languageFrançais

لمن يُواجهون الوحدة في عيد الحب.. هذا المقال لكم !

لمن يُواجهون الوحدة في عيد الحب.. هذا المقال لكم !

المشاعر، تلك اللغة السرية التي تُخبئها أرواحنا وتُعبّر عنها أجسادنا، لُغة الروح التي نُعبّر من خلالها عن أنفسنا، هي أساس كلّ علاقة وكلّ اتّصال بشري. من حبٍ صافٍ يمتدّ عبر الزمن إلى صداقة تُضيء دروب الحياة، ومن لحظات الفرح التي تلوّن أيامنا إلى أحزان تُعلّمنا الصبر.. تنسِج هذه المشاعر روابطَ تُحيينا وتمنحنا الشعور بالانتماء، فهي السند الذي نحتاجه في لحظات السعادة والحزن على حدّ السواء.

لكن ماذا يحدث عندما تغيب هذه الروابط؟ عندما يشعر الإنسان بالوحدة أو الفراغ؟ حينما تبدو هذه الروابط مفقودة ويطغى الفراغ على أرواحنا، خاصّة في مناسبات مثل عيد الحب؟ حيث يشعر البعض بالحب والمودة، بينما يغرق آخرون في وحدتهم.

عيد الحب.. من القديس فالنتين إلى رمز عالمي للمشاعر

عيد الحب أو يوم القديس 'فالنتين'، هو احتفال في الأصل مسيحي يحييه العشاق في 14 فيفري من كلّ عام، ويعود تاريخ الاحتفال به إلى العهد الروماني، حيث كان هناك قديس يُدعى 'فالنتين'، عاش في القرن الثالث الميلادي خلال فترة حكم الإمبراطور كلاوديوس الثاني، في ذلك الوقت أصدر الإمبراطور قرارا يمنع الجنود من الزواج، معتقدا أنّ العزّاب يكونون أكثر كفاءة في القتال، لكن القس فالنتين لم يلتزم بالأمر، وظل يزوج العشاق سرًا، مما أدّى إلى اعتقاله وإعدامه في 14 فيفري عام 269م.

وتطوّر عيد الحب عبر العصور، حتّى أصبح اليوم مناسبة عالمية يحتفل فيها الناس بتبادل الهدايا والبطاقات والورود كرمز للحب والمودة. ففي مساء عيد الحب، تكتظ المطاعم والمقاهي بالعشاق، وتنتشر الزهور والقلوب الحمراء في كلّ مكان. بينما هناك من يجلس في صمت، يتصفّح هاتفه بين منشورات الحب وصور لحظات السعادة التي لا يعيشها.. إحساس ثقيل يعصف به، فراغ لا يُمكن تفسيره.. فتبدأ الأسئلة تتواتر: هل هي الوحدة أم أنّ الفراغ العاطفي هو ما يُحسّ به؟.. 

فكيف نعرف أنّنا نعيش الوحدة أم أنّنا نُعاني من الفراغ العاطفي؟ هل هما الأمر نفسه أم أنّ هناك فرقا بينهما؟ وأيّ تأثيرات لهما على صحتنا النفسية والجسدية؟..

ليست كما تتخيّل.. الوحدة لا تعني الفراغ

الوحدة والفراغ العاطفي هي مشاعر سلبية تنتاب المرء حين لا يملك علاقات اجتماعية تلبي احتياجاته النفسية، فكلّ إنسان يحتاج إلى أن يشعر بالانتماء إلى شيء ما، وأن يكون جزءًا من كيان أو مجموعة من الأشخاص يشبههم ويشبهونه. وعلى الرغم من أنّ الوحدة والفراغ العاطفي كليهما يوُحي بالعزلة، إلاّ أنّ هناك فرقا جوهريا بين الشعور بالوحدة وافتقاد الشخص للشعور بالعاطفة والإشباع الداخلي.

فالوحدة هي حالة من الانعزال الاجتماعي، حيث يشعر الشخص بالابتعاد عن الآخرين أو بعدم التواصل معهم. وقد يعيشها الفرد رغم وجود أشخاص حوله، لكنّها تتجسد في غياب العلاقات العميقة والمترابطة. 

أمّا الفراغ النفسي فهو حالة شعورية يصاحبها شعور بالانعدام أو الخواء الداخلي، حيث يشعر الشخص بأنه يفتقر إلى هدف أو معنى في حياته. يمكن أن يحدث هذا الفراغ نتيجة لفقدان أو غياب الأشياء التي كان يعتبرها مهمة، مثل العلاقات العاطفية، أو الإنجازات الشخصية، أو حتى غياب الإحساس بالانتماء والاتصال بالآخرين. 

