languageFrançais

ثلوج تالة : ضيف زيّن جبالها .. وأنهك سكانها (صور+فيديو)


مشاهد كثيرة تبقى عالقة في الذهن بعد يوم شاق من العمل في يوم لا يتشابه مع النهار الذي سبقه أو مع الصباح الذي قد  يأتي بعده، فضيف ولاية  القصرين اليوم الثلاثاء 17 ديسمبر 2017 كان ثلجا زين جبالها المحتلة من قبل مغول العصر ورسم لوحات جميلة على مرتفعات المعتمديات .


مشهد رجل يغمره الثلج بعد أن تم طرده من المسجد الذي كان يأويه وصورة دموع امرأة من أصحاب الاحتياجات الخصوصية، وهي تشكو لنا فقرها ومعاناتها ...مشاهد لا يمكن أن تصفها إلا إذا كنت قد عايشتها  .


بمجرد حلولك بمدينة تالة في يوم ارتدائها لثوب ناصع زينته بها جغرافية قاسية، تشعر بكرم أهلها الذين يرحبون بكل وافد جديد عليها.


الثلوج غمرت الشجر والطرقات والمساكن القديمة والمساجد والحانات والمقاهي ودرجة الحرارة هي صفر أو أقل بكثير.


وربما هي نفس درجة حرارة جسد كهل، يقال بأنه قد رفع عنه القلم، ملقى أمام أدراج مسجد أطرد منه، لسبب أو لآخر ، وهو يدعى عماد الزعبي (40 سنة) الذي قضى ليلة شتوية تحت الثلوج في شوارع تالة وسط أغطية بالية تبرع له بها سكان الحي.


لن تستطيع محاورته أو حتى أن تسأله أن كان يشعر بالبرد  ، فكيف لك أن تحاور "مجنون القرية"، رغم ما عرف عن المجانين من حكمة  في الأدبيات القديمة ، فطالما ما اختار كبار الروائيين و الفلاسفة في التاريخ القديم المجانين كأبطال لقصصهم ينطقون بما يعجز عنه بقية الشخصيات الخيالية  لأن سلاطين ذلك الزمن كانوا  لا يحاسبون المجانين.


فرضية انعدمت  اليوم في تالة ، فعماد الزعبي حاسبه القدر والطبيعة وضمائر البعض النائمة وكاد أن يلقى حتفه تحت ثلوج المدينة اليوم.


كل المتدخلين كانوا غاضبين في تصريحاتهم ، وثلج تالة لم يكن اليوم بردا وسلاما على أهلها، و يمكنك أن تسمع حتى الصامتين يقولون "أين التنمية ؟"  .


انخفاض في إنتاج الخبز وانقطاع متكرر للماء وللكهرباء ووضعيات اجتماعية عمق البرد في معاناتها هكذا يمكننا حوصلة جل تصريحات الأهالي.


وهي نفس الكلمات  التي نطقت "دولة سمعلي" (70 سنة) التي فرحت كثيرا بمجرد دخولنا منزلها الذي غمرته الثلوج حتى ينتابك شعور بأنك خارج المنزل وأن تحاورها داخل  بيتها المتواضع المهدد بالانهيار.


بكت "دولة" كثيرا ولم تطلب منا إلا تبليغ أمانيها إلى الرأي العام  والمتمثلة أساسا في كرامة إنسانية لا غير وتتحوصل  في مسكن لائق وشغل قار لابنها العامل اليومي وهو المتحصل على شهادة الماجستير.


هذا كله لن يمنع أطفال المدينة من اللعب في سهول تالة البيضاء وهم يحلمون بمستقبل واعد رغم هذه المشاهد القاسية الذين تعودوا على رؤيتها مع كل زيارة لضيف خفيف الظل بالنسبة لهم، ثقيل الظل عند غيرهم .
فموجة البرد في تالة جعلت أيامها وسهولها ومرتفعاتها بيض ثلج على صورها ..سود كحل على فقرائها...


وإذا ما تمت العناية بهذه المناطق عبر اقتصاد تضامني تشاركي فعلي قد يقلص من الهوة بين الطبقات المحظوظة والطبقات الفقيرة في كل الشريط الغربي التونسي سيكتمل حلم أطفال تالة عسى أن يكون شتاؤها بردا وسلاما على أهلها.

 

برهان اليحياوي