languageFrançais

'الكوكايين الرقمي'.. هكذا تؤثّر الفيديوهات القصيرة على نفسيتك ودماغك

'الكوكايين الرقمي'.. هكذا تؤثّر الفيديوهات القصيرة على نفسيتك ودماغك

العشرات إذا لم نقل المئات من الفيديوهات القصيرة التي تمر أمام أعيننا يوميا عبر منصات التواصل الاجتماعي، تجذبك دون أن تشعر، محتوايتها الجذابة وسهلة الاستهلاك، صمّمت خصيصا لهذا الغرض.

الأطفال والمراهقون هم الجمهور المستهدف من هذه الفيديوهات التي تنتشر بشكل واسع في تيك توك، فايسبوك وأنستغرام وغيرها من المنصات.

تعريف الفيديو القصير

هو فيديو تتراوح مدته بين 15 إلى 60 ثانية، وهو مصمم ليكون سريع  الإيقاع ومليء بالعناصر البصرية والصوتية الجذابة، تصل اليك بسهولة وتجذبك دون أن تشعر فتجد نفسك تتنقل من فيديو إلى آخر. محتوياتها متنوعة بين الكوميديا، التحديات، الرقص والوصفات، وحتى التنمية البشرية!

البداية.. سعادة ورضا

ما يجعل هذه الفيديوهات مغرية بشكل خاص هو تصميمها لتحفيز نظام المكافأة في الدماغ، عندما يشاهد الشخص فيديو ممتعا، يفرز الدماغ الدوبامين، وهو المادة الكيميائية المرتبطة بالشعور بالسعادة والرضا، هذا يخلق دورة من التكرار والرغبة في مشاهدة المزيد، وفق ما نقله موقع 'بشائر'.

تمر من فيديو إلى آخر دون كلل أو ملل، تمر الدقائق ثم الساعات وانت في نفس الوضعية دون تحرك.

النهاية.. إدمان يحتاج إلى علاج

'الكوكايين الرقمي'، هكذا يسمي دكتور علم النفس في جامعة اليرموك فراس الخالدي، هذه الفيديوهات، لأنها تدفع الإنسان إلى الإدمان عليها وقضاء ساعات طويلة في مشاهدتها، فهي تعمل على إطلاق هرمون الدوبامين في الدماغ وهو المعروف بهرمون السعادة فيشعر الشخص بالسعادة المؤقتة وعندما يتوقف عن مشاهدة هذه المقاطع ويعود لحياته الواقعية فإنه يشعر بالاكتئاب والقلق، مما يدفعه للعودة لمشاهدة هذه المقاطع القصيرة للتخلص من هذه المشاعر السلبية وهكذا ليتحول إلى شخص مدمن.

هذا الإدمان يصبح له تأثير سلبي على حياة الشخص مع الوقت، لأنه يجعله يعتاد ما يسمى بـ''الإشباع الفوري''!

الإشباع الفوري: (Instant Gratification ) هو الحاجة إلى إشباع الرغبة على الفور دون النظر إلى الآثار والعواقب في تجربة المتعة أو الإشباع دون تأخير.

كل ما سبق يساهم بشكل غير مباشر في تغير سلوك الإنسان دون أن ينتبه لذلك ويتوقف عن بذل الجهد واهتمام بالموضوعات التي تمنحه الإشباع طويل المدى، لرغباته مهما كانت ضرورية ومهمة في حياته، لأنه اعتاد على الإشباع السريع وبأقل جهد عقلي ممكن ليصبح شخصا كسولا ولا يطيق صبرا في أنشطته الحياتية المختلفة، وهذا ينعكس سلبا على قدرته الإنتاجية في المجال الأكاديمي والعملي، يقول الدكتور فراس  الخالدي.

وبيّن الدكتور أن إدمان المقاطع القصيرة يؤثر على الذاكرة، بسبب الانتقال السريع من فيديو لآخر، فيتعرض الدماغ لحجم كبير من المثيرات الحسية في وقت قصير جدا، ومع مرور الوقت تنخفض قدرة الإنسان على التركيز، فيصبح المرء عاجزا عن متابعة المقاطع الطويلة ليشعر بالملل نتيجة لتعوده على الإشباع الفوري، وهذا ينعكس على حياته الشخصية، فلا يستطيع قراءة كتاب أو إنجاز الواجبات البيتية ولا حتى الدخول في نقاش يطول حتى لو كان النقاش ضروريا أو مع أشخاص مهمين في حياته كأفراد أسرته مثلا، ما يؤثر سلبا على اتخاذ القرارات في حياته وعلى علاقاته الاجتماعية مع مرور الوقت.

