languageFrançais

قصّة طالب فلسطيني قرّرت أمريكا ترحيله

قصّة طالب فلسطيني قرّرت أمريكا ترحيله

مظاهرات طلابية ومسيرات جابت عددا من المدن الأمريكية، أمس الأربعاء، للمطالبة بالإفراج عن الطالب الفلسطيني محمود خليل الذي اعتقلته السلطات الأمريكية الأمنية، السبت الماضي. ورفع المتظاهرون لافتات تحمل صوراً لخليل، مندّدين بإلغاء تصريح إقامته (الغرين كارد)، وبما وصفوه بأنّه "هجوم على حرية التعبير".

ودعا المتظاهرون جميع الجامعات الأمريكية إلى قطع علاقتها المالية مع إسرائيل، وطالبوا بإبعاد سلطات وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية (آي سي إي) عن الحرم الجامعي، وحماية الطلاب، فيما أصدر قاضٍ في محكمة مانهاتن الجزئية قراراً أول أمس الثلاثاء، يمنع ترحيل خليل من الولايات المتحدة.

 

محمود خليل.. من هو وما هي قصّته؟

محمود خليل فلسطيني مقيم في أمريكا يبلغ من العمر 29 عاما، مولود في سوريا من أبوين فلسطينيين نزحا من طبريا (شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة).

خليل حاصل على إقامة دائمة في الولايات المتحدة، ومتزوج من مواطنة أمريكية، وينتظر مولوداً الشهر المقبل. سطع اسم خليل محمود خلال المظاهرات الطُلابية، الداعمة لغزة ومنددة بمجازر الاحتلال الصهيوني في القطاع.

ولعب خليل دورا بارزا في تنظيم المظاهرات الطلابية بجامعة كولومبيا، وكان يخطب في المتظاهرين، ويتفاوض باسمهم، ويتواصل مع وسائل الإعلام.

كيف بدأت القصة؟

بروز إسم الطالب الفلسطيني وظهوره المتكرر في وسائل الاعلام الأمريكية ودفاعه المستميت عن أرضه المختصبة، لفت أنظار الإدارة الأمريكية له، وقرّرت أن تكون معاقبة خليل نقطة انطلاق مخطط معاقبة الطلاب المساندين لغزة بتعلّة ''معاداة السامية''، ليتحول بذلك المواطن الفلسطيني إلى رمز للمواجهة بين الرئيس دونالد ترامب والحركة الطلابية الاحتجاجية ضد سياسات الاحتلال، الشيء الذي أدى إلى اعتقاله بعد يوم من إعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إلغاء حوالي 400 مليون دولار تُقدّم كمِنَح فيدرالية لجامعة كولومبيا، السبت الماضي، من مقر سكني طُلابي تابع لجامعة كولومبيا في نيويورك.

 

حملة تضامن واسعة ودعوات لإطلاق سراح خليل

وقّع أكثر من 2.5 مليون شخص على عريضة يطالبون فيها بإطلاق سراح محمود خليل فورا، كما طالبت عضو الكونغرس رشيدة طليب بالإفراج الفوري عن خليل، خلال عريضة مفتوحة وقّع عليها 14 برلمانيا أمريكيا.

 رشيدة طليب سياسية وأول نائبة أمريكية فلسطينية في الكونغرس، ولدت عام 1976، وحملت على عاتقها الدفاع عن حقوق الفقراء وتحقيق العدالة لأبناء دائرتها لحياة أفضل، فكانت صوت فلسطين الذي صدح في أرجاء الكونغرس، وخاضت معارك عديدة مستمرة للدفاع عن حق الفلسطينيين في أرضهم، وعرفت برفضها الصريح للدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل.

ووصف أعضاء الكونغرس الموقعين على الخطاب، جميعهم من الديمقراطيين، احتجاز خليل بأنه "محاولة لتجريم الاحتجاج السياسي" و"اعتداء مباشر على حرية التعبير"، لافتين إلى أن الطالب الفلسطيني "يحمل إقامة دائمة قانونية، ومتزوج من مواطنة أميركية حامل في شهرها الثامن".

وجاء في الخطاب الموجه إلى وزارة الأمن الداخلي أنه "لم يتم توجيه أي تهم إلى خليل، أو إدانته بأي جريمة، فقط تم استهدافه بسبب نشاطه وتنظيمه كقائد طلابي ومفاوض في اعتصام التضامن مع غزة داخل حرم جامعة كولومبيا".

وأضاف أعضاء الكونغرس أن احتجاز خليل يمثل "عملاً من أعمال العنصرية المعادية للفلسطينيين يهدف إلى إسكات حركة التضامن مع فلسطين في هذا البلد"، وأنه "انتهاك الحقوق الدستورية لخليل"، مشيرين إلى أنّ منعه من الوصول الفعلي إلى محاميه أو زيارة أسرته له.

اعتقال خليل.. انتهاك التعديل الأول من الدستور

أصدر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر بياناً بشأن قرار ترحيل محمود خليل، محذراً من "انتهاك التعديل الأول من الدستور الأمريكي، الذي يضمن حرية التعبير".

