languageFrançais

هادئة وانتقامية.. الصين تخوض حرب السيارات مع أوروبا وأمريكا

هادئة وانتقامية.. الصين تخوض حرب السيارات مع أوروبا وأمريكا

قطاع السيارات، أحد أهم الصناعات الرئيسية في الاقتصاد العالمي، وأهم مجالات التنافس بين الدول الذي يقوم على 3 عناصر مهمة وهي الأسعار وجمالية التصميم والخدمات المقدّمة!

أزمة كبيرة يعرفها قطاع السيارات في كل من أوروبا واليابان والسبب الصين !.. هذا العملاق الذي اكتسح العالم بسياراته، فالصين هي أول دولة يصل إنتاجها من السيارات الكهربائية إلى 10 ملايين سيارة، ما يعني أن 6 من كل 10 سيارات كهربائية صنعت العام الماضي (2024) كانت صينية، أما السيارات العادية، فقد صنعت الصين 31 مليون ما يعادل ثلث الانتاج العالمي، لتبلغ صادراتها 5.3 مليون سيارة لتكون بذلك اكبر منتج ومصدر للسيارات في العالم.

كل ما سبق وضع عمالقة صناعة السيارات في العالم أمام مأزق كبير ما دفع الاتحاد الأوروبي مثلا إلى فرض رسوم جمركية على السيارات الشعبية بـ45 بالمائة، فيما كانت الولايات المتحدة وكعادتها سباقة في ذلك لتفرض رسوما بـ100 بالمائة على السيارات الكهربائية الصينية و25 بالمائة على محركات هذه السيارات، فكيف اكتسح عملاق السيارات العالم؟

 

 

الصين تُغيّر المشهد في عالم السيارات

ما ينفك عالم السيارات يتطور، خاصة مع توجه القطاع نحو السيارات الكهربائية والتي تحتل الصين صداراته على جميع المقاييس لتغيّر بذلك موازين القوى وتغيّر خريطة الدول الأكثر تصديراً وانتاجا وتتقدم بخطى ثابتة انطلقت أولها في السنوات القليلة الماضية، لتتزعم في 2024 قائمة الدول الأكثر تصديراً للسيارات في العالم، مزيحة اليابان عن هذا العرش! زقبل الخوض في تفاصيل احتلالها لهذا العرش دعنا نعود إلى الوراء

نبذة عن تاريخ الصين في عالم السيارات

من 1928 حتى 1949: كانت أول مركبة صينية الصنع عبارة عن شاحنة تسمى ''مينغ شنغ'' تم تصميمها من قبل دانيال إف مايرز وتم عمل نموذج أولي في لياو نينغ تشنش هاونار أرسنال، شنيانغ. اكتمل النموذج الأولي في 31 ماي 1931، وقبل بدء الإنتاج، تم قصف المصنع من قبل اليابانيين ولم يبدأ الإنتاج بعدها أبدًا.
 

من 1949 حتى 1980: تم خلال هذه السنوات إنشاء العديد من مصانع تجميع المركبات في الخمسينات والستينات، من بينها نانجينغ (اليوم هي شركة نانجينغ للسيارات، وشنغهاي (اليوم هي شركة شانغهاي لصناعة السيارات)، جينان (تتطور إلى مجموعة شاحنة الصين الوطنية الثقيلة)، وبكين (اليوم هي شركة بكين لصناعة السيارات القابضة).

 

 

من 1980 حتى 1990: كانت صناعة سيارات الركاب جزءا صغيرا من إنتاج السيارات خلال العقود الثلاثة الأولى للاقتصاد الاشتراكي في الصين، وفي أواخر عام 1985، أنتجت البلاد  ما يقارب 5200 سيارة فقط، للإعلان عن أن الرغبة في السلع الاستهلاكية التي لم تعد مشكوك فيها مع تحفز الإنفاق الشخصي، والإعلان عن فتح السوق الصينية أمام المنتجين الأجانب.

من 1990 حتى 2025: دخلت العديد من الشركات صناعة السيارات منذ عام 1994، بعضها من صناعة الدفاع، مثل Chang'an Motors و Changhe و Hafei Motor. وتم تطوير بعضها من الشركات المملوكة للدولة القديمة، مثل BYD Auto ، Brilliance China Auto ، وشيري للسيارات، و Changfeng Automobile. والبعض الآخر شركات خاصة، مثل Geely Automobile وGreat wall Motors.

