هجرة الكفاءات التونسية إلى الخارج.. بين دعم الاقتصاد ومخاوف الاستنزاف
تشير الأرقام الرسمية للدولة التونسية إلى أنّ أعداد الكفاءات التونسية التي تغادر البلاد من أجل العمل في الخارج أخذت منحاً تصاعديا منذ سنة 2020، مما ساهم إيجابيا في دعم الاقتصاد التونسي وتحقيق التوازنات المالية الكبرى للدولة، حيث بلغ مجموع تحويلات التونسيين بالخارج خلال سنة 2024، ما قيمته 8128 مليون ديناراً، لكن في المقابل يُحذر ممثلوا بعض القطاعات وأساسا الصحة والمهندسين من تبعات تواصل هجرة الكفاءات التونسية إلى الخارج.
دعم الاقتصاد
واعتبر الخبير الاقتصادي محسن حسن، في تصريح لموزاييك اليوم الخميس 8 جانفي 2025، أن ارتفاع قيمة تحويلات التونسيين بالخارج لسنة 2024 مقارنة بالسنة السابقة بما قيمته 471.5 مليون دينارا، ساهم في تحقيق التوازنات المالية الكبرى للدولة، مشيرا إلى أن أسباب ارتفاع قيمة التحويلات هي استقرار قيمة صرف سعر الدينار وارتفاع نسبة الفائدة المديرية.
كما بين أن ارتفاع قيمة تحويلات التونسيين بالخارج تعود بالمنفعة على الاقتصاد الوطني من خلال تدعيم الاستهلاك الأسري، وارتفاع رصيد تونس من العملة الصعبة وتقلص العجز الجاري والمساهمة في التزامات الدولة وخاصة خدمة الدين العام، لافتا في هذا الصدد إلى أن تحويلات التونسيين بالخارج خلال سنة 2024 ساهمت في سداد ثلث خدمة الدين العام.
ودعا الخبير الاقتصادي محسن حسن، الحكومة التونسية إلى مزيد تيسير تحويلات التونسيين بالخارج، مقترحا في هذا الصدد تكفل الدولة ولو جزئيا بمعاليم تحويلاتهم، والتخفيض في العمولة البنكية المقتطعة ودعم البنك التونسي المنتصب في أوروبا من أجل تمكينه من فتح فروع في كل البلدان الأوروبية، وتيسير فتح حسابات بالعملة الصعبة.
ارتفاع أعداد التونسيين بالخارج
وفق آخر نشرية للوكالة التونسية للتعاون الفني فإنّو عدد التوانسة الذين تم انتدابهم من أجل العمل في الخارج عن طريق الوكالة بداية من شهر جانفي من السنة الحالية وإلى حدود شهر نوفمبر الفارط بلغ 3430 منتدبا مقابل 4179 منتدبا خلال الفترة نفسها من سنة 2023.
وأخذ انتداب الكفاءات التونسيين بالخارج خلال السنوات الفارطة، منحاً تصاعدياً، حيث كان عددهم سنة 2020، في حدود شهر نوفمبر 1445منتدبا، وفي سنة 2021 ارتفع إلى 2248 منتدبا، وتواصل النسق التصاعدي لعدد التوانسة المغادرين من أجل العمل في الخارج حيث بلغ خلال سنة 2022، 3281 ثم في سنة 2023 وصل العدد إلى 4179 منتدبا إلا أنه سنة 2024 تقلّص ل3430 منتدبا بالخارج عن طريق الوكالة.
ورغم الانخفاض المسجل مقارنة بالسنة الفارطة، إلا أن الوكالة التونسية للتعاون الفني أكدت في وثيقة إحصائية أنّ انتداب الكفاءات التونسية للعمل بالخارج يواصل المنحى التصاعدي خاصّة إثر جائحة كوفيد 19، ويناهز العدد الإجمالي للتونسيين المقيمين بالخارج حوالي المليونين، وفق بيانات ديوان التونسيين بالخارج.