والفراغ العاطفي هو شعور داخلي بفقدان الإشباع العاطفي، حتّى وإن كانت هناك علاقات موجودة من حول الشخص. ويشعر من يُعاني من الفراغ العاطفي بأنّ قلبه وعقله غير ممتلئين بالعواطف التي يحتاجها، مما يجعله يواجه صعوبة في الشعور بالرضا أو الانتماء. وهو شعور قد يكون ناتجا عن غياب الحب والدعم العاطفي أو العلاقات المرضية.

احذر الوحدة فهي قاتلة..!

في كتابها "المدينة الوحيدة"، تقول الكاتبة البريطانية "أوليڤيا لاينغ" "كيف بإمكانك وصف الشعور بالوحدة؟ إنّه أشبه بكونك جائعا بينما كل مَن حولك يستعد لتناول وليمة. إنّه شعور مخجل ومخيف، ومع الوقت يبدأ هذا الشعور بالإشعاع خارجا، ليجعل صاحبه أكثر عزلة وأكثر غربة. إنّه شعور مؤلم، بالطريقة التي تؤلمنا بها المشاعر، وله أيضا عواقب جسدية لا يمكننا رؤيتها داخل الجسد المغلق. ويتطور هذا الشعور ليصبح باردا كالثلج وصافيا كالزجاج، ليتضمنك ويجتاحك".

ويُعتبر الشعور بالوحدة أمر خطير على الصحة، إذ أنّ الانعزال عن البشر قد يولد ضغوطا نفسية وجسدية لكثير من الناس، على المدى الطويل، كما يمكن أن تؤدي الوحدة إلى أمراض خطيرة مثل الاكتئاب وأمراض القلب والأوعية الدموية أو الزهايمر. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يؤدي الشعور بالوحدة إلى مزيد من الشعور بالألم والانعزال.

* الدحيح - الوحدة:

وبحسب دراسة أمريكية، فإنّ الوحدة المزمنة يمكن أن تزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بالنوبات القلبية، أو السكتات الدماغية، أو السرطان، أو الخرف، حيث بينت دراسة من جامعة لوس أنجلوس أنّ الأشخاص الوحيدين لديهم مستوى أعلى من هرمون الإجهاد الكورتيزول في دمائهم مقارنة بالأشخاص الذين لديهم العديد من الاتصالات الاجتماعية.

وفي دراسة أخرى استمرت أربع سنوات، وجد العلماء أن الشعور بالوحدة لفترات طويلة يضاعف من خطر الإصابة بخرف الشيخوخة مقارنة بالأشخاص غير الوحيدين بأشخاص انطوائيين يميلون للعزلة. وبيّنت الدراسة أنّ الوحدة طويلة الأمد تزيد من خطر الوفاة بنفس طريقة التدخين أو زيادة الوزن. كما يمكن أن تؤدي الوحدة طويلة الأمد أيضًا إلى مشاكل جسدية.

من الصعبِ الاعترافُ بالوحدة، ومن الصعبِ تصنيفها، كالاكتئاب، الحالة التي تتقاطعُ معها الوحدة غالبًا، حيثُ من الممكن أن تتغلغلَ إلى  أعماقِنا

أولئك الذين يعانون من الوحدة غالبًا ما يعيشون بشكل غير صحي. إذ يتم تعويض نقص العلاقات الاجتماعية أحيانًا بالمزيد من الطعام أو الكحول أو النيكوتين. كما أنّ الدراسات الحديثة تؤكد على أنّ الشعور بالوحدة يمكن أن يؤثر على وظائف نظام المناعة لدينا، مما يضر بنوعية النوم ويعرّضنا لخطر الإصابة بأمراض القلب وضغط الدم وكذلك الخرف.

ووفق دراسة أجرتها شبكة "BBC"، شملت أكثر من 50 ألف شخص من مختلف أنحاء العالم، تبيّن أنّ 40% من المشاركين الذين تراوحت أعمارهم بين 16 و24 عاما قد عايشوا في الآونة الأخيرة شعورا بالوحدة الشديدة. وهذا يسلّط الضوء على حقيقة أنّ الوحدة لا تقتصر على كبار السنّ فقط، بل أصبحت ظاهرة تؤثر بشدّة على الشباب أيضا.

إذن فالوحدة ليست مجرد شعور عابر، بل هي تجربة مريرة قد تستمر لفترة طويلة، حيث تؤثر على الصحة الجسدية والعاطفية بطرق قد تكون مدمرة. حيث تُشير الدراسات إلى أنّ تأثير الوحدة على الصحة يمكن أن يعادل ضرر تدخين 15 سيجارة يوميا. وفي الحالات الأكثر تطرفا، قد تؤدي الوحدة إلى أفكار انتحارية أو سلوكيات مؤذية للذات.

