أحداث سوريا الأخيرة.. الأسباب والتفاصيل
في ليلة الخميس 6 مارس 2025، بدأت قوات أطلقت على نفسها "درع الساحل" و"بقايا نظام بشار الأسد"، بشكل منظّم، وفي التوقيت نفسه وفي مناطق عدّة من الساحل السوري، باستهداف عناصر من الشرطة وقوات الأمن الداخلي والعناصر التابعين لوزارة الدفاع، كما طال الاستهداف أيّ مدني يقود سيارة تحمل رقم "إدلب".
بداية المواجهات
وقبل ساعات من بداية الهجوم، أعلن اللواء الركن غياث سليمان دلا الضابط السابق في نظام بشار الأسد وقائد أركان الفرقة الرابعة التي كانت تحت قيادة شقيقه ماهر الأسد، عن تشكيل "المجلس العسكري لتحرير سوريا" الذي يهدف وفق تعبيره، إلى "تحرير كامل التراب السوري وإسقاط النظام الحالي"، ودعا السوريين للانضمام إلى صفوفه وناشد المجتمع الدولي لدعمو.
وفي البداية تمكنت قوات درع الساحل وبقايا نظام بشار الأسد من قتل نحو 200 شخصا وأسر قرابة 250 آخرين، من عناصر الشرطة والأمن وبعض المدنيين، كما تمكنوا من السيطرة على معظم الساحل السوري ومواقعه الإستراتيجية والعسكرية ووصلت إلى قاعدة حميميم ومطار اسطامو والكلية البحرية واللواء 107، بالإضافة للجسور والمداخل والمخارج المؤدية إلى مدن الساحل، وانتشرت على الطريق الرئيسية (M4) لقطع الطريق على القادمين من مناطق إدلب.
القوات السوية تُعيد السيطرة
لكن وبعد 24 ساعة، تمكنت قوات الأمن والجيش السوري من استعادة المواقع التي خرجت عن السيطرة، وأعلنت الحكومة السورية عن فرض سيطرتها الأمنية على مدن اللاذقية وطرطوس وجبلة وبانياس وتأمين حماية المدنيين والانتقال لملاحقة الفلول الهاربين إلى الجبال.
ويوم الإثنين 10 مارس الجاري، أعلنت وزارة الدفاع السورية عن انتهاء العملية العسكرية في مناطق الساحل، مع خطط جديدة لاستكمال محاربة فلول النظام السابق.
تسجيل عمليات قتل وتصفية لعديد المدنيين بطُرُق لا إنسانية
وبعد 72 ساعة من إطلاق العملية العسكرية في مناطق الساحل السوري، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ "973 مدنيا علويا قُتلوا على يد قوات الأمن السورية ومجموعات رديفة لها خلال عمليات ومعارك مع موالين للرئيس المخلوع بشار الأسد في غرب البلاد".
وأورد المرصد أنّ "973 مدنيا علويا قتلوا في مناطق الساحل السوري وجِبال اللاذقية من جانب قوات الأمن ومجموعات رديفة" منذ يوم الخميس، وبذلك ترتفع حصيلة أعمال العنف إلى أكثر من 1018 قتيلا، بينهم 273 عنصر من قوات الأمن ومسلحين موالين للأسد.
وفي نهاية الأسبوع الفارط، انتشرت عديد الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي توثق عمليات تصفية مدنيين من الطائفة العلوية بطُرق لا إنسانية.
في المقابل، أقرّت الحكومة السورية بوقوع "انتهاكات" خلال العملية، وحملوا المسؤولية إلى حشود غير منظمة من المدنيين والمقاتلين الذين سعو، وفق تقديرهم، إما إلى دعم قوات الأمن الرسمية أو ارتكاب جرائم وسط فوضى القتال، وتعهدت الحكومة بتقديم كل المورطين إلى القضاء من أجل محاكمتهم، وفتح تحقيق في الحادثة.
لكن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، اعتبر أنّ "ما يحدث لا علاقة له بتأييد أو معارضة نظام الأسد السابق.. بل هي مذابح طائفية تهدف إلى طرد السكان العلويين من منازلهم".
