مُكعّب الروبيك.. تنمية للمهارات العقلية في عالم تغزوه الشاشات
مكعب روبيك أو المُستحيرة (Rubik's Cube) هو ليس مجرد 'لعبة'، إن صحّ التعبير، معروضة للبيع في أغلب محلات الألعاب، بل هو اللغز المفضل في العالم لمدة نصف قرن.
آخر الدراسات أفادت بأنّ هذا اللغز يساعد على تنمية المهارات العقلية للأطفال، حيث يطور التفكير النقدي والتحليل لدي الطفل ويعزّز التفكير المنظم والإبداعي، لأنّه يساعد علي تنمية القدرة على البحث على الحلول المبتكرة والمختلفة للتحديات التي تواجهه، والأمر طبعا لا يقتصر عن هذه الفئة، فحتى للكبار له فوائد عقلية وصحية عديدة، فما هي قصّة هذا اللغز؟..
ماذا نعرف عن مكعب الروبيك ؟
في عام 1974، حاول المهندس المعماري إرنو روبيك إيجاد طريقة لعمل نموذج للحركة ثلاثية الأبعاد لطلابه، وبعد أشهر من العمل على مكعبات مصنوعة من الخشب والورق ومثبته بأربطة المطاط والصمغ ومشابك الورق، تمكن أخيرا من اكتشاف شيء أسماه المكعب السحري.

المهندس المعماري إرنو روبيك مغترع المكعب
بيع من المكعب السحري 350,000,000 مكعبا حتّى جانفي 2009 في جميع أنحاء العالم، وفي ماي 2024، بيع أكثر من 500 مليون نموذج منه، دون احتساب ملايين النسخ المقلدة، في نتيجة خالفت توقعات كثيرين، مما يجعله أكثر الألعاب مبيعًا في العالم.
في مكعب روبيك الكلاسيكي، يُغطى كل وجه من وجوه المكعب الستة بتسعة ملصقات، وكل وجه يُلصق بملصق واحد من بين الألوان الستة الصلبة: الأحمر، والأبيض والأزرق والبرتقالي والأخضر والأصفر، وتمكن آلية محورية بتدوير كل واجهة بشكل مستقل، وبالتالي يمكن خلط ترتيب الألوان، ولحل اللغز يجب أن يكون كل وجه بلون واحد، وقد تم إنتاج ألغاز مماثلة مع أعداد مختلفة من الملصقات، لكن النسخة الأصلية ذا الأبعاد (3×3×3)احتفلت بعيدها السنوي الأربعين في عام 2014.
عام 1975 سجل إرنو روبيك مكعبه السحري كبراءة اختراع، للوهلة الأولى يبدو المكعب بسيطًا، لكن يكمن التحدي في العدد المذهل للاختلافات المحتملة الذي يتجاوز 43 كوينتليون (كوينتليون: مليار مليار)، لم يتمكن روبيك نفسه من حل اللغز إلا بعد شهر من المحاولة، كان يعتقد في البداية أن اللغز لن يجذب سوى الأشخاص ذوي الخلفية الرياضية أو الهندسية أو العلمية، لكنه جذب أطيافًا مختلفة.

انتشر في السوق سنة 1977..
في عام 1977، انتشر اللغز في الأسواق المجرية بعد تسجيله كبراءة اختراع، وفي عام 1980 تمكن متخصص الألعاب توم كريمر من إقناع شركة أمريكية بتوزيع اللغز وأصبح اسمه ''مكعب روبيك''، وحصل روبيك على عقد شركة ''Ideal Toy'' الأمريكية، وكانت المبيعات متواضعة في البداية لكنه اشتهر عالميًا وحقق ملايين المبيعات بعد ذلك، أصبح الاختراع من أكثر الألغاز شعبية في العالم وأقيمت مسابقات لحله في أقصر وقت ممكن.
وفقًا لمدونة ''On The Clock''، لم يتمكن من حلّ مكعب روبيك إلاّ 5.8% فقط من الأشخاص حول العالم، وسجّل يوشنج دو من الصين رقمًا قياسيًا في حلّ اللغز في 3.47 ثانية ليتفوق على حامل اللقب السابق بفارق 0.75 ثانية فقط.
هذا المكعّب الملوّن يُنظر إليه على أنّه عرض لمستوى الذكاء، ومهارات الإبداع، وغيرها، ولكن ما كان مجرّد تسلية واستعراض بات اليوم أداة نحصل منها على فوائد للصحة العقلية، فكيف ذلك؟