* نصائح للتعامل مع الشعور بالوحدة:

الوحدة ليست دائما سيّئة.. 

في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقول ثوي نجوين أستاذة علم النفس بجامعة دورهام التي تقوم بأبحاث عن العزلة وتأثيرها، إنّه "لا يمكن أن نقول إنّ العزلة دائما سيئة، لكنّها يمكن أن تكون مفيدة، بعكس الفكرة الشائعة عن أن الوقت الذي تقضيه وحدك هو دائما تجربة سلبية".

إذن، فإنّه على الرغم من أنّ الوحدة تُرتبط غالبا بالمشاعر السلبية، إلا أنها قد تكون مفيدة إذا استُخدمت بطريقة إيجابية. فالوقت الذي يقضيه الإنسان بمفرده يمنحه فرصة للتأمل والتفكير في حياته بعيدا عن الضغوط والتأثيرات الخارجية. كما أنّ العزلة الاختيارية تساعد على ترتيب الأفكار، واتخاذ قرارات أكثر وعيًا دون تشتيت.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تعزز الوحدة الإبداع، حيث يجد الفرد مساحة للتركيز والابتكار. كما أنها توفر فرصة لإعادة شحن الطاقة النفسية والعاطفية، مما يساعد على تخفيف التوتر وتحقيق التوازن الداخلي. المهم هو التفريق بين الوحدة الإيجابية، التي تمنح الشخص راحة واستقلالية، والوحدة السلبية، التي تؤدي إلى الشعور بالعزلة والحرمان العاطفي.

زدّ على ما سبق ذكره، للانعزال الكثير من الثمار التي تجنيها عندما توجّه تركيزك على نفسك فقط لبعض الوقت، وهذه بعضها:

• تعزيز سلامك النفسي: ذكرت دراسة نشرت في سجلات "PsyArXiv" لنشر أبحاث علم النفس، أنّ الانعزال قليلا يحمي من التقلبات العاطفية الحادة، ويساعد على إدارة المشاعر، ويعزز الشعور بالسلام الداخلي.

• تحسين علاقاتك: أخذ قسط من الراحة من التفاعلات الاجتماعية فرصة للاسترخاء وتخفيف التوتر، ويساعدك على إعادة تقييم صداقاتك، وتقدير علاقاتك أكثر بعد قضاء بعض الوقت بمفردك. وأشارت أستاذة علم النفس نجوين إلى أن "الدراسات حول الانعزال قليلا أفادت بأنه لا يضر الحياة الاجتماعية، بل في الواقع قد يحسنها ويثريها؛ وهو ما يجعلنا أكثر استعدادا للتعامل مع الآخرين".

• تخفيف الضغط النفسي: أوصت المعالجة النفسية إميلي روبرتس بأخذ استراحة من التفاعلات الاجتماعية لتخفيف الشعور بالضغط النفسي، حتى للذين يتمتعون بشخصية اجتماعية.

• حماية من الاكتئاب: كتبت المعالجة النفسية إيمي مورين في مقال بموقع "سيكولوجي توداي"  أنّ "العزلة تحسن من قدراتنا العقلية، وأشارت العديد من الدراسات إلى ارتباط القدرة على قضاء الوقت مع النفس بزيادة السعادة والرضا عن الحياة والقدرة على إدارة الضغوط، والحماية من الاكتئاب".

ماذا عن الفراغ.. كيف يُؤثّر عليكَ؟

لنتّفق في البداية على أنّه ليس هناك أسهل من الفراغ للقضاء على إنسان. والفراغ ليس فقط فراغ الوقت، بل يمكن أن يكون فراغ العقل من الأفكار أو فراغ الحياة من التجارب.. يشمل أيضا الفراغ العاطفي الذي يُؤثّر بدوره، بشكل عميق على نفسية الفرد، حيث يُعتبر من العوامل المسببة للعديد من الاضطرابات النفسية والسلوكية.

فعندما يشعر الشخص بالفراغ العاطفي، يمكن أن يظهر تأثيره في عدة جوانب من حياته اليومية، سواء على مستوى المزاج أو التفكير، أو العلاقات الاجتماعية. إليك كيف يؤثر الفراغ العاطفي على نفسيتك:

• زيادة مشاعر الوحدة والعزلة والاكتئاب والقلق

• ضعف تقدير الذات وفقدان الثقة بالنفس، والشعور بعدم القدرة على بناء علاقات.

