تحدث عنها رئيس الجمهورية.. ماهي مقومات نجاح الوحدة الوطنية وفق النواب؟
تحدث رئيس الجمهورية قيس سعيّد مؤخرا في سياق حديثه عن التحديات التي تواجه تونس خلال السنة الجديدة عن ضرورة الوحدة الوطنية الصماء.
حديث الرئيس قيس سعيد عن هذه "الوحدة الوطنية الصماء" يعكس رؤية تقوم على تعزيز التضامن الداخلي كحجر أساس لمواجهة التحديات التي تمر بها البلاد. فاستخدامه لمصطلح "الصماء" يشير إلى نوع من الوحدة القوية والمتماسكة التي لا يمكن اختراقها، مما يوحي بأهمية تجاوز الانقسامات السياسية والاجتماعية والوقوف صفاً واحداً أمام الضغوط الداخلية والخارجية.
ويبدو أن حديث الرئيس عن هذه الوحدة الوطنية لم يكن موجهاً فقط إلى الشعب، ولكن أيضاً إلى النخب السياسية والفاعلين الاجتماعيين، لتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة.
و يبقى التساؤل حول كيفية تحقيق هذه الوحدة عملياً، وهل تعني جميع الأطراف، أم أنها وحدة تحت مظلة رؤية الرئيس فقط؟.
في إطار الإجابة عن هذا التساؤل حاورت موزاييك عددا من نواب البرلمان حول مدى فهمهم لهذه الوحدة الوطنية ومطلبات نجاحها.
النائب في البرلمان عبد الرزاق عويدات اعتبر في تصريح لموزاييك، أن الوحدة الوطنية ليست بالمصطلح الجديد في الساحة السياسية بالنسبة لكل الدول ولكل الشعوب ولا يمكن انجاز تطور اقتصادي واجتماعي في أي دولة إلا في إطار وحدة وطنية ولا يمكن مواجهة أي عدوان خارجي إلا في إطار هذه الوحدة الوطنية ولكنه جديد في خطابات رئيس الجمهورية.
''أمر ضروري لهذه الاعتبارات''
وأضاف بأن بناء المجتمعات وتطور ثقافاتها وعلومها يتطلب الوحدة الوطنية مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الحديث عن الوحدة الوطنية الآن أمر ضروري باعتبار الوضع الإقليمي والدولي المحيط بنا خصوصا في ظل المتغيرات الجديدة التي تنبؤ بانفجارات وارهاصات من الممكن أن تقع مستقبلا في المحيط الإقليمي لتونس مؤكدا أن بلادنا ليست بمنأى عن هذه التحولات.
وأكد أن ''قوة الجيوش والأمن لا يمكنها مواجهة المؤامرات التي تحاك ضد الشعوب والدول والأنظمة مشيرا على سبيل المثال بأنه بالرغم من قوة الجيش العراقي لم تقدر هذه البلاد العربية على مواجهة العدوان والأمر نفسه بالنسبة لسوريا التي لم تصمد أمام التحركات العسكرية المدعومة بقوى أجنبية''.
تقوية الجبهة الداخلية
وتحدث عويدات عن وجود العديد من المؤشرات التي تدل عن وجود مخططات تهدد الجزائر وتونس وهذا الأمر ليس مخيفا لكنه يستدعي اتخاذ احتياطات لعل أهمها الحرص على تقوية الجبهة الداخلية.
وبيّن أن تقوية هذه الجبهة الداخلية يكون بالعمل على توفير حاجيات ومتطلبات الشعب التونسي من نقل مريح وصحة عمومية في مستوى انتظاراته ومنظومة تربوية تحقق طموحات العائلات التونسية وتمكينها من مقومات ومتطلبات الحياة الكريمة والاستجابة لهذه المتطلبات لا تكون إلا بحوار بين كل الأطياف والرؤى في إطار حوار وطني يحقق هذه المطالب ويساعد على تنفيذ المشاريع المحققة لهذه المطالب.
