العنف الرقمي.. الوجه الخفي لاضطهاد النساء عبر الإنترنت
العنف الرقمي هو نوع من أنواع العنف ضد النساء يتم ممارسته عبر منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفقًا للتعريف الأممي، يشمل العنف الرقمي الأفعال التي تهدف إلى إيذاء المرأة نفسيًا أو جسديًا من خلال وسائل رقمية، مثل التهديدات، والقذف، والتشهير، والابتزاز، وصولًا إلى التحريض على العنف.
ويعد هذا النوع من العنف غير مرئي أحيانًا، مما يجعل من الصعب تصنيفه ومحاسبة المعتدين عليه.
تعتبر هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن العنف ضد النساء والفتيات هو واحد من أبرز انتهاكات حقوق الإنسان في العالم، حيث يشمل أشكالًا مختلفة من الاعتداءات البدنية، والنفسية، والجنسية، والاقتصادية. ومع تزايد الاعتماد على الإنترنت وتقنيات الاتصال السريع، أصبحت هذه الأدوات على الرغم من فائدتها في تسهيل التواصل، ساحة جديدة للعنف ضد المرأة.
هذه الظاهرة أصبحت مشكلة عالمية تهدد أمن المرأة في العديد من المجالات، وخصوصًا في العالم العربي، حيث أصبحت الإنترنت تشكل خطرًا حقيقيًا على سلامتها النفسية والجسدية.
بدورها اريج ساسي عضوة جمعية أصوات نساء، تحدثت في تصريح لموزاييك عن عمل الجمعية في التصدي للعنف الرقمي ضد النساء في إطار حملة الـ 16 يوما لمناهضة العنف المبني على النوع الاجتماعي، وهي حملة عالمية تدعو إلى وضع حد للعنف ضد النساء والفتيات. تقام كل عام وتبدأ في 25 نوفمبر، اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، وينتهي في يوم حقوق الإنسان، 10 ديسمبر.
تزايد العنف الرقمي في العالم العربي
كشفت دراسة أجراها المكتب الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية في عام 2020، أن العنف الرقمي ضد النساء في المنطقة قد ازداد بشكل ملحوظ خلال فترة جائحة كوفيد-19.
شملت الدراسة تسعة دول عربية منها تونس، أظهرت أن العنف عبر الإنترنت كان من أكثر الأشكال التي تم الإبلاغ عنها، خاصة في الأشهر الأولى من الجائحة.
ووفقًا للدراسة، أعربت حوالي 49% من النساء في العالم العربي عن عدم شعورهن بالأمان بسبب التحرش عبر الإنترنت، بينما كانت النسبة أكبر بين الناشطات المدافعات عن حقوق الإنسان، حيث بلغت 70%.
أشكال العنف الرقمي
أظهرت النتائج أن العنف الرقمي ضد المرأة في العالم العربي يتخذ أشكالًا متعددة، وأبرز هذه الأشكال كان تلقي صور أو رموز غير مرغوب فيها ذات محتوى جنسي، حيث بلغت نسبته 43%، تلاه التعرض لمكالمات هاتفية مزعجة أو اتصالات غير لائقة بنسبة 38%، ثم تلقي رسائل مهينة أو مليئة بالكراهية بنسبة 35%.
كما تعرضت حوالي 22% من النساء للابتزاز الجنسي المباشر عبر الإنترنت، وفيما يتعلق بالناشطات في مجال حقوق الإنسان، كانت هذه النسب أعلى بكثير، إذ أبلغت 70% منهن عن تلقي صور أو رموز جنسية غير مرغوب فيها، و62% عن تلقي رسائل مهينة.
الانتشار الأكبر للعنف الرقمي
وفيما يخص منصات التواصل الاجتماعي، أفادت الدراسة بأن النصيب الأكبر من العنف الرقمي وقع عبر موقع فيسبوك (43%)، يليه إنستغرام (16%)، ثم واتساب (11%).
هذه الأرقام تكشف عن حجم الانتهاك الذي تواجهه النساء على هذه المنصات، والتي أصبحت مساحات مفتوحة لتعرضهن للتهديدات والمضايقات.
التأثير النفسي للعنف الرقمي
يترك العنف الرقمي تأثيرات سلبية عميقة على الصحة النفسية للنساء، فحوالي 35% من النساء اللواتي تعرضن لهذا النوع من العنف أبلغن عن شعورهن بالحزن أو الاكتئاب، بينما فقدت نسبة مشابهة 35% الثقة في الأشخاص من حولهن.
كما أفادت 12% منهن بأنهن راودتهن أفكار انتحارية نتيجة هذا العنف، مما يعكس شدة الأثر النفسي الذي يتركه هذا النوع من الاعتداءات.
وتعد نتائج هذه الدراسة بمثابة إنذار بالوضع الخطير الذي يواجه النساء في العالم العربي في الفضاء الرقمي، ولا يمكن تجاهل العنف الذي يتعرضن له عبر الإنترنت، والذي يشكل تهديدًا لسلامتهن البدنية والنفسية، ويقوض مشاركتهن الفعالة في الفضاء الإلكتروني.
ووفقًا للتوصيات الواردة في الدراسة، من الضروري أن تُتخذ إجراءات جادة لمكافحة هذا النوع من العنف من خلال زيادة الوعي والتثقيف، إذ أنه من الضروري نشر الوعي بين النساء حول كيفية التصدي للعنف الرقمي وتوفير سبل للإبلاغ عنه.
بالإضافة إلى تحسين الخدمات الحكومية، إذ يجب العمل على تطوير خدمات متخصصة لمساعدة الناجيات من العنف الرقمي، بالتعاون مع الشرطة ومنظمات المجتمع المدني.
