languageFrançais

كيف قدّمت تونس درسا للعالم في مكافحة الإرهاب ؟

قال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية فاكر بوزغاية، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، الخميس 7 مارس 2024، على هامش إحياء ذكرى ملحمة بن قردان، إن عدد العناصر الإرهابية المتحصنة بالمرتفعات تقلّص من 117 إرهابيا بين سنتي 2014 و2016 إلى 11 عنصرا سنة 2023، ينتمون إلى كتيبة "جند الخلافة" الموالية لتنظيم "داعش" الإرهابي. 

وتواصل الوحدات الأمنية والعسكرية تعقب المجموعات الإرهابيّة المسلحة المتحصنة بالمرتفعات وخاصة منها الغربية، ومنها ما يُعرف بـ "كتيبة عقبة بن نافع" المنضوية تحت لواء "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" أو المجموعات التابعة لـ "جند الخلافة". 

وهو ما يعني نهاية ما يسمى "كتيبة عقبة بن نافع" المبايعة لتنظيم "قاعدة الجهاد بالمغرب الإسلامي" الإرهابي، وإنهاك "كتيبة جند الخلافة" الداعشية الإرهابية.

فماهي جرائم هذه التنظيمات ومن هم قياداتهم؟ وكيف تمّ "تقليم أظافرهم" في تونس؟ 

2012 بداية الإرهاب

ظهر اسم "كتيبة عقبة بن نافع" الإرهابية لأول مرة، مع اغتيال الشهيد أنيس الجلاصي، في جبل السنك الذي يعتبر امتدادا لجبل الشعانبي بولاية القصرين، في ديسمبر من سنة 2012، عندما بلغت الوحدات الأمنية معلومات حول تواجد مجموعات غريبة عن المنطقة في الجبل المذكور، لحقتها عملية تبادل إطلاق نار، واستشهاد الجلاصي، ثم مع عملية "هنشير التلة 1"، في شهر جويلية من سنة 2013، والتي ارتقى فيها 8 شهداء من أبناء المؤسسة العسكرية، في جبل الشعانبي، في شهر رمضان.

وتلتها عمليات لا تقل دموية عن "هنشير التلة 1" وما سبقها أو لحقها من عمليات غرس للألغام تقلدية وغير تقليدية الصنع، مما أدى إلى إصابات مختلفة في صفوف عسكريين وأمنيين ورعاة مدنيين، أهمها "هنشير التلة 2" التي ارتقى فيها 15 شهيدا عسكريا، يوم 16 جويلية 2014، إضافة لاستهداف دورية حرس وطني في بولعابة، في فيفري من سنة 2015، في عملية راح ضحيتها 4 شهداء، واقتحام منزل وزير الداخلية الأسبق لطفي بن جدو، قبلها، في شهر ماي من سنة 2014، مما أدى لاستشهاد 4 أمنيين.

ولم تقتصر جرائم هذا التنظيم على ولاية القصرين، بعد اغتنامه لطبيعة جغرافيتها الجبلية الممتدة الصعبة، ليجد له موطن قدم في جبال الشعانبي والسمامة وبيرينو، بل نفذ عديد العمليات الإرهابية بجبال الكاف وجندوبة أيضا.


ضرب رؤوس الإرهاب

تجاه ذلك الخطر الذي بات يهدد وحدة البلاد وأمنها، في تلك الفترة، بدأت استراتيجيات القوات العسكرية والأمنية بالتحوّل شيئا فشيئا، من الدفاع عن الأرواح والمكتسبات إلى استهداف الإرهابيين في مختلف الجبال الغربية، بالقصف العسكري المدفعي أو بالتمشيط الجوي والبري، أو بضرب رؤوس هذا التنظيم من قبل قوات الحرس الوطني أو وحدات الجيش الوطني.

وكانت عملية القضاء على منسق "كتيبة عقبة بن نافع" الإرهابية مع قادة "تنظيم القاعدة" بالجزائر لقمان أبو صخر، أولى العمليات المؤثرة على مستقبل التنظيم في تونس، عندما استهدفته القوات الخاصة للحرس الوطني بالتنسيق مع إدارة مكافحة الإرهاب للحرس الوطني، نهاية شهر مارس من سنة 2015، في منطقة الناظور الفاصلة بين القصرين وقفصة، رفقة 8 من أبرز قادة التنظيم، وجلهم حامل للجنسية الجزائرية.

وشهدت سنة 2018، القضاء على الإرهابي الجزائري الخطير بلال القبّي الذي أُرسل من المدعو عبد المالك درودكال، زعيم "تنظيم القاعدة" الإرهابي، في الجزائر، للجبال التّونسيّة لإعادة هيكلة "كتيبة عقبة بن نافع" الإرهابية، ليُقضى عليه قبل إكماله مخططاته، رفقة مساعده الإرهابيّ الجزائريّ الخطير حمزة المر ّأو النّمر الذي قتل في العمليّة نفسها.

تلتها العملية المشتركة بين الوحدات الخاصّة للحرس الوطني والجيش الوطني بالتنسيق مع القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، يوم الإثنين 2 سبتمبر 2019، في معتمدية حيدرة من ولاية القصرين حيث تم القضاء على مجموعة إرهابية تعتبر الأخطر والأشرس على الإطلاق، تضمّ الإرهابيّ الجزائري القيادي في "كتيبة عقبة بن نافع" الإرهابية، الطّاهر الجيجلي، الذي التحق بالجبال الجزائريّة سنة 1994، ثمّ تسلّل نحو الجبال التونسيّة سنة 2013. والجيجلي يعتبر "أمير سريّة الكاف وجندوبة" لكتيبة "عقبة بن نافع" الإرهابية.

