الذكاء الاصطناعي: مميّزات وآفاق جديدة.. لكن هل تغافلنا عن المخاطر؟
سلّط برنامج 'ميدي إيكو'، يوم الخميس 13 فيفري 2025، بحضور المختصيْن في الذكاء الاصطناعي طه ريدان ورازي الملياني، الضوء على مخرجات قمّة باريس العالمية للذكاء الاصطناعي والاستثمارات في هذا المجال.
وعُقدت في باريس قمّة عالمية حول الذكاء الاصطناعي بمشاركة 61 دولة، بهدف التوصّل إلى رؤية موحّدة لتطوير هذه التكنولوجيا بشكل مفتوح وشامل وأخلاقي. وشارك في هذه القمة حوالي 1500 شخص، بينهم نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، ونائب رئيس الوزراء الصيني تشانغ غوتشينغ، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين. كما حضرها قادة قطاع التكنولوجيا، مثل سام ألتمان، من شركة أوبن إيه آي مبتكرة "تشات جي بي تي"، والمدير التنفيذي لشركة غوغل سوندار بيتشاي، ورئيس شركة أنثروبيك الأميركية الناشئة داريو أمودي.
في هذا السياق، أكّد ضيف برنامج "ميدي إيكو"، طه ريدان، على أنّ الحديث عن الذكاء الاصطناعي يعني 'سوق، استثمارات وأرباح'. وذلك باعتبار أنّ هذا المجال أصبح محرّكا رئيسيا للاقتصاد العالمي. وأوضح طه ريدان أنّ هذه المسألة في غاية الأهمية، حيث تتسابق مختلف الدول لتأمين مكانتها في ظلّ التغيّرات التي يشهدها العالم في ما يخصّ الذكاء الاصطناعي.
وأضاف أنّ الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل كبير على البيانات، فجمع البيانات يعني تجميع كميات ضخمة من المعلومات في مجالات متعددة. وأشار إلى أنّه كلّما كانت البيانات أكثر تنوعا ودقة، كان أداء نماذج الذكاء الاصطناعي أفضل. أمّا حسن توظيف هذه البيانات فيعني استخدامها بطريقة منظمة وفعّالة لضمان تحقيق أفضل النتائج.
استثمارات بالمليارات..
وأشار ضيف برنامج "ميدي إيكو" رازي الملياني إلى أنّ الاتّحاد الأوروبي وضع على الطاولة 200 مليار أورو، وهو رقم قياسي، للاستثمار في الذكاء الاصطناعي. حيث أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن خطّة استثمار ضخمة في قطاع الذكاء الاصطناعي الأوروبي بقيمة 200 مليار أورو على مدى السنوات المقبلة.
وقالت: "نتحدث عن أكبر شراكة عامة وخاصة في العالم لتطوير ذكاء اصطناعي موثوق"، مضيفة أن "هذه المبادرة تم بناؤها بالتعاون مع إيمانويل ماكرون". ومن المتوقع أن يساهم الاتحاد الأوروبي بمبلغ 50 مليار في هذا البرنامج حسب أورسولا فون دير لاين. أمّا الأموال المتبقية (أي حوالي 150 مليار يورو)، فسيتكلف بها خواص بشكل أساسي من بينهم كبار الفاعلين الماليين الدوليين بما في ذلك بعض الصناديق الاستثمارية الأمريكية.
بدورها، كشفت فرنسا عن مبلغ 110 مليار أورو، مؤكدة على أنّه "مبلغ ضخم لم يسبق له مثيل". حيث سيقوم المستثمرون الخواص بضخّ 109 مليار يورو في الشركات والبنى التحتية الرقمية في فرنسا خلال السنوات المقبلة، ما سيساعد في تطوير قطاع الذكاء الاصطناعي. فيما يُقارن هذا المبلغ بمشروع ستارغيت Stargate الأمريكي الضخم الذي كشف عنه دونالد ترامب والذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار.
تهديدات ومخاطر..
في المقابل، نبّه رازي الملياني إلى أنّ قمة باريس ركّزت أساسا على فرص الذكاء الاصطناعي ومزاياه، مثل تعزيز الابتكار وتحسين الكفاءة في العديد من المجالات، دون التطرّق إلى مخاطره المحتملة، والتي من أبرزها التلاعب بالمعلومات الخاطئة والتلاعب بالرأي العام عبر المحتوى المضلل الذي قد ينتج عن الذكاء الاصطناعي. بمعنى آخر، الذكاء الاصطناعي قد يُستخدم لإنتاج معلومات زائفة أو لتوجيه الرأي العام بشكل غير نزيه.
كما أشار إلى أنّ الذكاء الاصطناعي قد يهدد حوالي 3 ملايين مهنة في المستقبل القريب، بسبب قدرته على محاكاة الأنشطة البشرية بشكل متطور. على سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل بعض الوظائف التي تعتمد على التواصل البشري أو التحليل البسيط للبيانات، مما يؤدي إلى فقدان الوظائف وزيادة التحديات الاجتماعية.
إذن، على الرغم من الفرص العديدة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في مجال الوسائط الرقمية، هناك أيضًا تهديدات كبيرة يجب مراعاتها. أحد المخاوف الرئيسية هو إمكانية مفاقمة الذكاء الاصطناعي لقضايا مثل الأخبار المزيفة والمعلومات المضللة والدعاية. ومع القدرة على إنشاء ونشر المحتوى بسرعة ونطاق غير مسبوقين، يمكن إساءة استخدام الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، للتلاعب بالرأي العام ونشر الروايات الضارة، وهذا يشكل تهديدًا خطيرًا للديمقراطية والتماسك المجتمعي والثقة العامة في الوسائط الرقمية.
علاوة على ذلك، يثير الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في الوسائط الرقمية مخاوف بشأن الخصوصية وأمن البيانات. غالبًا ما تعتمد خوارزميات الذكاء الاصطناعي على بيانات المستخدم لتقديم محتوى مخصص وإعلانات مستهدفة، ومع ذلك يمكن أن ينتهك جمع البيانات هذا خصوصية المستخدم، ويثير أسئلة أخلاقية حول الموافقة والشفافية.
هناك تهديد محتمل آخر للذكاء الاصطناعي في الوسائط الرقمية، وهو إزاحة العمالة البشرية؛ فمع تقدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، هناك خطر أتمتة الوظائف، وفقدان الأدوار التقليدية في صناعة الإعلام، ويمكن أن يؤدي هذا إلى البطالة والتفاوت الاقتصادي والاضطرابات الاجتماعية.