بؤساء الهند من مسلمي ''الداليت''.. اغتصاب طبقي وعبودية حديثة
تتعرض الطائفة "المنبوذة" في الهند، إلى إقصاء متواصل سببه النظام الطبقي الموجود في البلاد، مما عرضها على الدوام إلى انتهاكات حقوقية جسيمة.
هذه الطبقة يطلق عليها أساسا اسم "الداليت"، وهي الفئة التي تقع خارج النظام الطبقي، وتعد من أقسى الحالات وأكثرها عنصرية في العالم، وفق منظمات حقوق الإنسان.
وعلى الرغم من أن دستور البلاد ألغى "المنبوذين" رسميا في 1950، فإن التمييز ضد أبناء "الداليت" ما زال قائما على أساس المعيار الطبقي الاجتماعي.
ويقدّر عدد المنتمين إليها بحوالي 250 مليون نسمة، وهم من بين أكثر مواطني الهند تعرضا للاضطهاد بسبب التسلسل الهرمي للطائفة الهندوسية.
تزايد حوادث الاغتصاب والقتل للفتيات المنتسبات لتلك الطبقة، من قبل طبقات أعلى في السلم الهندوسي في ولاية "أوتار برادش" (شمال)، أدى إلى عودة تسليط الضوء على المكانة الاجتماعية والاقتصادية للمنبوذين.
** أربع طبقات رئيسية
تمثل الطبقية أساس النظام الاجتماعي في الهند، انطلاقا من الكتب الهندوسية المقدسة، وقانون "مانو" الذي يؤدي دورا مهما في تحول ذلك التصنيف إلى نظام قائم.
و"مانو" اسم كان يطلقه قدماء الهنود على أول "الملوك السبعة المؤلهين" الذين حكموا العالم في العصور القديمة، وفق المعتقدات الهندوسية.
ويتألف القانون من ألفين و685 مادة صيغت بأسلوب شعري، تتصل بسلوك الإنسان وحياته من الوجهة الدينية والمدنية، واختلف المؤرخون في تاريخ إقراره.
ويتكون النظام الاجتماعي في الهند، والمستمر منذ آلاف الأعوام من أربع طبقات رئيسية، هي البراهمة (رجال الدين) وتتربع على قمة الهرم الطبقي، وكشاتريا (العسكريين والقادة)، وفايشيا (التجار)، شودرا (الخدم والعبيد).
وهناك مئات الطبقات الفرعية الناتجة عن تزاوج بين أفراد الطبقات الأربع الرئيسية، فيما ينتمي الأطفال إلى طبقات آبائهم وأمهاتهم وبذلك يُتوارث النظام الطبقي.
** ماذا عن "الداليت"؟
أما طبقة "الداليت" فهي خارج هذا التصنيف، وتقبع في أسفل السلم الاجتماعي، كما أن قانون "مانو" يحرض ويحث الطبقات الأخرى على نبذهم.
ويمنع "المنبوذون" من التواصل مع الأشخاص المنتسبين للطبقات الأعلى، كما يحرمون من بعض الممارسات الاجتماعية مثل مصافحة الآخرين والخروج من منازلهم بعد وقت معين.
وهناك تأثير كبير على أبناء الطبقات الأربع، سببه النصوص المذكورة بقوانين "مانو"، والكتب الهندوسية المقدسة الأخرى بخصوص تمييز هؤلاء واستمرار قمعهم.
وبسبب هذا التمييز، أقدم "بيمراو رامجي أمبيدكار" ( 14 أفريل 1891 - 6 ديسمبر 1956)، في 25 نوفمبر 1927، على إحراق نسخة من "مانو" في ولاية ماهاراشترا (جنوب غرب)، ثاني أكبر ولايات الهند سكانا.
وآنذاك، أرجع "أمبيدكار" المدافع عن حقوق "الداليت"، وأحد مؤسسي الدستور الهندي، وأول وزير للقانون والعدل في البلاد، السبب فيما فعله إلى أن تلك القوانين "تشرعن التمييز الطائفي ونبذ الطبقات الدنيا".
** استمرار التمييز حتى اليوم
وفي حديث للأناضول، قال الناشط "ياش ميغهوال" الذي يكافح انتهاكات حقوق الإنسان بحق "الداليت" إن عددهم في الهند يصل 250 مليون شخص.
وأوضح أن نبذ الطائفة أحد وجوه التمييز الطائفي في البلاد، مؤكدا إلى أن هذه الممارسات لا تزال تمارس رغم أن الدستور يحظرها.
