languageFrançais

في رمشة عين تمضي بنا الأيام والسنوات.. لماذا؟

في رمشة عين تمضي بنا الأيام والسنوات.. لماذا؟

قالوا في السابق، ''حين تتعطل الساعة لا يتوقّف الوقت، فقط تجهله أنت!'' وقالوا أيضا ''ستتفاجأ أنك وصلت للنهاية وأنت تشعر أنك لم تبدأ بعد!'.. ونتساءل اليوم لماذا تجري بنا الأيام بأقصى عداد سرعتها، لماذا تتكرّر وتتشابه وتطوي بعضها البعض؟ وكأن الساعات صارت دقائق والأعوام تحوّلت لأشهر.

'"الجمعة لف لف''، ''الأيام طايرة والعام دخل خرج''، ''14 سنة مرت على الثورة؟''.. عبارات باتت تتداولها الألسن، وكأن ساعات اليوم قلّت، وشمس يوم جديد تشرق وتغيب دون أن نشعر. أحيانا كثيرة نتساءل هل للسنّ علاقة بهذا الشعور، وهل إدراكنا للوقت مرتبط فعلا بالساعة؟

 

 

الوقت.. ماهو؟

الوقت هو مقدار محدود من الزمن، وفي معتقدات أخرى هو الحد الواقع بين أمرين أحدهما معلوم سابق، والآخر معلوم به لاحق. 

الوقت لدى الفلاسفة هو مصطلح يعبّر عن الفترة الزمنيّة القابلة للقياس، إضافة لكونه يعبّر عن سلسلة متّصلة من الأبعاد الزمانيّة، والتي لاعلاقة لها بالأبعاد المكانيّة.

علميا، الوقت هو مقياس لتطوّر الأحداث، بدءا من الماضي، ومرورا بالحاضر نحو المستقبل، وبالترتيب بشكل متتابع بصورة دائمة ونظام ثابت وباتجاه واحد، لا نقدر على لمسه، تذوّقه، أو حتى رؤيته، إلا أنه شيء لا يمكن انكاره وقابل للقياس.

لا أحد بمقدوره إرجاع الوقت، وعقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، ومن هنا يستمد الوقت أهميّته، وهو ما يطلق عليه ''سهم الزمن'' .

سهم الوقت، هو مفهوم يُشير إلى الاتجاه الأحادي وعدم التناظر للزمن. طُوِّر هذا المفهوم عام 1927 على يد عالم الفيزياء الفلكية البريطاني آرثر إدنجتون.

هل كنت تعلم من قبل أنّ الأمر الوحيد العادل في هذه الحياة هو الوقت! فكّر فيها جيدا وستعي أنّ هذه حقيقة، كل من على الأرض يمتلكون 24 ساعة فقط في اليوم، فلا فرق بين امرأة ورجل، كبير وصغير، فقير وغني، كُلّ يملؤها بما يريد ويستغلها كما يشاء.

 

 

الوقت ليس الساعة

إحدى الدراسات التي أجراها باحثون من جامعة نيفادا الأمريكية، ونُشرت في مجلة "كرنت بيولوجي"، تفيد بأنّ إدراكنا للوقت يتأثر بتجاربنا، وليس بالساعة، وجيمس هايمان، أستاذ مشارك في علم النفس بالجامعة المذكورة، وأحد مؤلفي الدراسة يكشف بدوره، أنّ "أدمغتنا تدرك الوقت من خلال الأشياء التي نقوم بها والأحداث التي تحدث لنا، فعندما نشعر بالملل وعدم النشاط، يتأخر الوقت، ولكن عندما نكون مشغولين، يمر الوقت بسرعة لأنّ كل حدث يدفع أدمغتنا إلى الأمام''.

علماء آخرون في جامعة ليفربول يرون من خلال أبحاثهم أن إحساسنا بمدى سرعة مرور الوقت ناجم جزئيا عن التغيرات في أجسامنا، حيث توصلوا إلى أن ارتفاع نشاط "الجهاز العصبي الودي" SNS، أي زيادة معدل ضربات القلب وزيادة توصيل الكهرباء، كان له تأثير ضئيل ولكن مهم على الشعور بمرور الوقت بسرعة أكبر، بحسب ما نشرته "ديلي ميل" البريطانية نقلاً عن Nature: Scientific Reports.

 

 

لماذا نشعر بأن الوقت يمر بسرعة؟

''لم يمر الصيف بسرعة كبيرة، حتى لو كان هذا هو شعورك، فالوقت ثابت، لكن علاقتنا به هي التي تتطور، وفقا للسياق الذي نجد أنفسنا فيه"، تقول الاختصاصية في علم النفس العصبي ماري سيباغ التي شحرت هذه ظاهرة في مقال نشر في الصحيفة الفرنسية 'لوفيغارو'.

وأوضحت الاخصائية أن "هذا الشعور بأن الوقت يتسارع مع مرور السنين مرتبط بحقيقة أننا نعيش بشكل تلقائي وروتيني، وضمن سياقات مألوفة لنا حيث يقوم الدماغ بتنشيط الشبكات التي يعرفها، والتي تتطلب طاقة أقل، كما تشارك مناطق معينة من الدماغ في إدراكنا للوقت، لكننا نهتم بشكل أقل بحساب الزمن عندما يكون الفعل مألوفا وعاديا، وهذا هو السبب الذي يجعل الأشخاص الذين لديهم حياة يومية متكررة يشعرون بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة من دون رؤية الأيام تمضي بالفعل".