• التأثير على العلاقات الاجتماعية وصعوبة في التواصل العاطفي أو بناء علاقات صحية واللجوء إلى العزلة الاجتماعية أو الإنجذاب إلى علاقات غير صحية.

• التصرفات المدمرة أو الهروب وسلوكيات مدمرة مثل الانغماس في العادات السيئة (الإفراط في تناول الطعام أو المواد المخدرة).

• تدهور الصحة الجسدية: اضطرابات في النوم، وفقدان الطاقة، أو مشاكل هضمية بسبب التوتر والقلق المستمر.

العائلة والفراغ العاطفي.. أيّ علاقة؟

تلعب العائلة دورا كبيرا في شعور الفرد بالفراغ العاطفي، إذ تعتبر من أولى وأهم مصادر الدعم العاطفي. فعندما تفتقر العلاقة مع أفراد العائلة إلى التواصل العميق أو الدعم العاطفي المستمر، قد يشعر الشخص بالوحدة حتّى وإن كان محاطا بمن يُحب. وإذا كانت العلاقات العائلية مشحونة بالتوترات أو غير صحية، يصبح من الصعب على الفرد إيجاد الراحة والطمأنينة وسط أفراد أسرته، مما يزيد من شعوره بالفراغ. 

ويُصبح الشخص عرضة للشعور بالفراغ عندما ينعدم الاتّصال العاطفي مع الأسرة. خاصّة وأنّ التربية في مجتمعاتنا العربية غالبا ما ترتكز على توفير الاحتياجات المادية فقط، دون أن تولي الاهتمام الكافي للحنان والمشاعر العاطفية. والكثير من الأهل يكونون مشغولين بالالتزامات المادية ويغيبون عن تلك الاحتياجات العاطفية لأبنائهم، مما يؤدي إلى عدم فهمهم لتجاربهم الحياتية ومعاناتهم. وتتحول العلاقة بينهم إلى علاقة واجب فقط، تقتصر على الأوامر والطاعة دون وجود تواصل عاطفي يغذي الروح.

كما أنّ التوقّعات العالية التي قد يضعها أفراد العائلة على الشخص قد تُشعره بعدم الكفاية العاطفية، خاصة عندما يعجز عن تلبية هذه التوقّعات. إلى جانب ذلك، في غياب البيئة العائلية الداعمة لنمو الفرد العاطفي والاجتماعي، قد يواجه الشخص صعوبة في التعبير عن مشاعره أو بناء علاقات عاطفية قوية، مما يعمق هذا الشعور بالفراغ. 

هل أنت وحيد في عيد الحب..؟

احتفي بنفسك.. اجعل عيد الحب مناسبة للاحتفال بذاتك، وليس سببا للضغط أو الشعور بالوحدة.. اجعل عيد الحب فرصة لإعادة توازنك العاطفي وحوّله إلى فرصة لتقدير ذاتك وبداية لتغيير إيجابي. وإياك ومقارنة نفسك بالآخرين.. اجعل عيد الحب يوما للاحتفال بذاتك، لأنك تستحق ذلك تماما.

عامل نفسك بالحب والاحترام، وسوف تجد أناسا يبدون لك حبَّا واحتراماً
روندا بايرن - كتاب السِّر

لذا تذكّر أنّ حب نفسك هو أساس كلّ شيء، وأنّه في كلّ لحظة من الوحدة هناك فرصة لتطويرك الشخصي، لتُحقّق ما ترغب فيه في حياتك، وتكتشف شغفك وأهدافك. بعيدا عن الارتباطات، يمكن أن يكون هذا الوقت فرصة لتمتلئ بالسلام الداخلي وتجد توازنًا يعينك على المضي قدما.. لذلك حتّى لو كنت وحيدا في عيد الحب.. نفسك أولى بالحب !

نعم نفسك أولى بالحب، فهي أساس قوتك وراحتك. في عالم مليء بالضغوط، قد ننسى أحيانا أنّ أول شخص يجب أن نمنحه الحب والتقدير هو أنفسنا.. عندما تتعلّم أن تحترم نفسك وتعتني بها، ستشعر بسلام داخلي يمنحك القدرة على مواجهة تحديات الحياة بثقة أكبر. حبك لنفسك هو الدرع الذي يحميك من تأثيرات العوامل الخارجية، ويعزز من قيمتك الذاتية، ليجعلك أكثر قدرة على العطاء للآخرين. لذا، تذكّر دائما أن حبك لنفسك ليس أنانية، بل هو خطوة أولى نحو حياة مليئة بالتوازن الداخلي والإيجابية.. 

أنتم الحب لكلّ عيد..

* أمل مناعي