'حلمة ع الهامش'.. صرخة لتغيير السياسات الثقافية ودمقرطة الإبداع
عرض مساء الأربعاء في قاعة الفن الرابع الفيلم الوثائقي "حلمة ع الهامش" للمخرج كريم السواكي، ضمن فعاليات الدورة الخامسة والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية، الفيلم يشارك في المسابقة الوطنية للأفلام الوثائقية الطويلة.
الفيلم من إنتاج شركة Folk Stories Company وشاكر بوعجيلة، يروي قصة بلال علوي، شاب تونسي حوّل شغفه بالثقافة إلى مشروع اجتماعي، قبل أن يصطدم بالواقع القاسي والسياسات الثقافية القائمة.
البداية من الهامش
ينطلق الفيلم من قرية ماجل عباس، حيث بدأ بلال علوي رحلته بمبادرة الثلاجة الثقافية عام 2018، حيث كانت الفكرة بسيطة، لكنها مبتكرة تتمثل في تحويل ثلاجة قديمة إلى مكتبة مجتمعية تتيح للسكان تبادل الكتب بحرية.
والمبادرة مثلت خطوة أولى نحو تحقيق حلم بلال في جعل الثقافة في متناول الجميع، حتى في المناطق الأكثر تهميشًا.
دمقرطة الثقافة
في عام 2019، طور بلال فكرته بإطلاق مشروع "أفروديت"، حمل المشروع اسم آلهة الجمال في الأساطير اليونانية، وارتكز على إنشاء خيام ثقافية متنقلة تقدم ورشًا في المسرح والموسيقى والفنون البصرية للأطفال في القرى والأحياء الفقيرة التي تفتقر إلى البنية التحتية الثقافية.
لكن الفيلم يتجاوز توثيق نجاح المشروع، ليطرح تساؤلات أعمق حول مدى قدرة المبادرات الفردية على سد الفجوات التي خلفتها سياسات ثقافية يرى الفيلم أنها غير عادلة، مركّزة على المناطق الحضرية ومتجاهلة الأطراف.
كورونا والسياسات الثقافية
جاءت أزمة كورونا لتكشف هشاشة المشهد الثقافي في تونس، حيث انهار مشروع "أفروديت" وسط غياب أي دعم حكومي للمبادرات المستقلة.
عبر سرده لرحلة بلال، يُبرز الفيلم كيف أن غياب سياسات ثقافية شاملة وفعالة يعمق التهميش، ويحول دون وصول الثقافة إلى الفئات الأقل حظًا.
ورغم الأزمات، واصل بلال السعي لتحقيق حلمه عبر فكرة *"التوكتوك الثقافي"، مستمرًا في نقل الثقافة إلى قريته وما حولها. لكن الجهود الفردية لم تكن كافية لتعويض غياب رؤية رسمية تدعم "دمقرطة الثقافة".
نقد السياسات الثقافية
لا يكتفي "حلمة ع الهامش" بسرد قصة بلال، بل ينبش في عمق السياسات الثقافية بتونس، وينتقد انحصارها في المدن الكبرى وتجاهلها للمناطق المهمشة.
الفيلم يدعو بصراحة إلى "دمقرطة الثقافة"، أي جعلها حقًا مشاعًا لكل التونسيين، بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو موقعهم الجغرافي.
يوثق الفيلم أيضًا الأزمة الشخصية التي عاشها بلال، بين إصراره على التمسك بحلمه ومواجهة واقع ضاغط دفعه للتفكير في الهجرة أو حتى مواجهة السجن.
رؤية سينمائية جريئة
بأسلوب بصري عميق وسرد صادق، يقدم كريم السواكي فيلمًا ينتقل من كونه شهادة فردية إلى نقد شامل لواقع الثقافة في تونس. "حلمة ع الهامش" ليس فقط قصة شاب حالم، بل مرآة تعكس أوجه الخلل في السياسات الثقافية، ودعوة لإعادة صياغة رؤية ثقافية أكثر عدالة وشمولًا.
حلمُُ لطالما دافع عنه الفنان الراحل ياسر الجرادي، الذي آمن بأن الثقافة يجب أن تكون حقًا مشاعًا لكل التونسيين، بعيدًا عن قيود المركزية أو الطبقية، حيث كانت رؤية الجرادي قائمة على أن الفن والثقافة قادران على كسر الحواجز الاجتماعية والجغرافية، وبث الحياة في المناطق المهمشة.
فيلم "حلمة ع الهامش" الذي يتنافس مع افلام أخرى ضمن قسم المسابقة الوطنية للأفلام الوثائقية الطويلة في الدورة 35 لأيام قرطاج السينمائية، هو صرخة مدوية تدعو إلى تجاوز المركزية الثقافية، وتؤكد أن الثقافة ليست ترفًا، بل حق أساسي لكل مواطن، وأداة أساسية لإحداث التغيير الاجتماعي.
صلاح الدين كريمي