مسار الإستقلال وتصفية الاستعمار: ''ذوو الحكمة'' في مواجهة المشككين
غزا الشيب قاعة ''محمود المسعدي'' بعد أن غصّ المكان بهامات المؤرخين والدكاترة الذين قدموا من مختلف الجامعات التونسية وتراصوّا تحت سقف كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس اليوم الخميس، ''دفاعا على تاريخ تونس المعاصرة وتصديا لمحاولات التشكيك والتزوير'' حسب عميد الكلية جميل شاكر.
أساتذة محاضرون ودكاترة وباحثون في التاريخ قدموا من مختلف الكليات والجامعات، وأداروا الجلسات العلمية التي أثثت الندوة الممتدة طيلة ساعات اليوم. ومن بين مدوّني التاريخ الذين أبوا إلا أن يواكبوا هذا اللقاء العلمي الذي رجوا أن يتحول إلى تقليد أكاديمي يعمّم في مختلف الجامعات التونسية، من فعل به الزمان فعله ''ووهن العظم منه واشتعل رأسه شيبا''، فهوى مغميا عليه خلال الجلسة العلمية، فنُقل على جناح السرعة إلى المستشفى.. ولئن شهد الجمع حضورا لعدد من الطلبة والباحثين الشبان، إلا أن المشيخة إفتكوا أغلب المقاعد الأمامية، كأنما بنوا بأجسادهم ''حصنا فكريا" و''خط ممانعة'' ضد كل يد عابثة تحاول خطّ تاريخ غير علمي.
''إنها أكذوبة القرن'' بحسب المؤرخ الهادي التيمومي، في وصفه للقائلين بأن "وثيقة الاستقلال الحقيقية لم تنشر وأن تونس لم تحرز إستقلالها الكامل''، مذكرا في كلمته بأن ''بين المؤرخ والسياسي معركة تاريخية.. إذ أن السياسي همّه الدفاع عن عرشه ومصالحه وتوظيف التاريخ لذلك" وتابع قائلا "السياسي لا يكتب التاريخ، لكنه قد يُكتِّب ''كلاب الحراسة'' الموجودين في كل زمان لهذه المهمة'' وفق تعبيره.
وعبّر التيمومي عن أسفه لما اعتبره "جرّا للمؤرخين إلى ترهات لا معنى لها، عوض أن ينكبوا على مناقشة قضايا حقيقية تحتاجها البلاد''. وإعتبر المؤرخ أن ''دعوة بعض الجماعات إلى إعادة كتابة تاريخ الحركة الوطنية واستقلال تونس ليست ذات معنى.. نحن المؤرخون وأهل الإختصاص كتبناه بما أملته علينا ضمائرنا، ونعيد كتابته دائما دون تذكير منكم''. وإتهم التيمومي ''هذه المجموعات'' التي استدعت الماضي ''قصد تصفية بعض الحسابات وإثارة النعرات'' بأنها تسعى إلى تمزيق ''الكيان التونسي الذي أستشهد الآلاف من أجل رص صفوفه". وقال ''الرئيس الحبيب بورقيبة كانت له إنجازات عظيمة وأخطاء عظيمة''.
مصطفى الفيلالي، منصور معلى، إدريس قيقة، فؤاد المبزع، الطاهر بلخوجة، الصادق العبيدي.. وغيرهم من رجالات السياسة والتاريخ، ومن الشاهدين على العصر، كانوا في الصفوف الأولى في هذه الندوة التي يبدو أن منظميها أعلنوا النفير للدفاع عن ما اعتبره التيمومي ''حقيقة مطلقة لا يرقى إليها الشك ولا تحتمل النقاش.. وهي أن تونس حققت استقلالها الكامل''.
وإتفق جلّ المتدخلين، على أن الندوة تتناول هذا الملف تناولا علميا ''رصينا'' بعيدا عن كل توظيف سياسي، خلافا لجماعة أخرى من المؤرخين ''غير المختصين والذين لهم مآرب أخرى غير كتابة تاريخ صحيح للبلاد" وفق الهادي التيمومي. وقد طرحت الندوة جملة من التساؤلات التاريخية حول مسار تصفية الإستعمار بتونس بداية من 1954، مستبطنة قضية تعامل الدولة المنبثقة عن الاستقلال مع مخلفات الاستعمار والارث الاستعماري بأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية.
المؤرخ الجامعي خالد عبيد، جاء الندوة متأبطا وثائق وصفها "بالسرية" " تدحض ما إدعته هيئة الحقيقة والكرامة ومن معها، ''وتثبت الدور الذي قام به زعماء البلاد لانتزاع الاستقلال". وقال في تصريحه لموزاييك "أملك ما يثبت أنهم لم يفرطوا في كرامة التونسيين في شيء، وهي وثائق رسمية استخرجت من صلب الوزارات الفرنسية''.
عمل صحفي: أمل الهذيلي
تصوير ومونتاج: أشواق الماجري