languageFrançais

تونس تستعدّ لإطلاق نموذجها للذكاء الاصطناعي.. بأي رؤية وأي استراتيجية؟

تونس تستعدّ لإطلاق نموذجها للذكاء الاصطناعي.. بأي رؤية وأي استراتيجية؟

رغم أنّ الذكاء الاصطناعي ظهر منذ عقود عدّة إلاّ أنّه شهد تطورًا مذهلًا في السنوات الأخيرة، وخاصة بإتاحة استخدامه من قبل عموم الناس.

وتصاعدت المنافسة بين القوى العظمى، خصوصا الولايات المتحدة والصين، حيث دخلت الأخيرة بقوة عبر نموذج "ديب سيك" منخفض الكلفة، مهددة عرش "شات جي بي تي".

واستثمرت دول عديدة مئات المليارات في مشاريع الذكاء الاصطناعي، الذي بات مُعتمدا في مختلف المجالات، محققًا إنجازات هامة، خاصة في الطب والتعليم. فكيف تتموضع تونس في هذا المشهد؟ وهل لديها خطة لتطوير الذكاء الاصطناعي؟

تجارب تونسية ناجحة
شهدت تونس، وما تزال، عدّة تجارب بارزة، لعلّ أبرزها شركة "إنستا ديب" التي تجاوزت المحلية لتصبح شركة رائدة عالميا بعد استحواذ "بيونتيك" الألمانية عليها في صفقة بقيمة 500 مليون يورو.

هذه النجاحات تؤكد إمكانات الكفاءات التونسية، لكنها تستدعي وضع خطة وطنية للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

استراتيجية وطنية قيد المصادقة
وفي هذا السياق  أكدت ولاء التركي، المكلفة بمأمورية بوزارة تكنولوجيا الاتصال، في تصريح لموزاييك أن تونس بصدد وضع استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي وهي في مراحلها الأخيرة، وذلك بمشاركة عدة وزارات وخبراء تونسيين من الداخل والخارج.

وتعدّ  الاستراتيجية الوطنية في مجال الذكاء أحد المحاور الكبرى لاستراتيجية أشمل تتعلّق برقمنة البلاد، تضمّ عدّة مكوّنات من بينها الذكاء الاصطناعي.

وتتضمّن هذه الإستراتيجية الرؤية العامة أو التصوّر العام لتطوير مشروع للذكاء الاصطناعي ومكوناته الأساسية.

وأكّدت ولاء التركي أنّ هذه الاستراتيجية ستأخذ بعين الاعتبار الواقع التونسي وما يتوفّر في البلاد من امكانيات لوجستية وتقنية مع تحديد نقاط القوة التي يمكن الارتكاز عليها إضافة إلى جملة التحديات المطروحة واستباق المخاطر المحتملة.

وسينبثق عن هذه الاستراتيجية مخطّط عملي يتضمّن عددا من المشاريع المفصّلة.

بنية تحتية وتحديات 
تمتلك تونس بنية تحتية تكنولوجية متقدمة لكنها تحتاج إلى تدعيم، خاصة في ما يتعلق بالحواسيب العملاقة  (les supercalculateur) ومراكز البيانات (data centers). 

ويتم العمل على تعزيز الحوسبة السحابية (cloud computing) وتوفير المعدات الضرورية لضمان نجاح المشروع، إذا ما اعتبرنا خصوصية مشاريع الذكاء الاصطناعي وما تتطلّبه من إمكانيات هائلة من حيث توفير الحواسيب العملاقة  للتعامل مع الكميات الهائلة من المعلومات التي سيتم توفيرها من مراكز البيانات.

رأس المال البشري والتكوين
تزخر تونس بكفاءات متميزة في الذكاء الاصطناعي، ويسعى المشروع لتعزيز التكوين الجامعي وتطوير برامج تدريبية جديدة بالتعاون مع وزارة التعليم العالي، اعتمادا على المستجدات في مجال الذكاء الاصطناعي.

