تحديات التغيرات المناخية.. التونسيون الأكثر تضررا والأسوأ لم يحدث بعد
ارتفاع درجات الحرارة شتاء ثم انخفاضها مجددا مع الشحّ المائي نتيجة لقلة التساقطات اضافة الى الاحتجاجات في بعض الجهات نتيجة للانقطاعات المتكررة والمتواصة لمياه الشرب.. هي أساسا مظاهر من الآثار السلبية لتغير المناخ وتأثيراته المباشرة.
ويُفسر الناشط البيئي حسام حمدي أسباب التغيرات المناخية بانبعاثات الغازات الدفيئة في الجو والتي تؤدي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري وهذه الانبعاثات صادرة من الدول الصناعية والصاعدة على غرار الهند واليابان والصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية التي تتحمل المسؤولية.
وقد ساهمت هذه الانبعاثات في التأثير على المناخ حتى أصبحنا نشهد أشهرا ممتدة من الجفاف وبعض الظواهر المتطرفة مناخيا على غرار الأعاصير والفيضانات.
فيضانات وآعاصير
ويذكر أن تونس شهدت في 2018 فيضانات اكتسحت ولاية نابل وتسببت في العديد من الخسائر المادية التي عمقت معاناة الأهالي وخصوصا الفلاحين .
وتسبب اعصار "دانيال" في مدينة درنة الليبية سنة 2023 في مقتل الآلاف بعد أن غمرت المياه كل أنحاء المدينة. فيما أدى انجراف التربة وانهيار سدين على الأقل إلى تفاقم الوضع الإنساني واختفاء حوالي ربع مساحة هذه المدينة المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
وأكد الناشط البيئي حسام حمدي أن تأثيرات التغيرات المناخية تم توقعها منذ التسعينات في ظل تواصل انبعاث الغازات الدفيئة التي تتسبب فيها أساسا الدول المصنعة إضافة إلى المنوال التنموي المعتمد في تونس والدول المتضررة من هذه التغيرات المناخية.
وتؤدي هذه التغيرات المناخية إلى التأثير على الموارد المائية والتربة وهو سيؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي للتونسيين بدرجة أولى خصوصا في ظل قلة التساقطات المطرية ضمن موجة متواصلة من الجفاف وهذا التحدي لم يتم مجابهته خلال العشرية الأخيرة، وفق تعبيره.

تدفقات هجرية بسبب التغيرات المناخية
كما تسببت التغيرات المناخية في التأثير على ارتفاع التدفقات الهجرية من افريقيا جنوب الصحراء نحو الضفة الشمالية للمتوسط وذلك بعد أن أصبحت بعض المناطق قاحلة وغير قادرة على الإنتاج الأمر الذي يؤدي إلى غياب موارد غذائية وهو ما يدفع بالآلاف إلى مغادرة مناخهم الصحراوي أملا بالظفر بفرص للحياة من خلال موجات هجرية وركوب قوارب الموت عبر البحر بالرغم من خطورة هذه الرحلات وما تُتخلفه من مآسي.

لا يمكن مواصلة العيش بالمنوال نفسه
ولمجابهة هذه التحديات المرتبطة بالتغيرات المناخية، أكد الناشط البيئي حسام حمدي على ضرورة وضع خطة وطنية أو استراتيجية وطنية للتأقلم مع التغيرات المناخية لأن التونسيين من أكثر الشعوب تضررا من التغيرات المناخية "إذ يواجه المتساكنون على السواحل التونسية الممتدة على 1400 كلم مشكلة ارتفاع منسوب مياه البحر الذي سيكون له تأثير كبير على العمران والصيد البحري والتنوع البيولوجي والأمن الغذائي".
هذه التحديات تستدعي تغيير النمط المعماري المعتمد وطريقة استهلاك الطاقة وترشيد استهلاك المياه التي من الممكن أن نصل يوما إلى اعتبارها عملة نادرة، حسب قول الناشط البيئي.
الأسوأ لم يحدث بعد
وشدّد حسام حمدي على أن الأسوأ لم يحدث بعد مشيرا في هذا الصدد إلى تقرير نشره مجموعة من خبراء الأمم المتحدة والذي تحدث عن 5 سيناريوهات مرتبطة بارتفاع درجات الحرارة وهي سيناريوهات مازلنا في بدايتها وهو ما يستدعي التعامل مع هذه المسألة بجدية.
هذه السيناريوهات مرتبطة بمقدار انبعاث الغازات الدفيئة التي يتم انتاجها سنويا من قبل الدول المصنعة والتي تكون ضحاياها الدول النامية على غرار تونس.
ارتباط المناخ بالتنمية
يذكر أن تقرير البنك الدولي حول المناخ والتنمية في تونس الصادر اواخر شهر نوفمبر 2023، قد سلط الضوء على التحديات المناخية الكبيرة التي تواجه البلاد، والتي تشمل قضايا مثل ندرة المياه، وتآكل السواحل، وتصاعد تهديد الفيضانات.
وأوصى التقرير، الذي نشره البنك الدولي، قبيل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين لتغير المناخ، والذي يتسق مع الاستراتيجيات الوطنية التي تستهدف التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون، باتخاذ تدابير فورية للتكيف وإزالة الكربون. ولا تهدف الإجراءات المقترحة إلى التخفيف من تأثير تغير المناخ فحسب، بل تهدف أيضا إلى تحفيز التعافي الاقتصادي وتعزيز فرص العمل.
ومن خلال التركيز على التدخلات السياسية وفرص الاستثمار، سعى تقرير البنك الدولي حول المناخ والتنمية في تونس، إلى الحد من الآثار السلبية لتغير المناخ، على كل من الأفراد والشركات، وتمهيد الطريق لتحقيق تنمية تتسم بالصمود والاستدامة. ودعا إلى اتباع نهج شمولي، من خلال الجمع بين تدابير التكيف والتخفيف، وخاصة في إزالة الكربون من قطاع الطاقة، والذي من شأنه أن يُمكن من تحقيق فوائد كبيرة من خلال زيادة نمو إجمالي الناتج المحلي، والحد من الفقر، وخفض الانبعاثات المرتبطة بالطاقة بشكل كبير.
*كريم وناس