وكان على اتّصال مباشر بأمير "تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلاميّ" الإرهابي، وقتها، عبد المالك درودكال. وتحوّل من الشمال الغربي إلى ولاية القصرين في شهر ماي من سنة 2015، ليستهدف مدرّعة عسكريّة سنة 2016، بعد أن شارك في عمليّة استهداف دوريّة عسكريّة بجبل ورغة من ولاية الكاف سنة 2014، وأشرف على العمليّة الإرهابيّة الّتي استهدفت حافلة عسكريّة بنبّر من ولاية الكاف، ممّا أدّى إلى استشهاد 5 عسكريّين.

أمّا ثاني الإرهابيّين الهالكين، في تلك العملية، فهو الإرهابي المكنّى بالماي، وهو جزائريّ الجنسيّة، التحق بالمجموعات الإرهابيّة بالجبال الجزائريّة سنة 2002، وانتقل إلى تونس سنة 2015، وهو أيضا قياديّ بكتيبة "عقبة بن نافع" الإرهابية.

وفي سجلّ "الماي" عديد العمليّات الإرهابيّة، التي استهدفت الوحدات الأمنية والعسكرية بين سنتي 2016 و2018.

الباي العكروف، المكنّى بأبي سلمى، هو ثالث قياديّي الإرهاب اللّذين لقوْا مصرعهم، في العملية ذاتها، وهو جزائريّ، ويعتبر "أمير كتيبة عقبة بن نافع" منذ سنة 2016 حال دخوله الجبال التّونسيّة، وكان ويبلغ من العمر 50 سنة في تلك الفترة، وكان يعتبر واحدا من أكبر الإرهابيّين سنّاً في الجبال التّونسيّة، وأخطرهم في شمال إفريقيا. وكان قد التحق بالجماعات الإرهابيّة المسلّحة بالجزائر أوائل التّسعينات، في الفترة الّتي وصفت بالعشريّة السّوداء، وهو المسؤول عن جميع العمليّات الانتحاريّة بالجزائر في تسعينيات القرن الماضي.

وشارك الإرهابيّ المذكور في استهداف دوريّات عسكريّة وأخرى تابعة للحرس الوطني، في جبال القصرين جندوبة سنتي 2017 و2018.

كما ساهم في قتل المواطن الأعزل الأمجد القريري، في شهر جوان، من سنة 2018، في مرتفعات ولاية القصرين.

وفي يوم 20 أكتوبر 2019، تم القضاء على الإرهابي الجزائري مراد الشايب المكنى بعوف أبو المهاجر، في عملية أمنية وعسكرية مشتركة، ويعتبر الإرهابي المذكور أحد أهم منسقي التنظيم. كما شارك  في عشرات العمليّات الإرهابيّة في تونس منذ سنة 2013.

وبذلك ضُربت جلّ رؤوس التّنظيم، ما أضعف من قدرته، وما أدخله في مرحلة الاحتضار، أو الموت السريريّ، وهو ما دفع مسلّحيه لانتهاج سياسة دفاعيّة لا تتحرّك إلاّ من أجل النّجاة، والإطالة في عمر التنظيم، إلى حدود إعلان وزارة الداخلية عن نهاية هذا التنظيم تقريبا، يوم الخميس 7 مارس 2024، بمناسبة ذكرى ملحمة بن قردان.

ضربة وراء أخرى لأجناد الخلافة من الدواعش

وبخصوص "كتيبة أجناد الخلافة" التابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي، والتي تأسست بعد مقتل لقمان أبو صخر، بعدد من المنشقين عن "كتيبة عقبة بن نافع" المبايعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، والمتمركزة بجبليْ السلوم ومغيلة من ولايتي القصرين وسيدي بوزيد، فتعتبر أقل خطرا من "كتيبة عقبة بن نافع"، لاحتوائها عناصر غير متمرسة بالجبال، ممن كانت تؤثث  الصفوف الثّانية والثّالثة من "كتيبة عقبة بن نافع" الإرهابية.

وتلقت هذه "الكتيبة" بدورها ضربات كثيرة مما أدى لتراجع عدد الإرهابيين فيها من بضع العشرات سنة 2016 إلى حوالي 10 أشخاص سنة 2024.

وتعتبر أهم وأكبر خسائرها إذلالها في "ملحمة بن قردان"، أولى هزائم "داعش" في المنطقة العربية، وواحدة من أهم أسباب تراجع التنظيم الإرهابي المذكور في جل المناطق العربية التي وجد فيها موطن قدم، بعد كسر شوكته الدعائية في تونس، مما انعكس على قدراته الاستقطابية في تونس وخارجها. إضافة لتمكن قوات الجيش والحرس الوطنيين من القضاء على أبرز قادته وأهمهم  الإرهابي طلال السعيدي الذي استهدفه الجيش الوطني في نوفمبر من سنة 2016 داخل جبل مغيلة، أو برهان البولعابي الذي ألقت عليه القبض تشكيلات عسكرية بجبل السلوم، في شهر جانفي من سنة 2018، إضافة للقضاء أو إلقاء القبض، على عشرات  المسلحين التكفيريين التابعين للتنظيم المذكور بين سنتي 2016 و2024، من قبل قوات الجيش والحرس الوطنيين بالتنسيق مع القطب القضائي لمكافحة الإرهاب.


برهان اليحياوي
 

share