languageFrançais

ضعف الذاكرة في سنّ مبكّر.. كيف ولماذا؟

ضعف الذاكرة في سنّ مبكّر.. كيف ولماذا؟

أين وضعت حاملة مفاتيحي؟ هل كان موعدنا اليوم؟ أين ركنت السيارة؟.. هذه حالنا كلّ يوم!، أسئلة نطرحها يوميا ونحن ندور حول أنفسنا، وما أكثرها.. كل ذلك يتلخّص في مفهوم وحيد وهو  ''ضعف الذاكرة''.

المعاناة من النسيان المتكرر، قد تكون أمرا طبيعيا، ولكن ماذا إذا بلغ بك الأمر حدّ التساؤل عن أسباب فتحك للثلاجة مثلا! هل هو مؤشر خطير؟  قبل الإجابة عن هذا السؤال، والخوض في التفاصيل، من المهم تعريف مفهوم ''ضعف الذاكرة'' أولاّ ودراسة أسبابه!

ضعف الذاكرة أو النسيان.. ماهو؟

النسيان هو فقدان المعلومات التي كانت مخزنة مسبقا في الذاكرة قصيرة المدى أو طويلة المدى أو تغييرها، ويمكن أن يحدث فجأة أو تدريجيا مع فقدان الذكريات القديمة.  هو الدخول في حالة من الفقدان الظاهري أو تحوير للمعلومات المخزنة في الذاكرة المديدة عند محاولة استرجاعها.

قد يسبب النسيان بعض المشكلات في الحياة اليومية، وكلما ازداد الإنسان تقدّما في العمر زاد نسيانه، حيث تكثر حينها مشاكل الذاكرة والتعلم، وتضعف القدرة على الاحتفاظ بالمعلومات الجديدة المكتسبة.

يرتبط أداء الذاكرة عادة بمراحل ثلاث وهي: التشفير، التخزين، والاسترجاع

تشفير المعلومات وإعطاء الوقت اللازم لتخزين المعلومات من الأمور المهمة في القدرة على الاسترجاع الجيد---.

 

 

بالأرقام.. ماذا تقول الدراسات

انتشار ضعف الذاكرة: وفقا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، يعاني ما بين 5 و8% من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما من شكل من أشكال ضعف الإدراك المعتدل (Mild Cognitive Impairment - MCI)، والذي قد يتطور إلى الخرف في بعض الحالات.

وتشير الدراسات إلى أن ما بين 10 و15% من الأشخاص الذين يعانون من ضعف الإدراك المعتدل يتطور لديهم مرض الزهايمر سنويا.

ضعف الذاكرة لدى الشباب: أظهرت دراسة نُشرت في مجلة PLOS ONE عام 2019 أن 14% من الشباب بين 18 و39 عاما، يعانون من مشاكل في الذاكرة، وخاصة في تذكر الأسماء أو الأحداث الأخيرة. ويرتبط  ذلك لدى الشباب غالبا بعوامل مثل التوتر، قلة النوم، والإفراط في استخدام التكنولوجيا.

وفقًا لدراسة أجرتها الجمعية الأمريكية للنوم ''National Sleep Foundation''، فإن 35% من البالغين يعانون من الأرق أو صعوبة النوم، مما يؤثر سلبا على ذاكرتهم، فيما أظهرت دراسة نُشرت في مجلة ''Nature Communications'' أن الحرمان من النوم لمدة 24 ساعة يقلل من قدرة الذاكرة بنسبة 40%.

 

 

ضعف الذاكرة والأمراض المزمنة: تشير الأبحاث إلى أن 50% من مرضى السكري يعانون من مشاكل في الذاكرة بسبب تأثيرات المرض على الأوعية الدموية في الدماغ.

ودراسة أخرى أجرتها جامعة هارفارد وجدت أن 30% من الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم المزمن يعانون من ضعف في الذاكرة.

ضعف الذاكرة والاكتئاب: وفقا لدراسة نُشرت في مجلة ''JAMA Psychiatry''، فإن 65% من الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الشديد يعانون أيضا من ضعف في الذاكرة.