هذه النظرية تحدث عنها الشاعر والكاتب المسرحي الاتقليزي وليام شكسبير الذي قال الكثير في الوقت، ولعل أشهر أقواله "المرح والعمل يجعلان الساعات تبدو قصيرة".

الوقت حقيقة ثابتة، فالدقيقة هي نفسها للكبير أو الصغير، ما يختلف هو إحساسنا بها، من هذا المفهوم بحثت فيه صحيفة فيلت الألمانية، في كتاب "صنع الوقت" للمؤلف البريطاني ستيف تايلور. بحث هذا الكتاب في سر تسارع أو تباطؤ الزمن لدى الناس، ولماذا يملك الناس تصورات مختلفة عن الوقت، وكيف يؤثر ذلك على احساسهم المختلف بالوقت. ويقول إن العام بالنسبة الأطفال، يبدو أبديا طويلا، في حين يشكل العام ذاته لمحة سريعة للشيوخ.

 

 

الوقت من الجانب العلمي

من الجانب العلمي، ركزت دراسة الباحيثن من جامعة نيفادا الأمريكية، والتي كنّا قد أشرنا إليها أعلاه، على القشرة الحزامية الأمامية (ACC)، وهي منطقة دماغية مهمة لرصد الأنشطة، ليتبيّن أن التجارب وليس الفواصل الزمنية، هي التي تقود التغييرات في أنماط نشاط الدماغ، ويشير هذا إلى أن أدمغتنا تعمل كعداد للأحداث أكثر من كونها ضابطة للوقت بشكل دقيق.

وربطت ماري سيباغ (أنظر أعلاه) الزمن بالحالة الذهنية والأنشطة والفعاليات التي نقوم بها، فعند الشعور بالراحة، تستخدم موارد طاقة أقل وعندما تقوم بنشاط تستمتع به، تبدو لك اللحظة تمر بسرعة أكبر.

في الإجازة، أو العطلة هل تشعر بأن الوقت مرّ سريعا جدا؟ في المقابل عندما كنت تنتظر هذه الإجازة كنت تشعر بأن الزمن لا يتحرّك! صحيح، فالعقل البشري يدرك بالفعل أن الوقت يمر بشكل أسرع أثناء أنشطة معينة، وأحداث إيجابية والعكس بالعكس.

بحثت البروفيسورة سيلين مالكوك، المؤلفة المشاركة الدراسة ذاتها، في كيفية إدراك الناس للوقت، فوجدت أنّ من ينتظر حدثا سعيدا سيفرحه فإنه يستعجل الزمن الذي يبدو بطيئا جدا، ولكن حين يأتي هذا الوقت فعلا، ويبدأ يشعر أن زمن أصبح سمر بسرعة رهيبة لتأتي الخلاصة بأنّ الوقت في الأحداث السعيدة يمر بسرعة أكثر  من الزمن في الأحداث غير السعيدة".

النتائج ذاتها خلصت إليها دراسة لباحثين برتغاليين، لمجلة ساينس العلمية، حول الأسس العصبية الحيوية للتصور الشخصي عن سرعة مرور الزمن أو بطئه، ونشرت هذه الدراسة في مجلة ساينس العلمية، ووجدوا أن التصور الشخصي للوقت يعتمد على نشاط الخلايا العصبية التي تنتج الناقل العصبي - الدوبامين.

مادة الدوبامين العنصر الكيميائي الأكثر تأثيرا على الإحساس بالسعادة، ويؤثر الدوبامين على مجموعة من الخلايا العصبية توجد في وسط الدماغ وتسمّى المادة السوداء. وينطلق الدوبامين من هذه الخلايا إلى المناطق الأخرى في الدماغ، أي أن نشاط المادة السوداء هو العنصر الرئيسي في عملية معالجة الزمن.

وتؤثر الخلايا العصبية المعروفة باسم المادة السوداء على عدة أنشطة مثل الزمن والإدمان والحركة.

وأظهرت هذه الأبحاث أنّه كلما زاد إنتاج الدوبامين في خلايا المادة السوداء تزايدت الإشارات التي يرسلها الدوبامين، ويؤدي ذلك إلى قلة الفواصل الزمنية بين إشارات الأعصاب، ما يفسر إحساسنا بمرور الوقت بسرعة. كما أن العكس صحيح إذ أن انخفاض نشاط الخلايا العصبية يؤدي إلى إحساسنا بمرور الوقت ببطء.

 

 

الوقت كنز إن ضيعته ضعت

وكما بدأنا مقالنا بما قاله القدماء سنختمه بأقوال الحكماء..''للوقت لصين إثنين وهما المماطلة، والتأجيل'' وقالوا أيضا الوقت هو عملة حياتك، وهو العملة الوحيدة لديك، وأنت الوحيد الذي يمكن أن تحدد كيف سيتم صرفها'' .

بعيد عن كل ما سبق وعن كيفية شعورك بمرو الوقت، الأهم هو كيف تديره وتستفيد منه، فتنظيم وقتك وإدارته مهم جدا في الحياة الشخصيّة والمهنيّة، وأهمية وقت العمل أو الدراسة وتخقيق الذات من أهمية وقت العائلة والأحبة والاستمتاع والاعتناء بنفسك وممارسة هواياتك..'فالبارحة ذكرى اليوم، والغد حلمه' يقول جبران خليل جبران.
 

*أميرة عكرمي

-تم استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج الصور-

الكلمات المفاتيح :الوقتالساعاتسنواتالأيام