الذكرى 64 للإستقلال… سنتحرّر من الكورونا كما تحرّرنا من الإستعمار
يحيي التونسيون والتونسيات الجمعة 20 مارس 2020 الذكرى الرابعة والستين للإستقلال في ظروف إستثنائية، لم تشهد لها الإنسانية شبيهًا منذ قرن، بعد انتشار فيروس كورونا المستجِدّ الذي رمى بظلاله على العالم بأسره... عزل دُولاً وأودى بحياة الآلاف وتمكّن من التسلّل إلى تونس.
أبرزُ الأنشطة المبرمجة لهذا اليوم إشراف رئيس الجمهورية قيس سعيّد على إجتماع مجلس الأمن القومي بقصر قرطاج بحضور رئيسي مجلس نواب الشعب والحكومة في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا، للنظر في الإجراءات الواجب اتخاذها إثر تقييم القرارات والإجراءات المعلنة في الفترة الأخيرة لمقاومة انتشار فيروس كورونا.
الاحتفالات بهذه الذكرى ستقتصر على فعاليات بروتوكولية لن تتعدى ، في ماهو معلن، عن تنظيم مواكب لعزف النشيد الوطني ورفع الراية الوطنية ...
هذه الجائحة المهدّدة لأمننا القومي لن تنسينا اليوم عيدا وطنيا خلّد أحد المراحل الهامة في بناء تونس الحديثة بعد عقود عديدة من الإستعمار الفرنسي الذي انتصب بالبلاد بمقتضى معاهدة باردو التي تم توقيعها في الـ 12 ماي 1881.
وقد خاض التونسييون منذ الإستعمار نضالات ضحّوا من خلالها بالغالي والنفيس من أجل الدفاع عن الوطن لتُتوج تلك النضالات، بين عمل مسلح ومفاوضات، بالإستقلال في 20 مارس من سنة 1956.
مرحلة بناء الدولة الحديثة
الإستقلال كان ثمرة ً لنضالات أجيال من سياسيين ومفكرين ونقابيين ومقاومين بالسلاح على مدى 75 سنة. وإذا كان إمضاء وثيقة الإستقلال على يد الراحل الطاهر بن عمّار ، فإنّ الذاكرة الوطنية حافلة برجال ونساء ساهموا في تحقيق المُراد.
ومن تلك اللحظة التي نحيي ذكراها ، انطلق مسار النهوض بتونس الجديدة وبناء الدولة الحديثة وتركيز مؤسساتها.
وأُعلن بعد أيام من الإستقلال عن تكوين المجلس القومي التأسيسي الذي ترأّسه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة قبل أن يخلفه الراحل جلولي فارس . وأوكلت إلى المجلس القومي التأسيسي مهمّة كتابة دستور للبلاد.
في الـ 25 من جويلية 1957 أعلن المجلس القومي التأسيسي عن إلغاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري، وبعد سنتين تم ختم أوّل دستور لتونس المستقلة في 1 جوان 1959 وتنظيم اوّل انتخابات رئاسية وتشريعية في نوفمبر من العام نفسه وانتخب الحبيب بورقيبة أوّل رئيس للجمهورية الناشئة.
نجاحات... وانتكاسات
وخلال السنوات الأولى من الإستقلال تمّ تأسيس أهم المؤسسات الوطنية ووضع البلاد على سكة الإصلاح وبناء الإقتصاد الوطني وقدم تم ايلاء الصحة والتعليم أهمية قصوى مما ساهم في النهوض بالبلاد ونموّها.
ومرّت البلاد منذ اعلان الإستقلال بعدّة مراحل هامة من تاريخها الحديث وشهدت عدّة نجاحات ولكن شهدت أيضا نكسات اجتماعية واقتصادية وسياسية عرفت خلالها تونس بعض الإنتفاضات التي تمّ قمعها بالقوّة.
وسيطر الحزب الحر الدستوري الجديد (الذي سمي بعد ذلك الحزب الاشتراكي الدستوري ثم التجمع الديمقراطي الدستوري) على الحياة السياسية، وأعلن بورقيبة نفسه رئيسا للبلاد مدى الحياة بمقتضى تعديل دستوري. كما سيطرت الدولة على الإعلام رغم ما عرفته البلاد من تعدّدية وانفتاح اعلامي في فترات معيّنة من تاريخها.
انقلاب 7 نوفمبر 1987
في السابع من نوفمبر من سنة 1987 قاد الوزير الأوّل أنذاك زين العابدين بن علي انقلابا على بورقيبة وأعلن نفسه رئيسا للبلاد ليظل في منصبه طيلة 23 سنة انتهت بالإطاحة بنظامه بعد ثورة الـ 14 من جانفي 2011.
ثورة 14 جانفي وانطلاق مسار الإنتقال الديمقراطي
بعد الثورة انخرطت تونس في مسار الإنتقال الديمقراطي تمّ خلاله ختم ثاني دستور للبلاد بعد الإستقلال في جانفي 2014، كما شهدت البلاد لاوّل مرة في تاريخها انتخابات حرة وشفافة وديمقراطية (انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 2011 والإنتخابات التشريعية والرئاسية في 2014 ، فالإنتخابات البلدية لسنة 2018، والإنتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019).
ولم تخلُ مرحلة الإنتقال الديمقراطي المتواصلة منذ تسع سنوات من أزمات اجتماعية وسياسية واقتصادية، حيث تواجه البلاد عدّة تحدّيات لعلّ أهمّها التحديين الأمني والإقتصادي، ولا يقل السلم الإجتماعي أهمية من بين التحديات التي تخوضها حكومات ما بعد الثورة في ظلّ تجاذبات سياسية وتعقيدات الوضع الحالي على مختلف الأصعدة.