الاكتئاب يمكن أن يقلل من حجم منطقة الحُصين (Hippocampus) في الدماغ، وهي المنطقة المسؤولة عن تكوين الذكريات الجديدة.

الاكتئاب هو اضطراب مزاجي يسبب شعورا دائما بالحزن وفقدان الاهتمام، ويمكن أن يؤدي إلى مجموعة متنوعة من المشاكل العاطفية والجسدية.

ضعف الذاكرة والتقدم في العمر: تشير الأرقام إلى أن 40% من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما يعانون من بعض أشكال ضعف الذاكرة. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يرتفع عدد المصابين بالخرف إلى 152 مليون شخص عالميا، وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية.

التأثير الاقتصادي لضعف الذاكرة: تكلفة علاج الأمراض المرتبطة بضعف الذاكرة (مثل الخرف) تُقدر بحوالي 1 تريليون دولار سنويا على مستوى العالم، وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية عام 2021.

 

 

النسيان في سن مبكرة.. كيف ولماذا؟

عادة يزداد النسيان مع التقدم في العمر، لكنه يمكن أن يحدث عند أي عمر، وذلك للأسباب عديدة، سنحاول تقديم نبذة منها في هذا المقال التفسيري:  

الكحول: يتسبب الإفراط في شرب الكحول بمجموعة من المشكلات الصحية، ومن ضمن هذه المشكلات النسيان، ومن الممكن لحالة النسيان هنا أن تكون وقتية ريثما يتلاشى تأثير الكحول أو أن تستمر حتى بعد زوال تأثيره.

بعض الحالات النفسية: قد يصاب الشخص الذي يعاني من الاكتئاب أو المصاب بالتوتر والقلق بضعف الذاكرة، فهذه الحالات النفسية يمكن تؤثر على الانتباه  وتمنع تكوين ذكريات جديدة أو استعادة الذكريات القديمة، فأي حالة نفسية أخرى (ثنائي القطب، الانفصام...) تجعل التركيز وحفظ المعلومات والمهارات الجديدة أمرا صعبا وبالتالي المعاناة من مشاكل في الذاكرة.

الاضطراب ثنائي القطب، هو اضطراب نفسي يسبّب نوبات من الاكتئاب ونوبات أخرى من الابتهاج غير الطبيعي ويعرف أيضا بالاكتئاب الهوسي، وهي حالةٌ صحية عقلية تُسبب تقلبات مزاجية.

 

 

اضطرابات النوم المختلفة: معاناة الشخص من مشكلات في النوم سواء كانت مشكلات مرضية أو أمور عابرة، على غرار عدم القدرة على الحصول على قسط كافي من النوم قد يتسبب في مشكلات في الذاكرة، ويُعد أحد أسباب النسيان الكثير المحتملة.

بعض الأدوية: تؤثر المهدئات ومضادات الاكتئاب وبعض أدوية ضغط الدم والأدوية الأخرى على الذاكرة، لأنها قد تتسبب في التخدير أو الارتباك، أو قلة الانتباه.

خمول الغدة الدرقية: يمكن أن يؤثر خمول الغدة الدرقية على الذاكرة، بالإضافة إلى تسببها في اضطراب النوم والاكتئاب.

أمراض وعوامل أخرى: قد تتسبّب الأمور الآتية في مشكلات في الذاكرة وهي: نقص فيتامين ''ب''  
التخدير من عملية جراحية خضع لها الشخص مؤخرا، الخضوع لعملية جراحية تتعلق بنقي العظم، تشنجات ونوبات بسبب مرض معين، أورام في الدماغ أو نقص الأكسجين في الدماغ، تعرض الشخص لصدمة في الرأس، وإصابة ''بالشقيقة''.

أمراض الجهاز العصبي: التصلب اللويحي، ومرض باركنسون، والخرف، والزهايمر، انخفاض سكر الدم، فرط كالسيوم الدم، التهاب الدماغ، والورم العصبي الليفي.

