languageFrançais

الشركات الأهليّة في تونس: لماذا يتصدّر القطاع الفلاحي المشهد؟

الشركات الأهليّة في تونس: لماذا يتصدّر القطاع الفلاحي المشهد؟

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها تونس، برزت الشركات الأهلية كإحدى الآليات الجديدة لدفع عجلة التنمية المحلية وتعزيز الاقتصاد التضامني. لكن اللافت في هذه الشركات أن القطاع الفلاحي استحوذ على النصيب الأكبر منها، ما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا التوجه ومدى نجاعته في تحقيق الأهداف المنشودة. 

ومنذ صدور المرسوم عدد  15 لسنة 2022 تم إحداث 144 شركة، مقسمة بين 131 محلية و13 جهوية وفق ما أكده  وزير التشغيل والتكوين المهني رياض شود يوم 1 فيفري 2025.

الشركات الأهلية.. ماذا تقول الأرقام؟

وتتوزع الشركات الاهلية بصفة متفاوتة بين مختلف الولايات، فمثلا سجلت ولاية باجة الى غاية ديسمبر 2024 أعلى عدد من الشركات الأهلية المحلية بـ14 شركة، بينما جاءت ولاية صفاقس في المرتبة الثانية بـ8 شركات أهلية محلية. كما سجلت ولاية المنستير 3 شركات أهلية جهوية، بينما سجلت كل من سوسة 3 شركات أهلية محلية، في حين أن ولايتي تونس ومنوبة سجلتا شركة أهلية واحدة في كل منهما وفق سهام سليماني عضوة ديوان وزير التشغيل والتكوين المهني. 

 

 

القطاعات المشمولة في الشركات الأهلية

ويعتبر قطاع الفلاحة والصيد البحري من أبرز القطاعات استقطابا لاحداث الشركات الاهلية حيث تُركز العديد من الشركات الأهلية على أنشطة زراعة المحاصيل المحلية وتربية الماشية، بالإضافة إلى الصيد البحري، مما يساهم في تعزيز الأمن الغذائي وتوفير فرص عمل في المناطق الريفية.

كما يعد قطاع الصناعة والتصنيع احد اهم مجالات احداث الشركات الاهلية حيث  تسعى بعضها إلى تطوير القطاعات الصناعية، مثل الصناعات التحويلية والتصنيع، بهدف إضافة قيمة للموارد المحلية وتوسيع قاعدة الإنتاج الوطني.

الطاقة والبيئة: تُعنى بعض الشركات الأهلية بمشاريع الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، بالإضافة إلى المشاريع البيئية، مثل إدارة النفايات والحفاظ على الموارد الطبيعية، مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة.

السياحة والصناعات التقليدية: تُركز بعض الشركات الأهلية على السياحة البيئية والثقافية، بالإضافة إلى الصناعات التقليدية، مثل الحرف اليدوية والمنتجات المحلية، بهدف تعزيز التراث الثقافي وجذب السياح.

الخدمات والتكنولوجيا: تسعى بعض الشركات الأهلية إلى تقديم الخدمات، مثل النقل العمومي، بالإضافة إلى التكنولوجيا، مثل تطوير التطبيقات الرقمية والخدمات الإلكترونية، بهدف تحسين جودة الحياة وتسهيل الوصول إلى الخدمات. 

نصيب الأسد للقطاع الفلاحي.. لماذا؟

حصد القطاع الفلاحي نصيب الأسد من التمويلات المخصصة للشركات الأهلية اذ تم تخصيص أكثر من 11 مليار دينار لفائدة 39 شركة أهلية، ويستأثر القطاع الفلاحي بـ70% من هذه التمويلات.

وتمت المصادقة على 33 شركة أهلية بتمويل يفوق 9 ملايين دينار، حيث تنشط أغلب هذه الشركات في القطاع الفلاحي والمجالات المرتبطة به، مثل تجارة الآلات الفلاحية وتثمين المواد الغابية وتربية الماشية وصناعة الأعلاف.

