languageFrançais

حرائق الجبال:بين ألسنة اللّهب..تتصاعد مطالب الأهالي بالكرامة

حرائق الجبال:بين ألسنة اللّهب..تتصاعد مطالب الأهالي بالكرامة

مشهد  أعمدة الدخان المتصاعد من غابات أقصى شمال تونس و وسطها  الغربيين منذ بداية شهر أوت من سنة 2017  كان شبيها بصور تُرى في  نشرات أخبار كبرى الفضائيات  لقصف أعتي  جيوش العالم لأماكن أعدائها.


دخان أسود يغطي كل الطرق المؤدية إلى المناطق الجبلية الغربية الحدودية ليشوّه غابات كانت  أشبه  في جمالها بالغابات المعوّجة ببولندا أو بغابات  "مونتي فيردي" بكوستاريكا .


اختلطت في الجبال  المشتعلة  رائحة الإكليل برائحة أشجار الصنوبر الحلبي و "الفرنان" المتفحّمة لترسم  دوائر بيضاء أحيانا وسوداء في  أحيان أخرى بمرتفعات  تزينت قبل الحرائق بثوب أخضر ناصع نسب لونه إلى تونس أين تتجلى الطبيعة الساحرة في أبهى صورها في الشمال الغربي  .


في الطريق إلى "الحوامد" من ولاية جندوبة، بعد المرور بحرائق متزامنة بالأجرد بالقصرين و سجنان من ولاية بنزرت، اعترضنا  صدفة "رابح الحامدي"، شيخ ستينيّ ، طلبنا منه أن يرشدنا إلى القرية الأكثر تضررا من جراء الحرائق أين فقد الأهالي مواشيهم و محاصيلهم الفلاحية فأبى إلا  أن يرافقنا ، فهو ابن مرتفعات بوهردمة.


توغلنا داخل الجبل سويعات بعد إخماد الحرائق التي أتت على مساحات كبيرة حتى وصلنا إلى التجمع السكنى الأكثر تضررا و الذي يضم حوالي 50 عائلة .


أرشدنا "عم رابح" إلى المنازل التي احترقت و إلى الأشجار التي تحولت إلى رماد منثور في كل المكان، و حدثنا موجها نظراته الثاقبة الحادة إلى كاميرا "موزاييك" قائلا :"شكرا لتضامن التونسيين لكننا لا نحتاج إعانات بل نحن في حاجة إلى تنمية حقيقية "...


محمد الذي أنقذ والدته من كارثة حقيقية بعد أن داهمت النيران منزلها ليتعرض بدلها  إلى حروق غير بليغة، طالب ككل أهالي الحوامد الذين تحدثوا لنا بطريق معبدة و بماء صالح للشرب وبمستوصف وبمدرسة لكي لا ينقطع أبناء المنطقة عن الدراسة مبكرا .


تحدث الأهالي جميعهم عن عذاب ثلج  الشتاء وعن لهيب الحر والحرائق في الصيف ورغم الثروة الغابية والمنتوجات الكثيرة التي تنتجها جبالهم كالبندق وزيت الإكليل و الفرنان و حطب الأشجار التي تستخدم في مجالات عديدة، فإنهم لا ينالون من قيمتها إلا الفتات  حسب تعبيرهم.


و الغريب في هذا كله أن بعض الأهالي مازالوا يحتجون على تقصير "رئيس الشعبة" في القيام بمهامه في المنطقة ستة سنين ونيف بعد الثورة و يوما واحدا بعد مرور موكب يوسف الشاهد من هذا المكان بعد زيارته لمنازل المتضررين من الحرائق. 


الوضع في سجنان، المعتمدية الأفقر في بنزرت و في كل معتمديات تونس، لم يكن أفضل حالا من الوضع في فرنانة فحوالي 1000 هكتار قد أتلفتها الحرائق التي اندلعت في مرتفعات المنطقة و جل مطالب سكان الجهة انحصرت في التنمية واستغلال الغابات والجبال الممتدة من سجنان وصولا للقصرين  مرورا ببني مطير و فرنانة و عين دراهم و نفزة و نبّر، وفي مشاريع سياحية و فلاحية عملاقة تخرج الأهالي من جبّ الخصاصة التي استهدفتهم منذ تأسيس الدولة الوطنية وتنطلق بتوفير الماء الصالح للشرب والري و بالبنية التحتية التي قد تكون جسرا يربطهم بالتنمية الجهوية لتكريس  العدالة الاجتماعية .


أثناء و بعد الحرائق التي أتت على حوالي 2000 هكتارا من المساحات الغابية  حسب الإحصائيات الرسمية، علمنا أن جلها مفتعلة و أن إجرام بعض الأيادي الخبيثة التي فقدت الشعور بالروح الوطنية أدت إلى توسيع رقعة الحرائق في المناطق الجبلية التونسية ، فاندلاع الحرائق تزامن مع التخلي عن خدمات عدد من حراس الغابات العاملين بطريقة عرضية مع الإدارات الجهوية للفلاحة في ولايات عديدة في تونس وهو ما دفع عددا منهم إلى إضرام النار في أماكن يدركون جيدا بحكم خبرتهم  أن شاحنات دائرات الغابات و الحماية المدنية لن تصل إليها بسهولة لصعوبة شعابها و تضاريسها.


و لم تغب الصبغة الإرهابية عن الحرائق التي مست خصوصا معتمدية سجنان ، فأحد التكفيريين تظاهر بمساعدة رجال المطافئ في إخماد الحرائق  وأراد استدراجهم إلى أماكن بعينها لكن سرعان ما تم  التفطن إليه  وتبين أنه لا يعرف المنطقة و يشتبه في كونه قدم إلى سجنان لافتعال الحرائق و عندما تفطنت الوحدات المكلفة باخماد الحرائق لوجوده تظاهر بكونه بصدد إطفاء نيران الحرائق و بإلقاء القبض عليه و بالتدقيق في هويته اتضح انه عنصر إرهابي خطير مفتش عنه .


مصادر أخرى تحدثت لموزاييك عن سياسة "الأرض المحروقة" التي تنتجها "مافيا" الفساد باقتراب موعد محاسبتها بعد فتح الحكومة لبعض ملفات الفساد الحارقة، و هي فرضية لا توجد أدلة واضحة على صحتها.


تقاطعات بين الإجرام و الإرهاب و البراغماتية و التغيرات المناخية ساهمت مجتمعة في اندلاع حرائق في غابات الشريط الغربي التونسي ..حرائق لم تمنعنا من شمّ رائحة الإكليل الجبلي الذي تغلب على رائحة الأشجار المحروقة و لم تمنع الأطفال من بيع "العسل الحرّ" المستخرج من الجبال  على قارعة طريق العودة.



برهان اليحياوي

 

share