وأثارت عمليات قتل المدنيين في الساحل السوري موجة من الانتقادات وطالبت الأمم المتحدة بوقف عمليات القتل ومحاسبة المتورطين وفتح تحقيق سريع في الحادثة.
الطائفة العلوية في سوريا ومدى ارتباطها بنظام آل الأسد
الأقلية العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد موجودة أساسا في منطقة الساحل، الذي يُعتبر حاضنة لعائلة الأسد التي حكمت البلاد لأكثر من خمسة عقود، مما مكنهم من التواجد في جميع مفاصل الدولة بما فيها المؤسسات العسكرية والأمنية التي كانت تعتمد على الاعتقال والتعذيب والترهيب كأساليب لقمع أيّ معارضة، مما يفسر العداوة الكبيرة بين الطرفين.
ويبلغ تعداد العلويين نحو 1.7 مليون نسمة، ويشكّلون حوالي 9% من سكان سوريا ذات الغالبية السنية، ومن أبرز المناطق التي يسكنها العلويون هي محافظتي اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى مناطق في حمص وحماة وريف دمشق.
وبالنسبة لتاريخ نشأة المذهب العلوي فيرجع إلى القرن التاسع ميلادي على يد محمد بن نصير الذي يعتبروه العلويين من تلاميذ حسن العسكري الإمام الحادي عشر لدى الشيعة الإثنى عشرية، وهو ما جعل البعض يلقبهم بالنصيريين.
ويؤمن العلويون بتناسخ الأرواح، وتعتبر فكرة الثالوث المكون من النبي محمد والإمام علي وسلمان الفارسي من أهم مبادئ الطائفة.
في المقابل، يتهمهم خصومهم، خاصة من السنة، بأنهم يؤلهوا الإمام علي، ولكنهم ينفون هذه التهم ويقولون إنهم يؤمنون بوجود "مسحة إلاهية" في الإمام علي وإنه يمثل "التجلي الأخير لله على الأرض".
تنوع النسيج المجتمعي في يوريا
من بين القراءات التي قدّمتها المصادر الحكومية في تصريحات إعلامية، أنّ المخطط الأكبر من أحداث الساحل الأخيرة هو محاولة فرض واقع ميداني جديد في سوريا يهدف إلى تقسيم البلاد واقتطاع أقاليم كدويلات في غرب وجنوب وشرق سوريا بعد طرد القوات الحكومية من الساحل.
وكخطوة استباقية قامت الرئاسة السورية يوم أمس الإثنين، بتوقيع اتفاق يقضي بإدماج "قوات سوريا الديمقراطية"، ضمن مؤسسات الدولة والتأكيد على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم.
هذا الاتفاق يُعتبر على غاية من الأهمية، بالنسبة للحكومة الانتقالية السورية، باعتباره سيُمكّن من دمج المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية.
والمناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" تمثل ثلث مساحة سوريا، وهي تضم أغلبية مواردها الطبيعية، من نفط وغاز ومعادن.
وتمثل "قوات سوريا الديمقراطية"، تحالفا متعدّد الأعراق والأديان للميليشيات وأغلبهم أكراد، بالإضافة إلى الجماعات الآشورية والسريانية، والتركمانية والأرمنية والشركسية، والتحالف هذا مدعوم من أمريكا.
محاولة للتقسيم
ويسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تحويل سوريا إلى دولة طائفية من خلال إقناع أبناء الطائفة الدرزية في سوريا برفض الحكومة الجديدة، ودفعهم إلى المطالبة بحكم ذاتي في إطار نظام فيدرالي، والعمل على إحداث حرب أهلية داخل سوريا، من خلال استخدام الدروز في الجنوب، والعلويين في الساحل، والأكراد في الشمال.
وأكثر من ذلك، وزارتا الدفاع والخارجية الإسرائيليتان، أعلنتا عن "أيّ تدخل من قِبل حكومة دمشق ضد مجموعة صغيرة من الدروز المسلحين، أو التعامل بعدائية مع الأكراد والعلويين الذين يرفضون تسليم أسلحتهم، سيتم الرد عليه بهجوم إسرائيلي على دمشق".
خليل عماري