ولعل أبرز ما يفسر التوجه نحو القطاع الفلاحي في الشركات الأهلية فرص العمل في المناطق الريفية إذ يعتبر القطاع الفلاحي أحد المصادر الرئيسية لفرص العمل في المناطق الريفية فضلا  عن تنوع الخدمات الفلاحية حسب الجهات ما يجعل الشركات الأهلية الفلاحية تساهم في الحد من البطالة في هذه المناطق من خلال خلق وظائف مباشرة وغير مباشرة، مما يعزز التنمية المحلية ويحد من الهجرة الريفية إلى المدن.

الأمن الغذائي

القطاع الفلاحي يعد من القطاعات الحيوية التي تساهم بشكل كبير في تحقيق الأمن الغذائي للبلاد. من خلال التركيز على الزراعة المحلية وتربية الماشية، تسعى هذه الشركات إلى تقليل الاعتماد على الواردات وتعزيز الإنتاج المحلي، مما يساهم في استقرار السوق وتوفير الغذاء بشكل مستدام.

التنمية المستدامة

الزراعة تعتبر من الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد على الموارد الطبيعية، والشركات الفلاحية الأهلية في تونس تسعى لتحقيق تنمية مستدامة من خلال ممارسات زراعية تراعي البيئة وتستفيد من التقنيات الحديثة في إدارة الموارد الطبيعية، مثل الماء والأراضي الزراعية.

التوجه لدعم القطاع الفلاحي

يتم دعم الشركات الأهلية الفلاحية بشكل خاص من خلال تقديم التمويلات الميسرة والتسهيلات القانونية والضريبية، ما يشجع على انخراط الشباب والمستثمرين المحليين في هذا القطاع الحيوي.

القطاع الفلاحي كركيزة للاقتصاد المحلي

الفلاحة تعتبر من العوامل الرئيسية التي تحدد الاقتصاد المحلي في العديد من المناطق التونسية. لذا فإن دعم الشركات الفلاحية الأهلية يعتبر وسيلة لتعزيز الاستقلالية الاقتصادية على مستوى القرى والبلدات الصغيرة.

التوسع في أسواق جديدة

الشركات الأهلية الفلاحية تسعى لتوسيع قاعدة الإنتاج وزيادة الصادرات من المنتجات المحلية إلى الأسواق الخارجية، خاصة في ظل النمو المستمر في الطلب على المنتجات الفلاحية التونسية في الأسواق العالمية.

من خلال هذه العوامل، يتضح أن القطاع الفلاحي يشكل محورًا استراتيجيًا في خطة الحكومة لدعم الشركات الأهلية وتعزيز التنمية الشاملة. 


أيّ توجه لضمان ديمومة الشركات الأهلية ؟

تسعى الحكومة التونسية إلى تعزيز دور هذه الشركات لضمان ديمومتها وتحفيزها لدعم التنمية المحلية. في هذا السياق، يؤكد وزير التكوين المهني والتشغيل رياض شود على أهمية الشركات الأهلية كركيزة لدعم التشغيل والتنمية. بالإضافة إلى ذلك، تم اتخاذ إجراءات حكومية لتسهيل إحداث هذه الشركات، بما في ذلك إرجاء طلب الاستظهار بشهادة إيداع التصريح بالوجود القانوني عند تكوين الملف، بهدف تسريع وتيرة إحداثها.

كما تم منح الأولوية للشركات الأهلية في توظيف العقارات الدولية، حيث ستشرع وزارة أملاك الدولة في التفويت في العقارات الدولية غير الفلاحية بإجراءات تفاضلية لفائدة هذه الشركات والمؤسسات الصغرى والمتوسطة. تجدر الإشارة إلى أن هذه الجهود تأتي في إطار المخطط الحكومي 2025-2027، الذي يهدف إلى بعث هيئة ومجلس وطنيين للشركات الأهلية، لتعزيز حوكمتها وتسريع إحداثها.

إقرأ أيضا: مشروع قانون المالية: 20 مليون دينار إضافية لتمويل الشركات الأهلية
 

*تخصيص اعتمادات مالية إضافية: في مشروع قانون المالية لسنة 2025، تم تخصيص اعتماد إضافي بقيمة 20 مليون دينار لفائدة خطّ التمويل الخاص بالشركات الأهلية، بهدف دعم التنمية والتشغيل.