ومن جهة أخرى، فإن مشاهدة هذه المقاطع لفترات طويلة تجعل الإنسان قليل الصبر وشديد الانفعال وينقص اهتمامه بما يدور حوله من أحداث وفعاليات اجتماعية، ونظرا لأن أدمغتنا تعالج المشاهد المصورة والمتحركة بشكل أسرع من النصوص المكتوبة فإن هذه الفيديوهات تتفوق على المعلومات النصية وهذا ينعكس سلبا على عادات القراءة لدينا ويؤثر على الطلاقة اللغوية وقدرتنا على التعبير.

'استمتاع افتراضي'.. ينتهي بالعزلة

أظهرت دراسات للكلية الملكية للأطباء النفسيين، أنّنا نتحقّق من هواتفنا الذكية في المتوسط بين 85 و101 مرة على مدار اليوم، كما وجد الباحثون العاملون على هذه الدراسة أن هناك ارتباطا بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة وبين حالات إيذاء النفس والانتحار.

هذه الأبحاث أثبتت، دون ترك مجال للشك، أن وسائل التواصل الاجتماعي أحد مصادر الضرر الكبير، ولا يوجد شخص مستثنى من هذه المخاطر، لانك غير واعي ولا تدرك ما يحدث داخل دماغك عندما نقضي ساعات طويلة يوميا تمر من مقطع قصير إلى آخر بلا تفكير ولا هدف.

ويحذر علماء الأعصاب من أن المشاهدة المفرطة، تؤثر على سلوك البشر وتدفعهم للاكتئاب والعزلة، والاستمتاع الافتراضي بعيدا عن الحياة، وهو استمتاع مؤقت يؤجج مشاعر العزلة فيما بعد.


تأثير خطير للفيديوهات القصيرة

تقليل مدى الانتباه والتركيز: أظهرت الأبحاث أن الاستهلاك المفرط للمحتوى السريع يؤثر على قدرة الدماغ على التركيز لفترات طويلة، الأطفال الذين يعتادون على الفيديوهات القصيرة قد يجدون صعوبة في متابعة المهام التي تتطلّب التركيز العميق، مثل الدراسة أو القراءة.

زيادة القلق والتوتر: التمرير المستمر بين الفيديوهات يمكن أن يؤدي إلى حالة تُعرف باسم الإرهاق الرقمي، قد يشعر الأطفال بالضغط لمواكبة المحتوى الجديد أو المشاركة في تحديات مشهورة، مما يزيد من مشاعر القلق والتوتر.

هروب من العالم الواقعي: بسبب صراعات ومشاكل العالم الحقيقي في أذهاننا، توفر لنا المقاطع القصيرة هروبا سريعا من العالم الواقعي، وتعزز شعور الرضا، حيث لا أحد يتحدث عن المشكلات الحياتية، ويبدو الجميع سعداء ومنسجمين.

المقارنة الاجتماعية: تتّسم الفيديوهات القصيرة غالباً بعرض نماذج مثالية من الحياة أو الإنجازات، هذا قد يؤدي إلى المقارنة الاجتماعية، حيث يشعر الشخص بأنه أقل قيمة مقارنة بما يشاهده.

اضطرابات النوم: الاستخدام المفرط للشاشات، خاصة قبل النوم، يسبّب اضطرابات في النوم نتيجة التعرّض للإضاءة الزرقاء وتأثيرها على مستويات الميلاتونين، علاوة على ذلك، يمكن أن يبقى الدماغ في حالة نشاط مفرط بسبب تدفق المحتوى السريع.

الرغبة المستمرة في المشاهدة: تجعلك هذه الفيديوهات نفسك غير قادر على التوقف عن المشاهدة. وكلما زادت فترات مشاهدتنا للمقاطع القصيرة، تعمل خوارزميات المواقع على زيادة عرضها على المستخدمين، وبالتالي جذب انتباهنا بطريقة أكبر لتلك المقاطع.

فقدان السيطرة: قضاء ساعات طويلة أمام الشاشة رغم الوعي بالآثار السلبية، يجعلك تشعر بفقدان السيطرة على كل شيء في حياتك.

تأثير سلبي على الأنشطة اليومية: تجاهل الدراسة، قراءة الكتب، اللعب، أو التفاعل الاجتماعي، كلها نتيجة إدمان هذه الفيديوهات القصيرة.