ويرى عبد الرزاق عويدات أنه بإمكان اجراء هذا الحوار داخل مجلس النواب من جهة وبين المجلسين والسلطة التنفيذية من جهة أخرى إضافة إلى تجميع كل المنظمات الوطنية والجمعيات وكل الأطياف التي بإمكانها تقديم أفكار وتوجهات حتى وإن كانت مختلفة عن توجهات وتصورات الغرفتين النيابيتين والسلطة التنفيذية مؤكدا في الوقت نفسه ضرورة الجلوس مع هذه الأطياف على الطاولة بهدف الوصول معهم إلى ما يمكن أن ينقذ تونس من أي اخطار وأي عدوان خارجي.
وبحسب عويدات فإنه من المفترض أن ينفتح رئيس الجمهورية على الأحزاب في إطار تعزيز الوحدة الوطنية خصوصا الأحزاب التي تتوافق مع التوجه العام لرئاسة الجمهورية في مستوى السيادة الوطنية والتعويل على الذات وتحقيق المناعة والتطور لتونس.
مؤشر ايجابي
واعتبر النائب في مجلس نواب الشعب ياسين مامي أن حديث رئيس الجمهورية قيس سعيّد عن الوحدة الوطنية ،مؤشرا ايجابيا خصوصا وأن البلاد تحتاج إل خطاب طمأنة ومناخ مشجع على الاستثمار وعلى مواجهة التحديات والرهانات الوطنية والإقليمية والدولية بوحدة وطنية.
وحدة وطنية غير تقليدية
وبيّن مامي أنه لا يعتقد أن الوحدة الوطنية التي تحدث عنها رئيس الجمهورية تعني الوحدة الوطنية التقليدية التي نفرها الشعب التونسي في الماضي خصوصا وأن ما وقع سابقا في البلاد كان تحت عنوان الوحدة الوطنية.
وأشار إلى أنه ربما يقصد رئيس الجمهورية بالوحدة الوطنية ، وحدة القوى الحية في البلاد ، و أهمها حالياً ما تبقى من قوى حيّة ( الإدارة و القطاع الخاص اي المستثمرين ).
ويرى ياسين مامي أن رئيس الوظيفة التنفيذية مطالب أكثر بالمضي في تعزيز الوحدة الوطنية في ظل الأوضاع الإقليمية وخصوصا في ظل السياسة الجديدة واللافتة التي توختها الجارة الجزائر خلال الأسابيع الفارطة واجتماع رئيس الجمهورية الجزائرية بالمجلسين التشريعيين والرسائل الايجابية التي وجهها للأحزاب السياسية وخطابه النوعي.
وبيّن مامي أن تونس ليست في عزلة عن هذا التوجه والسياق الدولي والإقليمي مؤكدا أن تعزيز الوحدة الوطنية ووحدة الصف الوطني مطلوب بحدة في هذه الفترة التي تشهد تحديات دولية.
''مخاطر تهدد المغرب العربي''
من جانبه أفاد النائب محمد علي بأن المخاطر التي تهدد منطقة المغرب العربي خصوصا بعد التطورات الأخيرة في سوريا ،تستدعي تعزيز الجبهة الوطنية داخليا في تونس.
وأشار محمد علي إلى أن البلاد التونسية تحتاج اليوم إلى تعزيز الوحدة الوطنية في ظل عدم وجود رهانات انتخابية وضغوطات سياسية انتجت سابقا حالة من التشنج والفرقة.
وأوضح أن الوحدة الوطنية لا تعني بالضرورة الاصطفاف وراء رأي واحد وإنما على أساس التعدد والشراكة الحقيقية بين كل القوى الوطنية والسياسية من أجل رسم خارطة طريق لإنقاذ البلاد من مآزقها الاقتصادية والاجتماعية أو مأزقها السياسي الموجود أو من المحتمل أن يوجد في المرحلة القادمة.
وعبّر محمد علي عن أمله في أن تترجم دعوة رئيس الجمهورية إلى الوحدة الوطنية إلى آليات فعلية تحقق الشراكة الحقيقية وأن لا تبقى في إطار الاتهامات المتبادلة والخطاب الإقصائي والانفراد بوضع مشروع الإنقاذ الوطني مما من شأنه أن يُضيع على التونسيين فرصة تاريخية لوضع صمامات أمان لما قد يحدث من متغيرات في المرحلة القادمة.
كريم ونّاس