سالم الشاذلي.. الطبيب النفسي الذي عاش ملحمة وناضل مهنيا وسياسيا
كثير منا لا يعرف أن الدكتور سالم الشاذلي كان أول طبيب نفسي تونسي عمل بمستشفى الرازي واتخذ من مهنته سلاحا للنضال ضد الاستعمار والتمييز واللامساواة بين المعمر الفرنسي والمواطن التونسي في الأراضي التونسية وخاصة داخل مستشفى الرازي.
عندما تؤرخ الابنة مسيرة أبيها
هذا الاعتراف بأنه رائد الطب النفسي في تونس أرّخته ابنته هالة الشاذلي في كتاب لها صدر سنة 2014 باللغة الفرنسية بعنوان " De l'ombre vers la lumière, le combat du docteur Salem Esch-Chadely"، وما ترجمته بالعربية" من العتمة إلى النور، نضال الدكتور سالم الشاذلي" وجاء في شكل عمل استقصائي جمعت فيه هالة الشاذلي وثائق وجدتها في مكتبة ابيها بالاضافة إلى البحوث التي اجرتها في كل من الارشيف العام في تونس وفرنسا وشهادات شفوية.
تلميذا نابغة واختار شعبة ناشئة فكان طبيبا نفسيا رائدا
يروي لنا الكتاب في 636 صفحة مرفقة بملاحق تاريخية حياة ونضال طبيب تونسي عاشهما في ظروف استثنائية ومضطربة حيث ولد وترعرع ونشأ بين حكم الاستعمار والحرب العالمية الأولى والثانية لكنه نبغ وتميز في دراسته وهو ما عاد إليه بمنفعة المنح الدراسية لاستكمال مشواره التعليمي الثانوي في مرحلة أولى بالمعهد الصادقي حيث تعرف على الحبيب بورقيبة ومحمود الماطري والطاهر صفر وكانت الانطلاقة لتشكل نواة التفكير والنشاط السياسي لديه من خلال الانخراط في حركة التونسيين الشبان.
وأكمل سالم الشاذلي مشوار التميز الدراسي لتسند إليه منحة لاستكمال دراسة الباكالوريا في فرنسا سنة 1917 وليعمل فيها في نفس الوقت إلى جانب دراسته قيّما ثم مدرسا.
مدافع عن المساواة وأنشأ جمعية للطلبة المسلمين القادمين من شمال افريقيا
هو متمرد لكنه لم يتمرد على الاختصاصات التعليمية التي كان أقرانه يختارون دراستها فقط كالمحاماة ليختار الطب النفسي ويكون رائد فيه فقط بل تمرد على كل القوالب الجاهزة واختار التفكير بحرية والمثل العليا أفكارا يدافع عنها فقاوم ما كان يسمى ب"الطب النفسي الاستعماري" في فرنسا وانخرط سنة 1927 في "جمعية الطلبة المسلمين في شمال افريقيا " ليكافح التمييز بين القادمين من شمال افريقيا والفرنسيين خاصة في الحصول على المساكن الطلابية والشهائد العلمية.
العودة نهائيا إلى تونس سنة 1934 من خلال مستشفى الرازي
لكن الواقع الفرنسي لم يكن يروق له وهو الداعي إلى المساواة خاصة وهو لديه ذكريات حول كيف تعاملت سلطات الحماية خلال أحداث الجلاز والترامواي وانتفاضة تالة وغيرها ،ليعود إلى تونس نهائيا سنة 1934 من أبواب مستشفى الأمراض العقلية بمنوبة أو ما يعرف اليوم بمستشفى الرازي ليكون فيه أول طبيب يتكلم اللغة العربية لكن هذا التعيين لم يكن على أساس الكفاءة وإنما لعدم قدرة الطاقم الطبي وقتها على تكلم اللغة العربية عكسه فكان مصيره التهميش وعدم تحمل المسؤوليات.
طرد مرتين من العمل ولكن دفاعه عن نفسه أتى أكله واستأنف نشاطه في المرتين
ومن هنا بدأ سالم الشاذلي مسيرة نضالية جديدة وهي الدفاع عن حقوق المرضى التونسيين المقيمين بالمستشفى والذين كانت يتم التعامل معهم بتمييز وتجرى على أجسادهم أبشع التجارب وبسبب الخلاف السياسي تم فصل سالم الشاذلي سنة 1939 و أعيد سالم الشادلي من جديد إلى المستشفى كطبيب نفسي عام 1942 في فترة صعبة سياسيا إذ أصبحت تونس مابين سنتيْ 1942 و 1943 إحدى حلبات النزاع بين قوات المحور والحلفاء وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا وفي السنة 1946 وقعت أحداث زرمدين التي واجهتها السلطات الفرنسية بقوة السلاح والتي تسببت في أعداد من الموتى والجرحى ولإبعاد كل التهم عن الجيش الفرنسي الذي أطلق النار ، طلبت سلطات الحماية معاينة طبية من مستشفى الأمراض العقلية لإثبات إختلال المدارك العقلية ولكن سالم الشاذلي رفض ذلك وأكد في تقريره مدى صحة أذهان العسكريين الفرنسين فما كان مصيره إلا الطرد والاقصاء من عمادة الأطباء والمنع من ممارسة المهنة التي اختارها ولم تفرض عليه يوما مرة ثانية سنة 1948 ليعود إلى ممارسة الطب بعد أن دافع عن نفسه ومواقفه أمام مجلس الدولة بفرنسا الذي أمر بعودته إلى الطب واستئنافه لأنشطته.
عاش بين 1896 و1954 ودرس الطب النفسي والعلوم السياسية
فالكتاب اعتراف من ابنة لأبيه بدوره داخل المجتمع التونسي والفرنسي وفي مجال الطب النفسي المعاصر الذي كان أول اسم في القائمة و كان النضال ضد التمييز واللامساواة هدفه في الحياة التي عاش فيها من 1896 إلى حين وافته المنية في 1954 ودرس فيها الطب النفسي والعلوم السياسية.
ويشار إلى أن لقاء تم تنظيمه اليوم الجمعة 4 فيفري 2022 بكلية الآداب والفنون والانسانيات بمنوبة ضمن الندوة الشهرية "مدخل إلى التحليل النفسي" التي تقام كل أول جمعة من كل شهر لتكون حلقة هذا الأسبوع عنوانها "سالم الشاذلي أول طبيب نفساني تونسي بمستشفى الرازي وتم تقديمها من طرف المديرة العامة لدار الكتب رجاء بن سلامة والمؤرخة قمر بن دانة ومن خلالها تعرفنا على سالم الشاذلي ومسيرة أول طبيب نفسي.
*هيبة خميري