الهاتف الذكي.. عدو الطفولة

رغم التحذيرات المتواصلة للدراسات والخبراء وأطباء النفس ودعواتهم التي لا تتوقف إلى ضرورة ابعاد الأطفال والمراهقين على الهواتف الذكية وعلى منصات التواصل الاجتماعي ما يزال بعض الأباء والأمهات يتجاهلون كل هذه الدعوات ويمكنون أطفالهم من هذه التكنولوجيا لا لشيء إلاّ من أجل إلهائهم لقضاء شؤونهم، غير عابئين بكل هذه المخاطر.

نعم! لا يمكنك ان تتخيّل أنّ كل ذلك تتسبّب فيها هذه الفيديوهات القصيرة التي تمر أمام اعيننا يوميا في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها حقيقة أثبتتها الدراسات والخبراء، فطفلك الصغير أو ابنك المراهق قد يكون عرضة لكل هذه التأثيرات بمجرد حملة لهاتف ذكي متصّل بالانترنات.

الفيديوهات القصيرة تساهم في عدم اكتمال تطور أدمغة الأطفال التي ماتزال في طور النمو، ما يجعلهم أكثر تأثرا بالدوبامين الناتج عن مشاهدة الفيديوهات. كما تساهم في ضعف مهارات التنظيم الذاتي، فلا يستطيع الأطفال بسهولة وضع حدود لأنفسهم فيما يتعلق بمدة المشاهدة.

الضغوط الاجتماعية، من بين تأثيرات هذه الفيديوهات على الأطفال، حيث تنمي الرغبة في محاكاة الأصدقاء والمشاركة في المحتوى المشهور.

هكذا نحد من التأثير السلبي والإدمان على ''الكوكايين الرقمي'' للأطفال

الحد من تأثير هذه الفيديوهات على الصحة النفسية والعقلية بصفة خاصة وتأثير منصات التواصل بصفة عامة فيما يتعلق بالأطفال، يتطلب من جميع المتدخلين (آباء، المدارس، ومجتمع) التكاتف لوضع ضوابط وتشجيع الأطفال على استخدام التكنولوجيا، بشكل صحي وبتوجيه صحيح، من أجل الاستفادة منها دون أن تتحول إلى مصدر ضرر أو إدمان.

تحديد مدة زمنية للمشاهدة، ضرورة غير قابلة للنقاش، لابد من جعل قيود على مدة استخدام التطبيقات يومياً، مثل استخدام خاصية التحكّم الأبوي الموجودة في الأجهزة، مع تعزيز ممارسة الانشطة البديلة على غرار تشجيع الأطفال على ممارسة الرياضة، الفنون، أو القراءة يمكن أن يساعد في تقليل الاعتماد على الفيديوهات القصيرة.

الحوار.. لا شيء يعيق اجراءك لحوار صريح مع طفلك حول الآثار السلبية للمشاهدة المفرطة لمنصات التواصل، مع ضرورة تحكمك كولي في المحتوى،  مراقبته أو إعداد قوائم تشغيل مخصصة يضمن أن المحتوى الذي يشاهده الأطفال يكون تعليمياً ومناسباً لأعمارهم.

الاستخدام المعتدل لمنصات التواصل

في إطار إعداد هذا المقال بحثنا كثيرا على أرقام، حول التأثير السلبي للفيديوهات القصيرة على الصحة النفسية، لكن لا توجد أرقام رسمية محددة وشاملة حول هذا الموضوع، لكن الدراسات والأبحاث متعددة وتجمع على أن الاستخدام المفرط للمنصات بشكل عام سواء تعلق الأمر بالفيديوهات القصيرة أو غيرها، قد يكون له آثار سلبية على الصحة العقلية، خاصة لدى الشباب والمراهقين.

هذا لا يعني أنّه ليس لهذه المنصات تأثيرات إيجابية، شرط استخدامها بشكل معتدل، طبعا مثل توفير محتوى تعليمي أو ترفيهي مفيد.

سنختم مقالنا بشهادة مؤسس شركة مايكروسفت الملياردير الأمريكي ، خلال حوار مع "بي بي سي"، نشر أمس الثلاثاء 4 فيفري 2025، والذي أكّد فيه تقييده لاستعمال أطفاله للأجهزة الرقمية حتى بلغوهم سن الـ15 سنة.

ويرى بيل غيتس أن الأطفال اليوم يفقدون ميزة رئيسية كانت لديه وهي عدم تمتعهم بالحرية ووقت الفراغ لاستكشاف العالم من حولهم، وقراءة الكتب، والتفكير العميق بعيدا عن الإلهاءات الحديثة مثل الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي

ومن "طفولة قائمة على اللعب" إلى طفولة "معتمدة على الهاتف" فرق شاسع!

*أميرة عكرمي