراسات في علم النفس السمعي.
إضافة إلى ذلك، فإن تلك الدراسات نفسها قد أثبتت أن الإدراك السمعي يلعب دورا مهما في هذا الشعور. فعندما نتحدث، تنتقل الموجات الصوتية إلى أُذننا الداخلية عبر طريقين: الأول هو الهواء، كما يحدث عند الاستماع إلى تسجيل صوتي، والثاني عبر اهتزاز عظام الجمجمة، وهو ما يجعل الصوت يبدو لنا أكثر عمقا ودفئا، عند التحدث. ولكن عندما نسمع تسجيلا لصوتنا، فإن الموجات تنتقل فقط عبر الهواء دون التأثير العظمي، مما يجعل الصوت يبدو أكثر حدة وأقل عمقا، فيبدو صوتنا غريبا علينا.
المواجهة الصوتية: لماذا نهتم برأي الآخرين؟
عندما يسمع الشخص صوته كما يبدو للآخرين، قد يشعر بأن توقعاته اهتزت، مما يؤثر على ثقته بنفسه. هذه الظاهرة تُعرف باسم المواجهة الصوتية، وقد تمت دراستها لأول مرة في ستينيات القرن الماضي، من قبل عالميْ النفس فيليب هولزمان وكلايد روزي. أظهرت الدراسات أن الأشخاص يميلون إلى التركيز على الجوانب السلبية في أصواتهم عند سماعها مسجلة، مما قد يدفعهم إلى اتخاذ موقف دفاعي أو حتى كره أصواتهم، حسب ما نشره موقع الحرة.
هل ينطبق الأمر على مظهرك في الصور؟
تماما كما يحدث مع الصوت، قد يشعر الشخص بعدم الارتياح عند رؤية صورته في الألبومات أو الفيديوهات. فعند النظر في المرآة، يرى انعكاسا معكوسا لصورته، على عكس ما يراه الآخرون في الصور أو التسجيلات البصرية، مما قد يؤدي إلى شعور بالاختلاف بين الصورة الذهنية التي كوّنها عن نفسه نتيجة أثر المرآة، وبين الصورة الفعلية التي تُنشر له. كما أن بعض العدسات والكاميرات قد تُوسّع ملامح الوجه أو تقلّصها، مما يجعلها تبدو غير مألوفة لصاحبها، وهو ما يعزز الإحساس بعدم الارتياح تجاهها، وفق عدد من الدراسات.
الفيلتر وهوس المظهر المثالي:
من جهة أخرى، في عالم تهيمن عليه وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الناس يسعون للحصول على صور مثالية باستخدام الفيلتر، سعيا وراء تفاعل رقمي غالبا ما يكون قائما على المجاملات. وقد أدى ذلك إلى تدني تقدير الذات، وأصبحت صورة الشخص أو مقاطعه المصوّرة محل مقارنة دائمة مع صور وفيديوهات الآخرين، مما يجعله غير راض عنها باستمرار، وفق عدد من دراسات علم النفس.
وفي هذا السياق، نقل موقع الجزيرة تصريحا للمستشار في علم النفس مازن مقابلة، الذي وصف الانتشار الواسع "للفلاتر" المجانية كوسيلة لجذب المستخدمين وزيادة تعلقهم بمنصات التواصل الاجتماعي بأنه "كارثة". وأوضح أن هذه الظاهرة أسهمت في ارتفاع معدلات اضطراب التشوّه الجسدي (Body Dysmorphic Disorder)، وهو اضطراب وسواسي يجعل الفرد يعاني من قلق مفرط بسبب عيوب في ملامحه أو جسده، حتى وإن لم تكن ظاهرة للآخرين، وهو ما يدفع البعض إلى اللجوء إلى عمليات التجميل.
ختاما من نحن؟
بين الصوت والصورة، وبين ما نراه في أنفسنا وما يراه الآخرون فينا، تتشكل فجوة إدراكية تفتح باب التساؤل حول مدى واقعيتنا في أعيننا، فنحن نعيش في عصر تُعاد فيه صياغة الملامح وتُعدّل فيه الأصوات، حتى باتت الحقيقة فيه محاصرة بالشك، الأهم صديقتي القارءة، صديقي القارئ، إن لم تعجبك صورتك أو بدى لك صوتك غريبا عنك، تساءل: هل نقيس ذواتنا بما تلتقطه الكاميرا، أم بما نتركه من تجارب في مسارنا الشخصي، وما نرسمه من أثر في حياة الآخرين؟
برهان اليحياوي