أشكال النسيان

للنسيان أشكال ثلاثة وهي سرعة الزوال، شرود الذهن وحجب الذاكرة.

سرعة الزوال: يميل الدماغ إلى نسيان الحقائق والأحداث مع الوقت، من الممكن جدا أن يتم نسيان معلومة جديدة بعد فترة قصيرة من تعلمها، أو رقم هاتف تم تكراره مرة واحدة ليعطي الدماغ مجالا لاستقبال وتخزين معلومات جديدة، وهنا الدماغ يتبع قاعدة "استخدمه أو تخلص منه".

شرود الذهن: نوع من النسيان يحدث عند عدم التركيز والانتباه بالقدر الكافي عند إجراء أمر معين أو استقبال معلومة معينة، على غرار عدم تذكر مكان هاتفك أو مفاتيحك في الوقت الذي كان في ذهنك منشغلا بأمر آخر.

حجب الذاكرة: تحدث عندما يريد الشخص قول معلومة معينة ولكن لا يستطيع استرجاعها في تلك اللحظة كما لو أنها تقف على طرف لسانه لكنّه لا يستطيع قولها. يحدث ذلك بسبب وجود تشابه أو رابط معين بين معلومات مختلفة تم تخزينها، وهي تحدث مع تقدم العمر، فعلى سبيل المثال قد يخلط الشخص بين أسماء أبنائه عند مناداتهم.

 

 

ضعف الذاكرة.. نصائح

أظهرت دراسة في مجلة ''Neurology'' أن ممارسة التمارين الرياضية بانتظام يمكن أن تقلل من خطر ضعف الذاكرة بنسبة 30%.

كما يمثل اتباع نظام غذائي صحي وسيلة لمجابهة ضعف الذاكرة، ويمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالخرف بنسبة 35%، وفقا لدراسة نُشرت في مجلة ''Alzheimer's & Dementia''.

تحافظ الأنشطة التي تشغل عقلك على صحة عقلك! وبالتالي تقليل فقدان الذاكرة إلى حدّ ما ولذا حاول حل الكلمات المتقاطعة، القراءة، المشاركة في الألعاب، أو تجربة هواية جديدة.

كما يساعد التفاعل الاجتماعي على منع الاكتئاب والتوتربسبب دورهما المهم في ضعف الذاكرة، كما سبوق وذكرنا في أول المقال، ولذا من الضروري البحث عن فرص للاجتماع مع الأحباء والأصدقاء وغيرهم، خاصة إذا كنت تعيش بمفردك.

من المرجح غالبا أن تنسى أغراضك إذا كان منزلك فوضويا أو كانت مذكّراتك مبعثرة، ولذا دوّن المهام والمواعيد والأحداث الأخرى في دفتر مذكرات أو مفكرة أو برنامج تخطيط إلكتروني خاص.

إذا كنت تريد التقليل من ضعف الذاكرة، والتركيز على معلومات تحاول الاحتفاظ بها، حاول إذا أن لا تُنفّذ أكثر من مهمة في وقت واحد.

يرتبط فقدان الذاكرة، كما سبق وذكرنا أعلاه، بعدم الحصول على قسط كاف من النوم، وكذلك النوم المضطرب أو المتقطع. لذا ينبغي أن تجعل الحصول على قسط كاف من النوم من أولوياتك، حيث يحتاج معظم البالغين إلى النوم من 7 إلى 9 ساعات كل ليلة بشكل منتظم.

 

 

متى أزور الطبيب؟

قد يكون ضعف الذاكرة أمرا عاديا، لكنه قد يكون أيضا مؤشرا لمشكلة صحية عندما يصبح تأثيره واضحا على الوظائف والأنشطة المعتادة في الحياة اليومية.

عند نسيان الأشياء التي تعلمتها للتو، وعندما تجد نفسك في حاجة إلى كتابة الملاحظات لتتذكر المهام البسيطة، أو إذا أضعت الأماكن وطريق بيتك؟ فعندها تصبح مراجعة الطبيب ضرورة .

*أميرة عكرمي