وقال شومر، وهو أرفع مسؤول يهودي منتخب في الولايات المتحدة: "أرفض بشدة العديد من الآراء والسياسات التي يتبناها محمود خليل ويدعمها، وأعربتُ بصوت عالٍ عن انتقادي للأفعال المعادية للسامية التي حدثت في جامعة كولومبيا. ومع ذلك، فإن خليل مقيم دائم قانوني هنا، وزوجته مواطنة أمريكية، وهي في الشهر الثامن من حملها".

 

 

تهديد باعتقال زوجته الحامل

من جانبها، قالت محامية خليل، إيمي غرير، إن عناصر وكالة مراقبة الهجرة اعتقلوا خليل في بيته الواقع داخل حرم جامعة كولومبيا وتحدثوا عن إلغاء تأشيرة الطالب التي يملكها. إلا أنهم اكتشفوا أنه حصل منذ 2024 على "البطاقة الخضراء" التي تمنحه حق الإقامة والعمل في الولايات المتحدة، وهددوا بسحبها منه، كما هددوا باعتقال زوجته، وهي مواطنة أمريكية وحامل في شهرها الثامن.

"البطاقة الخضراء لا يمكن سحبها من قبل قاضي الهجرة، وهو ما يؤكد مرة أخرى أن إدارة ترامب مستعدة لتجاهل القانون لبث جو من الخوف والمضي قدما في برنامجها العنصري" هذا ما جاء في بيان مراد عواودة رئيس جمعية New York Immigration Coalition وهي منظمة تعنى بالدفاع عن حقوق المهاجرين واللاجئين.

من جهتها، وصفت رئيس اتحاد الحريات المدنية في نيويورك دونا ليبرمان اعتقال محمود خليل بأنه "غير قانوني"، معتبرة إياه "اعتداء كبيرا على حقوقه الأساسية".

ترامب يحتفي...

ترامب احتفى شخصياً باعتقال خليل وكتب منشوراً على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيه إن هذا الاعتقال ''كان الأول لكن اعتقالات أخرى ستأتي ضد من ينظمون أعمالاً معادية للسامية في أمريكا وضد الذين يعادون إسرائيل ويكرهون أمريكا''.

من جانبه، أفاد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن تأشيرة دخول أمريكا تعني أنك زائر وعليك أن تلتزم بالقوانين واللوائح الأمريكية وبأن تأييد حماس يعني أن أمريكا ما كانت لتعطيك تأشيرة الدخول، فالتأشيرة هي امتياز وليست حقا''ً.

 

 

جلسة استماع امام القاضي ومنع الحكومة من ترحيل خليل

أمس الأربعاء، عقدت أول جلسة استماع امام القاضي فيرمان في نيويورك، فيما تجمع خارج المحكمة المئات من المتضامنين مع خليل رافعين أعلاماً فلسطينية ومرددين شعارات تتضامن معه بالإضافة إلى الشعارات التقليدية للحركة الطلابية السياسية التي تجمعهم والتي انضم لها محمود خليل عندما انتقل إلى أمريكا.

استمع القاضي إلى الطرفين، الحكومة الأمريكية ومحامو خليل، وانتهت الجلسة بإعطاء الطرفين وقتا لتحضير دفوعاتهم حول نقطة محددة هي السلطة القضائية التي تعتبر مسؤولة عن التعامل مع قضية خليل، فمحامو الشاب الفلسطيني يريدون أن ينظر في القضية في نيويورك حيث معظم القضاة ذوي توجه ليبرالي في العادة وتكون الفرصة بالتالي أكبر أمامهم، كما أن خليل يعيش في نيويورك.

 

 

لكن الموقف الأول للقاضي فيرمان في منع الحكومة من ترحيل خليل حتى ينظر في القضية، أثارت غضب الأوساط المحافظة المؤيدة للرئيس ترامب. وتعرض القاضي لنقد شديد على مواقع التواصل الاجتماعي تصدرتها شخصيات مؤثرة ذات أتباع وتأثير في أوساط المحافظين مثل تشارلي كيرك الذي اتهمه بالوقوف ضد ترحيل شخص متعاطف مع حماس.

خليل في تصريحات سابقة

وفي حوار مع شبكة سي إن إن، في أفريل، قال خليل: "مطالبنا هي سحب الاستثمارات من الاحتلال الإسرائيلي، ومن الشركات التي تتربح وتساهم في إبادة شعبنا"، على حدّ تعبيره.

وأضاف أنه "كطالب فلسطيني، أؤمن بأن تحرير الشعب الفلسطيني يكون جنباً إلى جنب مع تحرير الشعب اليهودي، فلا يمكن لأحدهما أن يكون دون الآخر".

 

 

واقع قانوني صعب يواجهه خليل

وتتجه القضية الآن إلى مراحل حاسمة ما أن يتحدد المكان الذي سيعتبر مسؤولاً عن المحاكمة، ويبدو أنّ إدارة ترامب واثقة من مخططها العقابي مع الطلاب الأجانب المنخرطين في حركة التظاهرات.

أما خليل فيواجه في الواقع وضعا قانونيا صعبا فحتى إذا قرر القاضي الأمر بإطلاق سراحه، وهذا لن يكون سهلا، فبإمكان الحكومة أن تحيل القضية إلى محكمة هجرة وتلغي الإقامة الدائمة لخليل وتضعه على حافة الترحيل.

*أميرة عكرمي

share