وكذلك تعزيز دور شركات الإنترنت، إذ يجب على منصات الإنترنت أن تلتزم بتوفير بيئة آمنة للنساء، من خلال وضع سياسات واضحة للحد من العنف الرقمي، وتسهيل آليات الإبلاغ. بالإضافة إلى دعم التشريعات حيث أنه من المهم تطوير التشريعات التي تجرم العنف الرقمي وتضمن حقوق النساء في الفضاء الإلكتروني.
وقالت وفاء الذوادي مسؤولة برامج الشباب بصندوق الأمم المتحدة للسكان بتونس، في تصريح سابق لموزاييك إن "91% من العنف الرقمي يمارس عبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، كأول منصة تواصل اجتماعي، وتتفاوت النسب من ولاية إلى أخرى. وترتفع هاته النسب في ولايات قبلي وتطاوين ومنوبة وتونس".
وذكرت الذوادي، بأنه بحسب الدراسات التي قامت بها هيئة الامم المتحدة للمرأة فان حوالي 19 بالمائة من النساء في تونس تعرضن للعنف عبر الإنترنت مع 41 بالمائة منهن أبلغن عن تعرضهن للعنف عدة مرات.
انتهاكات مستمرة للحقوق النسائية على الإنترنت
كشفت دراسة حديثة أعدها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) حول "العنف الرقمي في تونس"، عن حجم الاعتداءات المتزايدة ضد النساء عبر الإنترنت في البلاد، في وقت يشهد فيه العالم تزايدًا ملحوظًا في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي كأداة للتواصل والإعلام.
وتبرز الدراسة عدة أنواع من العنف الرقمي الموجه ضد النساء التونسيات، أبرزها العنف اللفظي عبر الإنترنت، مثل الشتم والقذف والتهديدات العلنية، واستخدام الكلمات المسيئة مثل "العاهرة" و"المرأة الفاسقة".
ويظهر هذا النوع من العنف بشكل متزايد في التعليقات المسيئة على منصات مثل الفيسبوك، حيث يمكن للمعتدين نشر رسائل بذيئة أو تهديدات علنية ضد النساء لمجرد ظهورهن في الفضاء العام أو تعبيرهن عن آرائهن.
أثر العنف الرقمي على النساء في تونس
يعتبر العنف الرقمي في تونس ظاهرة مقلقة تؤثر بشكل كبير على الحياة النفسية والاجتماعية للنساء. وتشير الدراسة إلى أن هذا العنف لا يتوقف عند الحدود اللفظية فقط، بل يمتد إلى التهديدات الموجهة بالتسبب في الأذى الجسدي أو الاجتماعي للضحية. على سبيل المثال، يتم تهديد العديد من النساء بنشر صورهن الخاصة أو نشر معلومات شخصية حساسة عنهن على الإنترنت كوسيلة للانتقام أو الضغط.
وقد تكون النساء الأكثر عرضة لهذا النوع من العنف هن الفتيات الشابات، وخصوصًا اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و17 سنة، حيث أنهن أكثر استخدامًا لمنصات التواصل الاجتماعي. ويستهدف هذا العنف الفتيات بشكل خاص في سياقات مثل التحرش الإلكتروني، والتشهير، والتهديدات العنيفة التي تؤثر على حياتهن اليومية.
نتائج المسح الوطني حول العنف ضد المرأة
أظهرت نتائج مسح وطني أجرته المعهد الوطني للإحصاء في تونس حول العنف ضد المرأة، أن 84.7% من النساء المستجوبات تعرضن للعنف بمختلف أشكاله مرة واحدة على الأقل منذ سن الخامسة عشر.
ويشمل هذا العنف العنف المعنوي، الذي يتصدر قائمة أشكال العنف ضد النساء بنسبة 49.3%، يليه العنف الجنسي بنسبة 15.6%، والعنف الاقتصادي بنسبة 11.4%، والعنف المادي بنسبة 5.3%.
ومن الأرقام التي لفتت الانتباه هي أن 14.4% من النساء المستجوبات قد تعرضن للعنف الإلكتروني، ما يعكس التهديدات التي تلاحقهن في فضاءات شبكات التواصل الاجتماعي. وتجدر الإشارة إلى أن النساء الأكثر تعرضًا للعنف الرقمي هن الفتيات الشابات، بما في ذلك الفتيات المتحصلات على تعليم عالي واللواتي ينشطن في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
تهديد للحقوق الفردية والكرامة الإنسانية
تشير الدراسة إلى أن العنف الرقمي يشكل تهديدًا خطيرًا للحقوق الفردية والكرامة الإنسانية للنساء في تونس. إذ يمكن لهذا النوع من العنف أن يدفع النساء إلى العزلة الاجتماعية، والتراجع عن الأنشطة العامة، وحتى تغيير سلوكهن وتوجهاتهن بسبب الخوف من التعرض للاعتداءات الرقمية. هذا يشير إلى حاجة ملحة لوضع استراتيجيات للتوعية والمكافحة لمواجهة هذا النوع من العنف.
من الضروري أن تتخذ السلطات التونسية إجراءات أكثر فاعلية لمكافحة العنف الرقمي وحماية النساء عبر الإنترنت.
ويشمل ذلك تعزيز القوانين المتعلقة بحماية النساء من الاعتداءات الرقمية، مثل مكافحة التحرش الإلكتروني، وتوفير منصات آمنة لهن للتبليغ عن الانتهاكات الرقمية. كما يجب تشجيع النساء على التعرف على حقوقهن الرقمية، وتنظيم حملات توعية للمجتمع ككل حول هذه القضية.
صلاح الدين كريمي