languageFrançais

أزمة اتحاد الشغل.. إلى أين؟

أزمة اتحاد الشغل.. إلى أين؟

عبّر الأعضاء الخمسة المعارضين للمكتب التنفيذي الحالي للاتحاد العام التونسي للشغل في ندوة صحفية تم عقدها، أول أمس الثلاثاء 21 جانفي 2025، عن تمسكهم باستكمال أشغال المجلس الوطني والتعجيل بإجراء المؤتمر الوطني للمنظمة.
 

وأكد الأمين العام المساعد باتحاد الشغل أنور قدور  في تصريح لموزاييك، أن هذه المجموعة (الأعضاء الخمسة) متمسكة بمواصلة أشغال المجلس الوطني التي ظلت مفتوحة، والنظر في النقطة المتعلقة بإمكانية تقديم المؤتمر الوطني المبرمج تنظيمه في 2027، أو عقد مؤتمر استثنائي.

تأتي الندوة الصحفية إثر معطيات جديدة عمقت أزمة الاتحاد وفتحت الباب واسعا لنقاشات حول مستقبل الاتحاد في ظل هذه الصراعات، وهو تسريب مكالمة هاتفية للأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، وصف فيها بعض نقابيي الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس بـ''المافيا''. تسريب وصفه أمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل صلاح الدين السالمي، في تصريح لموزاييك، بـ''الفضيحة التي لم يسبق لها الحدوث في تاريخ الإتحاد''، مطالبا الطبوبي بـ''الاستقالة''.

 

ولم يتجاوز المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس عن هذه "الزلة" في بيان اصدره أمس الأربعاء، حيث ندد بما ورد في المكالمة المسرّبة، معتبرا أنها خلفت فتنة داخل هياكل المنظمة وأثارت احتقانا وتوترا كبيرا لدى كل النقابيين وضربت مبدأ الوحدة النقابية، محملين الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي ما آل إليه الوضع النقابي من تأزم وخطورة، مطالبين إياه بتوضيح ما صدر عنه وبالاعتذار رسميا لقيادات الاتحاد الجهوي.

 

مقر الاتحاد الجهوي بصفاقس

 

أزمة الاتحاد.. متى بدأت؟ كيف بدأت؟ وماهي أسبابها؟

في آخر شهر سبتمبر من السنة الفارطة، برزت ''جبهة معارضة'' صلب المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل تضم 5 أعضاء، وهم أنور قدور ومنعم عميرة وعثمان الجلولي وصلاح الدين السالمي والطاهر المزّي، معلنة عن نيتها الدخول في اعتصام مفتوح بمقر المنظمة الشغيلة احتجاجا على ''الوضع داخل الاتحاد''.

ثلاثة أعضاء من 'الجبهة المعارضة'
 

النقطة 12 تفجّر الوضع..

بدأ الخلاف بين الطبوبي وهذه المجموعة خلال جلسة اليوم الأخير لاجتماع المجلس الوطني التي انعقدت في شهر سبتمبر 2024  في مدينة المنستير، بعد إسقاط النقطة 12 من اللائحة العامة والتي تتضمّن عقد مؤتمر استثنائي في الثلاثي الأول من السنة الحالية (2025)، مطلب تمسّك به الأعضاء الخمسة المعارضين وجهة صفاقس.

وسط أجواء مشحونة ومتوترة انتهت الجلسة التي سجّلت انسحاب عدد من الاتحادات الجهوية والقطاعات وأعضاء المكتب التنفيذي الخمسة، بعد أن تمسّك الطبوبي و9 أعضاء من المكتب التنفيذي، الذي يتكون من 15 عضوا، بإسقاط هذه النقطة، ما يعني عقد المؤتمر في موعده في سنة 2027.

 

أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل

وساطة.. تنتهي بالفشل

أزمة دفعت بعض قدماء ومناضلي المنظّمة وحكمائها ومن الهياكل النقابية إلى التدخّل لحلحلتها، إيمانا منهم بمبدأ الحوار وحلّ الخلافات داخل الأطر النقابية وتمسّكا بوحدة المنظمة وثوابتها الوطنية الراسخة، وكان من بين هؤلاء الوسطاء الأمين العام السابق للاتّحاد حسين العباسي والأمين العام المساعد السابق المولدي الجندوبي.

بعد محاولات متكررة ومساعي تمكن الوسطاء من اقناع الأعضاء الخمسة المعارضين تعليق الدخول في اعتصام مفتوح وتأجيل الندوة الصحفية التي كان من المبرمج تنظيمها حينها في 25 ديسمبر 2024 إلى 8 جانفي 2025.

