المحامي محمود داوود يعقوب: ثلثا المساجين بحالة إيقاف تحفظي
وصف المحامي والأستاذ الجامعي محمود داوود يعقوب قاضي التحقيق بـ "السيّد المطلق في الإجراءات الجزائية" بالنظر إلى صلاحياته المطلقة لـ "الحدّ من حريات الناس وحقوقهم" من إيقاف تحفّظي وتحجير السفر وتجميد الأملاك..
وأشار إلى أنّ ثلثيْ من هم في السجون موقوفون تحفظيا، معتبرا أنّ المنظومة في تونس أصبحت قائمة على فكرة "خليه تحت يدينا" خشية هروب المشتبه بهم، بيد أنّ ذلك خلق خوفا من العدالة وانعدام الثقة في القضاء، وفق ما صرّح به خلال استضافته في برنامج "ميدي شو"، الخميس 28 مارس 2024.
وفي هذا السياق، شدّد محدّثنا على أنّ الإيقاف التحفظي هو وسيلة استثنائيّة يجب أن ترتكز أساسا إمّا على حالة التلبس أو توفّر قرائن قوية على ارتكاب الجريمة، وبالتالي لا يجوز أن يسبق الإيقاف الاختبارات للتثبّت من وجود جريمة من عدمه، وقد سبق لمحكمة التعقيب منذ 2013، التأكيد على أنّه إجراء غير عادي.
الاحتفاظ والإيقاف التحفظي
وفسّر محدّثنا أنّ وكيل الجمهورية له الحقّ في مرحلة البحث الأوّلي (لا جريمة) إن اقتضى الأمر، الإذن بالاحتفاظ بالشخص مدّة 48 ساعة في الجنايات والجنح، قابلة للتمديد 24 ساعة في الجنح و48 ساعة في الجنايات. وبالنسبة للمخالفات، فإنّ الاحتفاظ هو المدة اللازمة لسماعه على أن لا تتجاوز 24 ساعة.
أمّا في قضايا غسيل الأموال، فإن الاحتفاظ يكون لمدّة خمسة أيام قابلة للتمديد خمسة أيام، وفي قضايا الإرهاب تكون خمسة زائد خمسة زائد خمسة (15 يوما في المجموع).
وأما قاضي التحقيق فيُمكنه الإذن بالإيقاف التحفظي لمدّة ستّة أشهر، في الجنايات والجنح، قابلة للتمديد مرّة واحدة في الجنح لثلاثة أشهر، ومرّتين في الجنايات، كلّ مرّة أربعة أشهر.
وللإشارة، فإنّ الجنايات هي العقوبة التي تستوجب السجن لمدة تتجاوز خمسة أعوام، أمّا الجنح فهي الجرائم التي تستوجب عقابا بالسجن لمدة لا تفوق الخمسة أعوام أو الخطية.
النيابة العمومية
في تونس هي جزء من القضاء العدلي، ويُفترض أن تتمتّع بكلّ ضمانات الاستقلالية، ونجد في أسفل تركيبتها الهرمية "وكيل الجمهورية" الذي يقوم بالاحتكاك المباشر مع المواطنين، ورئيسه المباشر هو الوكيل العام في محكمة الاستئناف، ورئيسهم المباشر هو وزير العدل.
ويحقّ لها فتح بحث في أيّ شكاية تصلها، ويُمكنها أيضا التعهّد من تلقاء نفسها باعتبارها مؤتمنة على مصالح المجتمع. وإثر ذلك، يُكلّف مأمورو الضابطة العدلية (الشرطة والحرس) بالبحث في الجرائم.
المجلس الأعلى للقضاء..
أكّد محمود داوود يعقوب، تعليقا على المجلس الأعلى للقضاء، أنّه عبارة عن مجلس أعلى للعدالة أكثر من كونه موجّه للقضاء فقط، وتوكل إليه مهمة تسيير المرفق القضائي على غرار تنظيم الجلسات والترقيات والنقل والتسميات، وغيرها.
بيد أنّ المجلس القديم فشل في الجزء المهم في مهمته، وفق قوله وهو تطهير القضاء، والمقصود بذلك محاسبة من لهم أخطاء مهنيّة، ولها صفة جزئية، عن طريق إجراءات واضحة، من خلال الإحالة على مجلس التأديب ثمّ اتّخاذ القرارات اللازمة في شأنه، والتي قد تكون نقلة أو توقيف عن العمل لمدة معيّنة، وقد تصل في بعض الحالات إلى العزل.
وأضاف محمود داوود يعقوب أنّ المجلس الأعلى للقضاء، القديم، لم يعمل كما يجب، وهو ما يُفسّر مقولة "القضاء عجز عن تطهير نفسه..".
"زد على ذلك، المجلس القديم كان سلبيا في قراراته خلال جائحة كورونا، على غرار إجراء خلق المحاكم والاكتفاء بقضايا الموقوفين، فهل من المعقول أن يُغلق مرفق عدالة لمدة سنة تقريبا، سبقهم شهريْن إضراب قضاة!"، يتساءل ضيف "ميدي شو"، مشيرا إلى أنّ كلّ ما سبق ذكره دفع إلى إلغاء المجلس القديم، وتكليف مجلس قضاء وقتي، بأعضاء بصفته الذي يُعيّنهم مجلس القضاء بنفسه، وهنا انتهت فكرة استقلالية المجلس.
وبالنسبة إلى الحركة القضائية الأخيرة، قدّر المتحدّث أنّها تضمّنت مسألة خطيرة، وهي تفريغ ثلاث مناصب (رئيس أوّل محكمة التعقيب ووكيل الدولة العام ورئيس المحكمة العقارية)، وهو ما يدفعنا اليوم إلى اعتبار المجلس الأعلى المؤقّت الحالي "مشلولا" باعتبار أنّه لم يقع إلى حدّ الآن سد الشغور، وفق قوله.