مؤتمر النهضة..تسجيلات صوتية تربك المعادلات السياسية
تسريبات صوتية منسوبة لرئيس حركة النهضة بالنيابة منذر الونيسي أثارت جدلا واسعا في صفحات التواصل الإجتماعي، حيث نشرت الصحفية شهرزاد عكاشة تسجيلا لجزء من محادثة هاتفية جمعتها بالونيسي في علاقة بالصراعات داخل حركة النهضة في المرحلة القادمة، وما راج حول تحالفات مع رجال أعمال نافذين من جهة الساحل للتموقع مجدّدا في الخارطة السياسية في ظلّ ما تشهده تونس من تطوّرات وتغييرات سياسية منذ 25 جويلية 2021، والمساعي للترشحّ للرئاسة.
وسارعت عدّة شخصيات ورد ذكرها في التسجيل إلى نفي ما جاء فيها، حيث نفى رئيس حركة النهضة بالنيابة منذر الونيسي في تدوينة على حسابه بفيسبوك، صحّة هذا التسجيل المنسوب إليه، مؤكّدا أنّه مفبرك وأنّه محض افتراء ومحاولة يائسة للإساءة للحركة، حسب قوله.
كما نفى حصول أيّ اجتماع مع رجلي الأعمال اللّذيْن ورد ذكرهما في التسجيل عثمان وحسين جنيّح.
بدوره نفى رجل الأعمال عثمان جنيّح في فيديو مُتداول على فيسبوك، ما جاء في هذا التسجيل، معلنا مقاضاة من يقفون وراءه، واصفا التسريب بالادعاءات الباطلة والسخيفة، مشدّدا على عدم وجود أيّ طموح سياسي له وأنّ رئاسة فريق النجم الرياضي الساحلي هي أعلى منصب بالنسبة إليه.
نفي آخر حول صحّة تلك التسريبات جاء من طرف حسين جنيّح، مؤكّد أنّ ما جاء في التسريب المنسوب لمنذر الونيسي ادعاءات كاذبة من نسج خياله وأنّه لم يجمعه ولم يجمع والده عثمان جنيّح أيّ لقاء به.
كما أعلن بدوره مقاضاة نائب رئيس حركة النهضة منذر الونيسي و''كلّ من سيكشف عنه البحث ومن يقوم بتسريب هذا التسجيل''.
ماذا في التسريبات؟
تضمّن التسريب حديث عن أموال تلقاها القيادي بحركة النهضة محمّد الغنودي من معاذ نجل الغنوشي، المتواجد في تركيا، وحديث عن مساعي قيادات فارة في الخارج من بينها ابن الغنوشي وصهره رفيق عبد السلام وأحمد قعلول لقيادة الحركة من الخارج.
وأشار منذ الونيسي في التسجيل المنسوب إليه إلى الإنشقاقات الحاصلة في الحركة واختلال موازين القوى داخلها ومساعي قيادة الصفّ الأول لرئاسة الحركة، وبعضهم في السجن، على غرار علي العريّض ونور الدين البحيري.
مؤتمر النهضة.. خلط الأوراق
تزامنت هذه التسريبات مع انعقاد مجلس شورى حركة النهضة ووضع رئيسه عبد الكريم الهاروني، أحد المقربين من راشد الغنوشي المسجون على خلفية قضايا مختلفة منشورة أمام المحاكم التونسية، قيد الإقامة الجبرية واستعداد حركة النهضة لعقد مؤتمرها الـ 11 المقرر في أكتوبر 2023، رغم قرار صادر عن وزير الداخلية منع جميع الاجتماعات بمقرات الحزب بكامل تراب الجمهورية، يثير عدّة تساؤلات حول هذا التسريب وتبعاته على مستقبل الحركة التي تشقّها الخلافات، وعلى التحضيرات للمؤتمر.
واعتبر القيادي بالحركة بلقاسم حسن أنّ وضع الهاروني قيد الإقامة الجبرية هو محاولة للضغط على مسار إنجاز المؤتمر الحادي عشر للنهضة، مشيرا إلى أنّ النهضة حزب له مؤسسات و هياكل استمر نشاطها رغم ايقاف رئيس الحركة ونائبيه.
وأشار حسن إلى أنّ شورى النهضة الذي تواصل إلى ساعة متأخرة من مساء الأحد 3 سبتمبر 2023، تداول جملة من اللوائح الخاصة بتنظيم المؤتمر وتكليف عدد من اللجان التنظيمية على أن تكون الدورة القادمة لشورى الحركة حاسمة في تحديد موعده النهائي.
هذه الخلافات التي أثيرت في التسريبات زادت من ارباك الحركة، التي تعصف بها الخلافات منذ سنوات وزادت حدّتها بعد 25 جويلية، حيث شهدت انشقاقات وخروج قيادات من الصفّ الأوّل عنها، كانت تعدّ من المقرّبين لرئيس الحركة راشد الغنوشي على غرار سمير ديلو وعبد اللطيف المكي وعبد الحميد الجلاصي ومحمّد القوماني.
جانب من الخلافات يتعلّق برئاسة الغنوشي للحركة وطريقة تسييرها المبنية على الولاءات لشخصه، وفق ما يؤكّده منتقدوه الذين يرون ضرورة أن يتنحى عن الرئاسة، من بينهم محمد القوماني، الذي غادر الحركة مؤخرا، ويرى بأنّ زعيم الحركة راشد الغنوشي يتحمّل جزءا مهما من مسؤولية الانسداد الذي وصلت اليه البلاد وكذلك في حركة النهضة.
حرب الزعامات
سجن راشد الغنوشي، الموقوف على ذمّة عدّة قضايا قد يجعل من إمكانية مواصلة رئاسته الحركة موضوع نقاش ويفتح الطريق أمام من يعتبرون أنفسهم جديرين بتبوأ هذا المنصب.
وبحسب ما جاء في التسريبات المنسوبة لمنذر الونيسي فإنّ العديد من القيادات تطمح إلى خلافة الغنوشي، ومنها القيادات المتواجدة خارج البلاد، مشيرا إلى الخلافات العميقة التي تشقّ الحركة والتي لم تكن خافية لكنّها باتت تتأكّد أكثر فأكثر.
هذه التساؤلات تفرض نفسها أكثر مع وضع رئيس مجلس الشورى قيد الإقامة الجبرية بمقتضى قرار من وزير الداخلية كمال الفقي لمدة مدة أربعين يوما تطبيقا لقانون الطوارئ.
ويطرح هذا المعطى الجديد تساؤلات حول موقع الهاروني داخل الحركة ولعب دور قيادي صلبها وامكانية تغيير الواجهة السياسية والإعلامية لحزب النهضة واستبدالها بجيل صاعد للتموقع في الصفّ الأول.
كلّ هذه التغييرات ستؤثّر بشكل أو بآخر في المستقبل السياسي للحركة وسيؤثّر على الدور الذي قد تلعبه مع اقتراب الإستحقاق الانتخابي الرئاسي لسنة 2024.
شكري اللّجمي