languageFrançais

قراءة في التشريعية نسبا، جهات وجندرا

قراءة في التشريعية نسبا، جهات وجندرا

بلغت نسبة المشاركة في الإنتخابات التشريعية 41.9 بالمائة حسب ما أعلنت عنه هيئة الإنتخابات بعد إغلاق مراكز الإقتراع في حدود السادسة من مساء يوم أمس، وتعدّ هذه النسبة أقل من نسبة المشاركة في الدور الأوّل من الإنتخابات الرئاسية.

وسجّلت دائرة بن عروس أعلى نسبة تصويت حيث بلغت أكثر من 50.2 بالمائة فيما سجلت دائرة القصرين  أدنها (28%).

ورغم إرتفاع عدد الناخبين المسجلين فإنّ ذلك لم يترجم على أرض الواقع، الأمر الذي يعبّر عن نوع من العزوف لدى فئات واسعة من الشعب التونسي وخاصة في داخل الجمهورية.

و تظهر الأرقام أنّ نسبة المشاركة ترتفع نسبيا في المناطق الأكثر حظّا من حيث التنمية وهي أساسا تلك التي تقع على الشريط الساحلي، عكس المناطق الأخرى. وقد يُفسّر هذا العزوف عموما بفشل الطبقة السياسية في استقطاب الناخبين، كما تعبّر كذلك عن خيبة أمل أطياف واسعة من المواطنين إعتبارا لتجارب الإستحقاقات الإنتخابية السابقة. 


أزمة ثقة
فعلى سبيل المثال، في دائرة القصرين التي حلّت في المرتبة الأخيرة من حيث المشاركة، لا يعدّ هذا مفاجأة بالنسبة للعديد من الملاحظين، فلطالما احتلت مراتب متدنية من حيث الإقبال على الإقتراع رغم أنّها ولاية حدودية تشكو آفة الإرهاب المرابط في الجبال إضافة إلى مشاكل التنمية والبطالة وتدهور البنية التحتية.


ويفسّر الملاحظون ذلك إلى انعدام الثقة في هذا الإستحقاق وفي عدم قدرته على تغيير واقعهم.


وينطبق ذلك على جهات داخلية أخرى التي تعاني من تدهور المؤشرات الإقتصادية والإجتماعية، على غرار القيروان (29.3 بالمائة) وجندوبة (29.5  بالمائة) و سيدي بوزيد (32.58 بالمائة).


على الشريط الساحلي  تتغيّر المعطيات...
وعلى العكس من ذلك وكلّما اتجهنا نحو المناطق  الساحلية، ترتفع  نسبة الإقتراع، إذ أنّ سكان هذه المناطق يتمتعون بقدر أكبر من التنمية ويتوقون إلى ما هو أفضل.


فولاية صفاقس (49.22% في صفاقس 2) التي تعتبر العاصمة الإقتصادية للبلاد، تشهد أعلى نسبة مشاركة لأنّ تطلّعاتها مختلفة، فالتشغيل ليس أولوية قصوى، بل إنّ الجهة ترنو إلى الصعود إلى دوائر القرار السياسي التي ما تزال محتكرة اساسا من جهات بعينها. بل أنّها  تذهب إلى حدّ التنديد بأنّ حجمها الإقتصادي لا يتلاءم مع حضورها السياسي.

وفي جهة الساحل (سوسة 47.3%) تكون نسبة المشاركة في الإقتراع مرتفعة أيضا، ويمكن تفسير ذلك بتاريخها كجهة ''مصدّرة'' للطبقة السياسية  ومسيطرة على دوائر القرار وترغب في أن يتواصل هذا الموقع السياسي المرموق الذي يعود دون أدنى شكّ بالفائدة على الجهة.

أما تونس الكبرى (50.42% في بن عروس 49.62% في تونس2) فتعدّ أكبر تجمّع حضري في البلاد ومن المنطقي أن ترتفع نسبة المشاركة فيها مقارنة بباقي المناطق فهي مركز الحكم والقرار السياسي ويتمتّع سكانها بقدرات شرائية أرفع من المناطق الأخرى وهي أكثر انفتاحا بالنظر إلى تركيبتها الإجتماعية والديمغرافية. 


إرتفاع ذكوري
وإذا ما نظرنا إلى نسبة المشاركة حسب الجنس فإنّ عدد المقترعين من الرجال يكاد يصل إلى ضعف الناخبات  اللاتي  لم تتجاوز نسبة مشاركتهن 36 بالمائة مقابل 64 للرجال.


ويرى مراقبون أنّ ذلك أمر طبيعي نظرا لسيطرة الرجال على الحياة السياسية، ولا أدلّ على ذلك ترؤسهم للقائمات في أغلب الدوائر من الرجال رغم أنّ القانون الإنتخابي ينصّ على التناصف بين الجنسين في تركيبة القائمات.


الشباب والإنتخابات... خطّان متوازيان
وعلى مستوى الفئات العمرية تظهر الإحصائيات عزوفا كبيرا من قبل الفئة العمرية المتراوحة بين 18 و25 سنة (5 بالمائة ذكور و4 بالمائة إناث)، وهم الناخبون الجدد الذين يشارك أغلبهم لأوّل مرة في الإنتخابات ولكن يبدو أنّ  هذه التجربة لم تغرهم كفاية وتتعدّد أسباب ذلك: فإمّا لعدم اقتناعهم بالحياة السياسية عموما او عدم اقتناعهم بخطاب الطبقة السياسية.


كما أظهرت الإحصائيات تدني نسبة المشاركة  في صفوف الفئة العمرية التي تتراوح بين 26 و45 سنة إذ لم تتجاوز 20 بالمائة للذكور و13 بالمائة من الإناث. وضمن هذه الفئة نجد العديد من حاملي الشهائد العليا الذين يشكون من أزمة بطالة متواصلة، وقد يفسّر تدني مشاركتها بعدم ثقتها في وعود السياسيين ''الزائفة''.


وقد جاءت نسبة مشاركة الفئة العمرية التي تبلغ 45 سن فما فوق في المرتبة الأولى، وهي فئة مخضرمة وتعتبر أصواتها المحرار الرئيسي للأحزاب والمحدّد لأحجامها في المشهد السياسي. ويتكوّن أغلبها من أرباب العائلات وتتميّز بكونها براغماتية و يكون تصويتها في غالب الأحيان نابعا من هاجس الحفاظ على مصالحها الإقتصادية  ودائما ما تسعى إلى الإستقرا للحفاظ على توازنها الإقتصادي وبالتالي الأسري، كما تخشى التغيير غير محسوب العواقب.

شكري اللّجمي

share