وأشار إلى أن متبعي أيديولوجية "هندوتفا" (الشكل السائد للقومية الهندوسية) "ينشرون هذا الفكر في كل مكان"، معتبرا أن "هذا الوضع سيستمر حتى تأسيس نظام تعليم يشمل جميع أفراد المجتمع دون تمييز".
الكاتب والباحث الهندي "أرفيند كومار"، تحدث عن خطوات هامة اتخذت لتحسين الأوضاع الاجتماعية والسياسية لطبقة "الداليت"، لكنهم ما زالوا يعانون من القمع والتمييز.
وأضاف أن نظام التصنيف الطبقي شائع جدا في المناطق الريفية، وأنه لا يمكن القول أيضاً بأنه غير موجود في المدن، حتى أنه يُطبق أحيانا بين الجاليات الهندية في الخارج.
** الأكثر تضررا
ولفت كومار إلى أن المنتسبين لـ"الداليت" أكثر من تأثروا من وباء كورونا المستجد (كوفيد-19)، مشيرا في سياق أخر إلى أن ثلث عدد المسجونين في البلاد من أبنائها.
وقال: "الوكالات والمنظمات الدولية تنفق مبالغ ضخمة لمحاربة الفقر في الهند، لكنهم لا يتقبلون فكرة أن نظام التصنيف الطائفي هو السبب الرئيسي في ذلك، وأن معظم الفقراء من طائفة الداليت".
وأكد الباحث الهندي إلى أنه على الرغم من حظر الدستور للتمييز الطائفي، فإن "الداليت لا يزالون يتعرضون للتعذيب والاغتصاب والاعتقال التعسفي".
وحسب تقارير، فإن أفراد هذه الطبقة الأدنى "يؤدون وظائف متواضعة مثل تنظيف المراحيض وإزالة القمامة والتخلص من الحيوانات النافقة"، تتسبب في زيادة التمييز ضدهم بناء على معتقدات هندوسية.
*مسلمو «الداليت»
وأبرز القطاعات المتضررة في الهند هي المجتمع المسلم، لاسيما مسلمي "الداليت" في ولاية بيهار الذين استهدفهم التهميش والتجاهل من قبل السياسيين في تلك البلاد منذ استقلالها عن الإستعمار البريطاني منذ عام 1947م . ونظراً لكون النظام الطبقي هو جزء أساسي في المجتمع الهندي فإن المسلمين لإعتبارات سياسية فرضتها الأغلبية الهندوسية هم قاعدة الهرم الطبقي.
فقد وصل الطغيان الحكومي ضد " الداليت" بمنعهم من دفن موتاهم في المقابر العامة. كذلك يتم تجاهل المسلمين في الهند وتهميشهم في الحياة التعليمية والوظائف والخدمات الحكومية رغم أن الدستور الهندي يمنع التمييز على أسس طائفية.
وتقتصر أعمالهم غالباً على القطاعات الدنية في المجتمع الهندي مثل أعمال النظافة ودبغ الجلود والنفايات الصلبة والأعمال اليدوية. تقول مجلة الإقتصاد والسياسية الإسبوعية إن العدد الدقيق للمسلمين في الهند غير معروف لكن الإحصاء الرسمي الذي نشر عام 2011 ذكر أنهم يزيدون عن 172 مليوناً وإذا كان هذا الرقم صحيح فإن 75 في المئة منهم من الداليت، أي أن عدد المسلمين "الداليت" يصل إلى 100 مليون نسمة.
تقول صحيفة "ليموند" الفرنسية "إن أول الضحايا هم المسلمون، الذين تمارس الدولة بحقهم سياسية تمييز منهجية، ثم الداليت، أو طبقة المنبوذين، المصنفة في أسفل التسلسل الهرمي الطبقي، وثالثاً ملايين العمال من الفقراء، الذين يغادرون قراهم إلى المدن والضواحي، بحثاً عن عمل، فيتم تشغيلهم في أحط الاعمال وأكثرها مشقة، بأجر زهيد، ومن دون أي ضمانات".
زادت ضائقتهم الإقتصادية والإجتماعية كثيراً بعد أزمة كورونا فقد استهدفت نسائهم بالإغتصاب والعنصرية والاعتداء على قراهم ومحاصرتها ومحاولة منعهم من الخروج منها، كذلك رفضت الكثير من المتاجر بيعهم السلع الأساسية، وقد وجهت منظمة العفو الدولية انتقادات للحكومة الهندية بسبب تجاهل هذه الفئة من المجتمع ورفضها حماية مجتمع "الداليت المسلم" من العنصرية والفقر.
المصدر : وكالة الأناضول بتصرف