الأمين العام السابق للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي

الأزمة تعود من جديد..

رغم نجاحها في إقناع المعارضين بتهدئة الأوضاع حينها وتعليق الاعتصام، فشلت جهود الوساطة في تقريب وجهات النظر، حيث تمسّك الأعضاء الخمسة المعارضين بمطالبهم، مجدّدين الدعوة إلى تقديم موعد المؤتمر أو عقد مؤتمر استثنائي. في الأثناء وبعد غياب طويل عن الساحة خرج الطبوبي الى وسائل الاعلام، بمناسبة احياء الذكرى 79 لتأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل في 18 جانفي 2025 تحت شعار " المفاوضة الجماعية استحقاق وطني ليقر الطبوبي في خطابه بالمناسبة، بوجود ما وصفها بـ''إشكاليات داخلية'' صلب الاتحاد وهي نابعة من احترام الاختلاف، لكن على الأقلية أن تحترم رأي الأغلبية"، وفق تعبيره. كما وجّه رسالة لمن "يروّجون فكرة شمال وجنوب"، مفادها أنه "لا تقسيم في الاتحاد، والحركة العمالية ستبقى موحدة رغم كل الصعوبات".

في هذا الخطاب الذي حمل لهجة تصعيدية، عاد الطبوبي بالحديث عن المفاوضات الاجتماعية مذكرا بالدور الاجتماعي للاتحاد، والذي لم ولن يتخلى عنه يوما، حسب تصريحه، منتقدا السياسات المتبعة من السلطة ومتهما الحكومة بـ''المماطلة'' وطالب باستئناف المفاوضات الاجتماعية للزيادة في الأجور في القطاعين العام والخاص.

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي

سحب البساط

انغماس الاتحاد في مشاكله وصراعاته الداخلية طيلة الفترة الماضية، وابتعاده عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية، منح الفرصة للسلطة لتعزيز مقومات الدولة الاجتماعية، عبر اتخاذ جملة من الإجراءات، حيث تم في شهر جويلية 2024، الترفيع في الأجر الأدنى الأساسي المضمون في مرحلته الأولى على أن يتم إلحاق الزيادة الثانية بداية من الشهر الجاري (الترفيع بنسبة 7.5 بالمائة في الأجر الأدنى المضمون بمختلف مكوّناته بداية من شهر جانفي 2025 لتبلغ الزيادة بذلك في مرحلتيها 14.5 بالمائة).

إجراءات أخرى اتخذتها الدولة لتعزيز دورها الاجتماعي وتتمثل في الترفيع في الأجر الأدنى الفلاحي المضمون والزيادة في جرايات المتقاعدين وأصحاب الجرايات الضعيفة، إضافة عن الاجراء الذي حظي باهتمام أغلب الأجراء في قانون مالية 2025 والمتعلق بمراجعة السلم الضريبي، إجراء أكّدت السلطة بأنّه يتنزل في إطار تحسين المقدرة الشرائية للمواطن.

محاولة السلطة ترسيخ مفهوم الدولة الاجتماعية الراعية لكل الفئات، ربما دفع الاتحاد إلى الاعتقاد بأنها تحاول سحب البساط من تحته ومسك ملفات كانت بأيدي نقابيين.

عريضة أعضاء المجلس الوطني؟

هذه الأزمة الداخلية الحادة التي أربكت أهم وأعرق منظمة نقابية وخفضت صوتها المدافع عن مصالح العمال، وفي ظل المطالبة برحيل مكتبها التنفيذي الحالي، اعتبر نقابيون سابقون  أنّ الأزمة الداخلية للاتحاد تحولت إلى ازمة مركزية، حيث عبرت بعض الاتحادات الجهوية عن رغبتها في قطع علاقتها مع المكتب التنفيذي وأقدم حوالي 314 عضوا من المجلس الوطني، يمثلون 53% من الأعضاء، على توقيع عريضة يطالبون فيها باستكمال أشغال المجلس الوطني الذي انعقد في سبتمبر 2024، والمطالبة على نقطة 12 محل الخلاف.

الحوار.. حلّ الخروج من الأزمة

بعد فشل محاولات الوساطة، يرى بعض النقابيين أنّ المخرج الوحيد من الأزمة التي يمر بها الاتحاد لاستعادة دوره الوطني والاجتماعي هو التعجيل بعقد المؤتمر في أقرب الآجال وجلوس كل الفرقاء على طاولة الحوار للاتفاق حول إصلاح المنظمة الشغيلة نقابيا وهيكليا.

*أميرة عكرمي