كما سيتمّ تأهيل العاملين في الإدارات لتمكينهم من الخبرات الأساسية للتعامل مع هذه التكنولوجيا الجديدة تمهيدا لاستخدامها على نطاق واسع.


 يكمن التحدي الحقيقي في تطوير نموذج تونسي يشتغل اعتمادا على بيانات تونسية

نموذج تونسي ببيانات محلية
وتشكّل البيانات أحد  أهمّ الجوانب التي يعتمد عليها الذكاء الاصطناعي، ويعدّ مصدرها من المسائل المهمّة في نجاح أي نموذج للذكاء الإصطناعي.

ويعدّ تطوير نموذج ذكاء اصطناعي تونسي يعتمد على بيانات محلية من التحديات الأساسية لضمان تحقيق نتائج تتماشى مع خصوصيات البلاد، بدل الاعتماد على نماذج أجنبية قد لا تكون ملائمة للاحتياجات الوطنية.

وتقول ولاء التركي في هذا السياق  إنّه "لو اعتمدنا على  بيانات غير تونسية أو نموذج ليس خاصا بنا فإنّه لن يحقق النتائج المرجوة"

القطاعات ذات الأولوية والإجراءات التحفيزية
عند الانطلاق  في وضع الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، تمّ تحديد بعض القطاعات ذات الأولوية مبدئيا، ولكن قائمة الأولويات النهائية ستصدر مع المصادقة النهائية على الاستراتيجية على المستوى الوطني. 

وأشارت محدّثتنا في هذا الصدد، إلى أنّ الأولوية ستُحدّد من منطلق أن الوقع الذي ستُحدثه على المستويين الإجتماعي والإقتصادي، "ففي نهاية المطاف يجب أن يكون الذكاء الإصطناعي في خدمة المواطن".

ومن المتوقع أن تنصّ الاستراتيجية المرتقبة على إجراءات تحفيزية للكفاءات التي ترغب في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وبعث مشاريع في هذا المجال. وستتبلور هذه الاجراءات التحفيزية وسيتم الإعلان عنها بمجرّد صدور  الاستراتيجية.

التشريع وحماية البيانات
ويُعدّ الإطار القانوني ضروريًا لضمان استخدام آمن ومسؤول للذكاء الاصطناعي، واستباق أيّ انحرافات قد تنجرّ عن استخدامه من قبل بعض الجهات. 

وتشدّد ولاء التركي في هذا الجانب على أنّ ذلك يشكّل أحد التحديات المطروحة، مؤكدة أنّ التفكير فيه بلغ أشواطا متقدّمة. وأشارت في الآن ذاته إلى العمل الهام الذي تمّ تحقيقه على مستوى " الأمن السيبرني"، وضمان الأمان السحابي الوطني بالنسبة للمعطيات والبيانات التونسية" وحماية المعطيات الشخصية وفي مجال الملكية الفكرية.

وقالت إنّه إذا تطلب الأمر تحيين الإطار التشريعي في علاقة بالذكاء الاصطناعي فمن المؤكّد أنّه سيتم العمل على ذلك.

المستقبل
يحتاج تطبيق الاستراتيجية لاستثمارات ضخمة، وقد تمّ وضع تقديرات أولية لهذه الميزانية، وسيتم تحديدها بشكل نهائي في وقت لاحق. 

وأكدت التركي أن تونس لا تملك خيارا سوى المضي قدما في هذا المشروع لمواكبة التطورات العالمية وتسريع التقدم الوطني.

وقالت في هذا السياق: "التكنولوجيا عموما والذكاء الاصطناعي على وجه التحديد يمكننا من التقدم بوتيرة أسرع، إذ تمكّن نماذج الذكاء الاصطناعي من حسن التخطيط وتسهّل اتخاذ القرار".  

شكري اللّجمي

share