السجائر الإلكترونية بالسوائل.. بديل للإقلاع عن التدخين أم إدمان؟
مع تصاعد المخاوف لدى المدخنين من الإصابة بأمراض مختلفة بسبب التدخين التقليدي، زاد الحديث عن السجائر الإلكترونية، منذ سنة 2003، بعد أن اخترع الصيني هون ليك، ما بات يُعتقد أنه "بديلا آمنا" للتدخين. ومع تزايد استهلاك هذه الآلات، برزت أسئلة أخرى: فهل هي أداة للتخلص من التدخين أم هي إدمان من نوع آخر بأضرار مختلفة؟
ما الفرق بين السجائر الإلكترونية والسجائر التقليدية؟
تختلف السجائر الإلكترونية عن السجائر التقليدية في مكامن عديدة أهمها المكونات وطريقة العمل، إضافة إلى التأثير الصحي، حسب ما ذهبت لذلك عدد من الدراسات العلمية في العالم.
وتتكون السجائر التقليدية من التبغ الذي يُحرق لإنتاج دخان يحتوي على مادة النيكوتين(مركب كيميائي طبيعي موجود في نبتة التبغ، ويعتبر مادة منبهة تفرز الدوبامين مما يسبب الشعور بالراحة والمتعة، ويؤثر على ضغط الدم والقلب، عند استخدامه بدرجات كبيرة)، إضافة إلى القطران وأول أكسيد الكربون.

واعتمد هذا النوع من السجائر، الذي برز منذ القرن التاسع عشر، على الاحتراق الذي يؤدي إلى إطلاق أكثر من 7000 مادة كيميائية، عدد منها خطير ومسرطن، مما يتسبب في الإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب والشرايين وأمراض الجهاز التنفسي وغيرها، حسب جلّ الدراسات العلمية المجراة.
أما السجائر الإلكترونية، فمن المتوقع أن يبلغ عدد مستهلكيها نحو 100 مليون شخص في العالم، سنة 2025، فتتكون من سائل إلكتروني يحتوي بطريقة اختيارية من المستهلك مادة النيكوتين (المستخلص من نبات التبغ ويضاف بنسب متفاوتة حسب رغبة المستعمل)، فضلا عن مادة البروبيلين غليكول، وهو مركب كيميائي، ينتمي إلى الكحوليات عديم اللون والرائحة ويستخدم لنقل النيكوتين والنكهة في السجائر الإلكترونية ويعتبر آمنا، نوعا، وفق مصادر علمية عامة. كما يحتوي السائل الإلكتروني على الجليسيرين (سائل لزج، لا لون ولا رائحة له، بمذاق حلو، ويعتبر في العادة آمنا عند الاستخدام بطريقة معتدلة، حسب مصادر علمية عامة). كما يحتوي السائل الإلكتروني على النكهات التي يختارها المستهلك، وهي مستخرجة من مواد طبيعية أو كيميائية مختلفة.
آراء متضاربة...
تعمل السجائر الإلكترونية باستخدام بطارية تسخّن السائل الإلكتروني، دون احتراق، مما يساهم في غياب المواد السامة الناتجة عن الاحتراق مثل أول أكسيد الكربون أو القطران، وأثبتت نتائج دراسة تحلل مستويات المواد الخطرة والمسببة للسرطان في الجسم "أن استخدام السجائر الإلكترونية أكثر أمانا وأقل سمية بكثير من تدخين سجائر التبغ العادية"، وفق ما نشرته رويترز سنة 2017.
كما ذكرت دراسة لوكالة تابعة لوزارة الصحة البريطانية، سنة 2015، أن "السجائر الإلكترونية تعبر أقل ضررا من التبغ بنسبة 95%، وينبغي الترويج لها كأداة تساعد المدخنين على الإقلاع عن التدخين".
وذهبت الدكتورة سارة إيلاهي، طبيبة الصحة العمومية والمتحصلة على الماجستير في الإقلاع عن التدخين، إلى عكس ذلك تماما، معتبرة أن "السجائر الإلكترونية لا تعتبر بديلا آمنا للتدخين التقليدي، بل هي إدمان من نوع آخر ".
ويحتوي السائل الإلكتروني الخاص بالسجائر الإلكترونية على "مواد كيميائية مجهولة المصدر وغير معلومة المكونات، في أغلب الأحوال، وهو ما يفتح باباً آخر من المخاطر التي قد تلاحق المستهلك، حسب المختصة في الإقلاع عن التدخين".

فيما يعتبر إلغاء عامل التدخين السلبي، التي تضاهي مخاطره التدخين الإيجابي، النقطة الوحيدة الصحية في اللجوء إلى السجائر الإلكترونية، وفق الدكتورة إيلاهي.
من جهتها، عبرت منظمة الصحة العالمية، سنة 2024، عن قلقها "إزاء السماح بطرح السجائر الإلكترونية التي تحتوي عادة موادا مضافة ومنكهات وموادا كيميائية يمكن أن تضر بصحة الناس، في الأسواق، وتسويقها لاستهداف الشباب والأطفال، لافتة إلى استهداف السجائر الإلكترونية للأطفال من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والجهات المؤثرة، عبر عدد كبير من النكهات الجذابة، وبشتى الطرق، مشددة على أن "زيادة استهلاك السجائر الإلكترونية بين الشباب والأطفال مثيرة للتخوفات".
الأسعار عامل شجع المدخنين التقليديين على اللجوء إلى السجائر الإلكترونية
ويروّج في الأسواق في تونس نوعان من السجائر الإلكترونية: ذات الاستعمال الوحيد التي تحتوي سائلا إلكترونيا بنكهات مختلفة، وبنسبة نيكوتين اختيارية، تقدر سعتها بحوالي 20 ألف سحبة، في العادة، وتباع بسعر يتراوح بين 50 دينارا و70 دينارا، بصفة عامة، إضافة إلى السجائر الإلكترونية القابلة للشحن بالسائل الإلكتروني، وتبلغ تكلفة الآلة، في هذه الحالة، بين 50 دينارا و500 دينارا، وتبقى صالحة لمدة زمنية طويلة.

فيما يباع السائل الإلكتروني، الخاص بالسجائر الإلكترونية القابلة للشحن، بنكهات مختلفة، وبمعدلات نيكوتين اختيارية، بسعر يتراوح بين 10 و20 دينارا، لعلبة بسعة 30 مليلتر، تقريبا، وهي كمية كافية للاستهلاك لمدة تتراوح بين 3 أيام وأسبوع واحد.
وتعتبر هذه الأسعار عنصرا مشجعا للمدخنين الذين انتقلوا من السجائر التقليدية إلى السجائر الإلكترونية، خصوصا مع اضطراب توزيع السجائر وانتشار السوق السوداء التي أدت إلى ارتفاع مشط في أسعار السجائر التي تُفقد من الأسواق، بين الفترة والأخرى، حسب عدد من الشهادات.
حداثة صدور هذه المنتوجات عامل جعل تأثيراتها طويلة المدى جدليا
وفي كل الأحوال، فإن حداثة صدور منتوجات السجائر الإلكترونية، جعل كلّ الدراسات العلمية غير قادرة على تحديد تأثيراتها طويلة المدى على صحة الإنسان. ولم تجزم، أيضا، بصفة قطعية، في إمكانية أن تكون بديلا حقيقيا للتدخين التقليدي، رغم الجدل القائم حول ما إن كانت أقل مخاطر من التبغ العادي أو أنها تحمل نفس الأضرار أو مخاطر خفية أخرى غير معلومة.
برهان اليحياوي