فوائد عقلية عديدة لهذا اللغز السحري
تحسين الذاكرة: يساعد مكعب روبيك في تحسين عضلات الذاكرة، ذلك الجزء من الدماغ الذي يتذكر المهام عن طريق التكرار، هناك الكثير من الأنشطة التي تحسن تلك العضلات، حيث يستطيع لاعبو المكعبات تذكر نحو 10 خوارزميات سريعا وتخزين أكثر من 100 خوارزمية في دماغهم.
الصبر: يتطلب حل اللغز مثابرة شديدة فقد يستغرق ساعات وربما عدة أيام للجلوس للتفكير في حل، وربما العودة إلى نقطة الصفر، يمنحك حل اللغز شعورا بالإنجاز والرضا، وعندما تواجهك مشكلات في الحياة ستتكون لديك ثقة في قدرتك على حلها حتى لو استغرقت وقتًا طويلًا.
التركيز والترتيب: يحتاج حل اللغز إلى التركيز، وفي عصر الشاشات الرقمية أصبح من الصعب التركيز في مهمة واحد، لكن في أثناء حل اللغز تصبح خلايا الدماغ نشطة بشكل كبير، يحسن المكعب أيضًا من مهارات رسم الخرائط المعرفية للدماغ وفقًا لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
تقليل خطر الإصابة بالخرف ومرض الزهايمر: وجد باحثون أن هناك ارتباطاً قاطعاً بين حلّ الألغاز والصحة العقلية، لدى البالغين من سن 55 حيث لديهم خطرا أقل للإصابة بالخرف، ومرض الزهايمر عند إكمال لغز كل يوم. وأظهرت دراسة نشرت في مجلة Geriatric Psychiatry أن هناك تحسناً بنسبة 15% في ''الذاكرة المكانية العاملة'' لدى البالغين الذين يحلّون الألغاز كل يوم، مقارنة بمن لا يحاولون حل الألغاز من أيّ نوع.

زيادة سرعة رد الفعل: تعمل الألغاز، بخاصة مكعّبات روبيك، على تعزيز قدرة الشخص على التعرف إلى الأنماط، وتفسير ما يجب أن تكون عليه حركاته التالية. وتُظهر نفس الدراسة التي أجريت في مجلة Geriatric Psychiatry ارتباطاً مباشراً بردّ الفعل الأسرع لدى البالغين الذين يحلّون الألغاز بانتظام، بمتوسط وقت ردّ فعل إدراكي أسرع بمقدار 8 ملّلي ثانية.
تعزيز تنسيق اليد والعين: عندما يسجل العقل ما ستكون أفضل حركة تالية، فلن يتم تنفيذها إلا إذا كانت اليدين قادرة على مواكبة الدماغ. وسيزيد تعلّم حل مكعّب روبيك من الاتصال بين دماغك ويديك، وبمجرد أن تتمكن من حل مكعّب بسهولة إلى حد ما، سيكون هذا هو الوقت المناسب للتدريب على حلّه بشكل أسرع. يجب التدريب على ذلك لأنك ستستخدم جانبي دماغك في الوقت نفسه، باستخدام الذاكرة واليد والعين، في وقت واحد.
مكعب روبيك والرياضيات
يساعد اللغز الكثير من المعلمين في شرح الرياضيات لطلابهم، فهو يساعد على تنمية مهارات الاستدلال والتقدير وممارسة الرياضيات الذهنية والتقريب، كما يساعد في تصور مساحات الأسطح والحجم، ويرتبط بتعلم الكسور والنسب وشرح بعض النظريات الرياضية.
كما يساعد مكعب روبيك الطلاب على اكتشاف العديد من الموضوعات عبر مناطق المحتوى من خلال عقلية النمو وتوفير بيئة تفاعلية وإلهام الطلاب ومعلميهم للبحث عن تحديات واتباع طرق التفكير النقدي وحل المشكلات.
روبيك بعد 50 عاماً على اختراعه: مكعبي أصبح مهما في عالم تغزوه الشاشات
في مقابلة مع وكالة 'فرانس براس'، يقول روبيك البالغ 79 عاماً إن مسار مكعّبه مذهل ! وإنّه بعد مرور خمسين عاماً، بات مكعبه بمثابة ''طفله العبقري المرهق'' الذي يتبعه في كل مكان.
وتابع: ''كنت آنذاك أستاذا في الهندسة المعمارية والتصميم، ولم يكن لدي أي طموح لترك بصمة في العالم، لكنّ فضولي وشغفي بلعبة البازل، والتحديات الهندسية دفعاني إلى عالم آخر''.
''على الرغم من انتشار الشاشات في كل مكان، علاقة متينة أقيمت بين الأجيال الجديدة ومكعب لا يستلزم تكنولوجيا خاصة، في مشهد متباين مدهش''، يقول روبيك ويُضيف: ''بينما ننسى في العالم الرقمي كيفية استخدام أيادينا، على الرغم من أنها أدواتنا الأولى، يعيدنا المكعب إلى روائع العالم الفعلي...إنه يدفعنا للتفكير ويجعلنا نقوم بشيء ملموس''.
قبل أن تبدأ في حلّه، قد يبدو لك الأمر تافها في البداية، لكن بعد أن تبدأ في التركيز ستشعر بأنّك أصبحت تتحلى بالبصيرة والوضوح، وكلما طال الوقت الذي تقضيه مع المكعب..
* أميرة عكرمي