ماهي القطاعات الأكثر تصديرا للكفاءات التونسية إلى الخارج؟
على غرار السنوات السابقة، فإنّ نشرية الوكالة التونسية للتعاون الفني بينت أنه خلال ال11 شهر الأولى من سنة 2024 بقي قطاع الصحة في صدارة قائمة الانتدابات بـ1249 إطار طبي وشبه طبي، أيّ ما يعادل 36 بالمائة من مجموع الانتدابات، يليه قطاع التعليم بـ821 منتدب، ثم في المرتبة الثالثة نجد مجال الإدارة بـ315 منتدبا، يليه قطاع السياحة والخدمات بـ215 منتدبا، ثم النقل بـ119 منتدبا، والإعلامية والاتصال بـ 115 منتدبا، وقطاع التجارة بـ69 منتدب بالخارج ، فيما يتوزع ال67 منتدبا المتبقين على ميادين مختلفة.
وبلغ العدد الجملي للمتعاونين والخبراء الملحقين لدى الوكالة التونسية للتعاون الفني، إلى غاية 31 نوفمبر الماضي، 26.551 متعاون، من بينهم 56% في البلدان العربية و29% في أوروبا و12% في كندا.
ماهي البلدان التي تنتدب الكفاءات التونسية؟
وفق وكالة التعاون الفني، فقد تصدّرت ألمانيا وكندا قائمة البلدان المستقطبة للكفاءات التونسية خلال ال11 شهرا مالسنة الحالية حيث تم انتداب 671 تونسيا في ألمانيا، و613 تونسيا بكندا، تليهما سلطنة عمان بـ411 منتدبا ثم فرنسا بـ360 منتدبا والسعودية بـ357 منتدبا.
وبشأن نشاط الوكالة التونسية للتعاون الفني المتعلق بالتعاون الثلاثي والتعاون جنوب جنوب، فقد تمّ إلى غاية 31 نوفمبر الماضي إرسال 21 خبيرا تونسيا للأردن وغينيا، أساسا في ميادين التعاون والنهوض بالصادرات.
كما تمّ تنفيذ زيارات دراسية ودورات تدريبية وورشات عمل لفائدة 143 إطارا من البلدان الإفريقية والعربية، وتمكّنوا خلالها من تبادل تجاربهم وتطوير مهاراتهم بالاعتماد على التجربة التونسية في مجالات تنموية مختلفة وذات أولوية.
ضرورة التعامل بحذر مع مغادرة الكفاءات التونسية إلى خارج؟
لكن في المقابل، نبّه عدد من ممثلي القطاعات التي تشهد تواصل ارتفاع أعداد هجرة الكفاءات التونسية إلى الخارج، إلى ضرورة التعامل بحذر مع طلبات الانتداب كي لا يقع استنزاف رصيد تونس من الكفاءات ورأس مالها البشري.
وأشارت عمادة المهندسين التونسيين في هذا السياق، إلى مغادرة حوالي 6500 مهندسا سنويا إلى الخارج بعد اكتساب التجربة وإتقان المهنة، خاصة أن الدولة التونسية تنفق حوالي 650 مليون دينار من أجل تكوينهم، "لكن في الأخير تستفيد من كفاءاتهم اقتصاديات دول أخرى".
وفي نفس الإطار، كانت نقابة الأطباء قد نبهت بدورها، في أكثر من مناسبة إلى تزايد أعداد الاطباء المختصين الذين يغادرون البلاد سنويا، ووفق نقابة الأطباء الاستشفائيين الجامعيين فإن عدد المغادرين خلال السنوات الأخيرة كان في حدود الألف طبيب، وحذر كاتب عام النقابة سامي بن رحومة، في تصريح سابق من خطورة تواصل هجرة الأطباء على نفس الوتيرة مما قد يخلق نقصا كبيرا في عديد الاختصاصات.
والجدير بالذكر أن الساحة الوطنية شهدت جدلا واسعا، بسبب مقترح التعديل الذي تقدم به مجموعة من النواب خلال مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025 والذي يهدف حسب أصحاب المبادرة، الى التصدي لهجرة الكفاءات التونسية عبر إضافة فصل جديد ينص على تسديد جزء من تكاليف التكوين لكل تونسي يهاجر إلى دولة أجنبية بهدف العمل، من خلال دفع حوالي 180 أورو أو دولار على امتداد 5 سنوات، لكن في الأخير تم سحب المقترح.
خليل عماري