*توفير تمويلات ميسّرة: وقع البنك التونسي للتضامن اتفاقية مع وزارة التشغيل والتكوين المهني للتصرف في خطّ تمويل بقيمة 40 مليون دينار لفائدة الشركات الأهلية، وذلك لتسهيل حصولها على التمويل اللازم.

*إحداث هيئات ومجالس وطنية: يهدف المخطط الحكومي 25/27 إلى بعث هيئة ومجلس وطنيين للشركات الأهلية، وذلك لتنسيق الجهود وتوفير الدعم اللازم لهذه الشركات.

*تقديم منح دعم: تقدم وزارة التشغيل والتكوين المهني منحة دعم للشركات الأهلية المحلية أو الجهوية التي تستجيب لشروط محددة، مثل:

- أن تكون منخرطة في السجل الوطني للمؤسسات.

- ألاّ تكون قد تجاوزت ثلاث سنوات من تاريخ بداية النشاط.

- تقديم دراسة جدوى للمشروع.

تحديات وصعوبات 

رغم اقرار تدابير عديدة للدفع بها, ما زالت الشركات الأهلية في تونس تواجه عدة تحديات تؤثر على قدرتها على تحقيق أهدافها التنموية والاجتماعية. من أبرز هذه التحديات هي صعوبة الحصول على التمويل، حيث تجد العديد من هذه الشركات صعوبة كبيرة في تأمين التمويل اللازم لتطوير مشاريعها، مما يحد من قدرتها على التوسع وتحقيق الاستدامة المالية.

كما تعاني بعض الشركات الأهلية من نقص في الخبرات والمهارات اللازمة لإدارة المشاريع بفعالية. هذا النقص يؤثر بشكل كبير على جودة الإنتاجية والقدرة التنافسية للشركات، مما يعيق قدرتها على الابتكار والتطور في سوق العمل.

علاوة على ذلك، تواجه الشركات الأهلية العديد من الإجراءات الإدارية المعقدة التي تعتبر من أكبر العقبات التي تؤثر على سير العمل. هذه البيروقراطية تؤدي إلى تباطؤ في تنفيذ المشاريع وزيادة التكاليف، ما يزيد من صعوبة تحقيق الأهداف المرسومة.

ضعف البنية التحتية في بعض المناطق يعد من العوامل التي تؤثر أيضًا على عمل الشركات الأهلية. إذ تفتقر بعض المناطق إلى البنية التحتية الملائمة مثل الطرق والمرافق الأساسية، مما يعيق حركة الإنتاج والتوزيع وبالتالي يقلل من القدرة على الوصول إلى الأسواق المحلية والعالمية.

التحديات التسويقية تبرز بدورها، حيث تجد الشركات الأهلية صعوبة في الوصول إلى الأسواق المحلية والدولية، ما يحد من قدرتها على التوسع وزيادة الإيرادات.

وتضاف إلى هذه التحديات التغيرات التشريعية والضريبية التي تؤثر على استقرار الأعمال، إذ يقول الخبير الاقتصادي والمستشار السابق بوزارة الشؤون الاجتماعية المكلف بالشركات الأهلية راشد العبيدي في حوار لبرنامج ''ميدي شو'' أنّ الشركات الأهلية تعاني من كثرة العراقيل من الجانب القانوني والإدارة مسؤولة عن ذلك لهذا في مطالبة بتنقيح القوانين واقتراحها على المشرّع، مضيفا "القوانين لم تساير مرسوم الشركات الاهلية والإدارة ومجلس النواب يمكنهما أن يجدا الصيغة المناسبة".


ختامًا، تمثل الشركات الأهلية نموذجًا اقتصاديًا جديدًا لم يألفه التونسيون من قبل، ورغم انتشارها في عدة قطاعات، إلا أن القطاع الفلاحي استحوذ على الحصة الأكبر منها. ورغم التحديات التي تواجهها، يبقى هذا النموذج قيد التقييم لقياس مدى نجاعته في دفع عجلة النمو الاقتصادي والمساهمة في الحد من البطالة. لكن يبقى السؤال المطروح: هل ستنجح الشركات الأهلية في أن تكون بديلًا حقيقيًا للنماذج الاقتصادية التقليدية ؟

منتصر اليحياوي

share