تقرير حديث لـ Moody’s Analytics، يفيذ بأنّ مسار تقدم الصين في تصدير سياراتها للعالم، بدأ منذ سنوات، فقد تجاوزت كوريا الجنوبية في عام 2021، لتحتل المرتبة الثالثة من حيث تصدير السيارات.

كما نجحت الصين في عام 2022 بتخطي ألمانيا، مما جعلها ثاني أكبر مُصدّر للسيارات، وفي 2024، تخطت اليابان، لتزيحها عن المرتبة الأولى في قائمة أكثر الدول تصديراً للسيارات في العالم.

أظهرت بيانات الجمارك الصينية، أن البلاد صدّرت 3.32 مليون سيارة في 2022، بينما صدّرت ألمانيا 2.65 مليون سيارة، وكوريا الجنوبية 2.3 مليون سيارة.

من جانبها، أعلنت رابطة مصنعي السيارات في الصين بشكل أساسي بيانات إنتاج ومبيعات السيارات لعام 2024, حيث وصل إجمالي إنتاج ومبيعات السيارات إلى 31.282 مليون وحدة و 31.436 مليون وحدة على التوالي، بزيادة قدرها 3.7٪ و 4.5٪ على أساس سنوي.

 

 

''استغلال صيني'' لحرب اوكرانيا

بعيدا عن تصدرها قائمة الانتاج والتصدير، تقدّم الصين للمستهلكين العالميين خيارات استهلاكية متنوعة، أنواع وأشكال وخيارات عديدة تقوم على الجمالية وتفاوت الأسعار، لكن كل هذا ما كان سيحدث لو أنها لم تستغل الحرب الأكرانية، حيث ملأت شركات صناعة السيارات الصينية الفراغ الذي خلفه رحيل شركات صناعة السيارات الغربية بعد الحرب في أوكرانيا، حيث باعت ما لا يقل عن خمسة أضعاف عدد السيارات هناك في العام الماضي مقارنة بـ 160 ألف سيارة باعتها في عام 2022، وفقًا لجمعية سيارات الركاب الصينية.

وفي روسيا، ملأت العلامات التجارية الصينية صالات العرض والمصانع التي تركتها علامات السيارات الأوروبية واليابانية والكورية شاغرة.

وفي خضم الصراع مع أوكرانيا، تشير التقديرات إلى أن روسيا استحوذت على حوالي 800 ألف من أصل 2 مليون سيارة إضافية صدرتها الصين العام الماضي، حسبما قال الأمين العام لاتحاد السيارات الصيني، تشوي دونجشو.

وقال تشوي إن شركة صناعة السيارات الصينية شيري أصبحت أكبر مصدر للسيارات العام الماضي، بفضل ازدهار المبيعات للروس، حيث باعت أكثر من 900 ألف سيارة في الخارج إجمالاً.

 

 

الأضخم في العالم.. الصين تبني مصنعا للسيارات أكبر من مساحة سان فرانسيسكو

BYD، شركة السيارات الصينية المتخصصة في السيارات الكهربائية، صنعت التاريخ بعد الاعلان عن بناء مصنع جديد للسيارات أكبر من مساحة سان فرانسيسكو الأمريكية (46.9 ميل مربعاً).

واتخذت BYD هذه الخطوة لإحداث ثورة في إنتاج السيارات الكهربائية، مما يُسرّع هيمنة الصين العالمية على هذا القطاع.

تعمل شركة صناعة السيارات الصينية والتي تفوقت بالفعل على "تسلا" في بيع السيارات الكهربائية على بناء مصنع يُعرف باسم منشأة تشنغتشو في مقاطعة خنان بالصين. يمتد هذا المصنع بالفعل على المراحل من الأولى إلى الرابعة، وسيتوسع إلى 50 ميلا مربعاً. سيتمكن المصنع الضخم من إنتاج أكثر من مليون سيارة كهربائية سنوياً بعد التوسعة، متجاوزا بذلك إنتاج تسلا العالمي البالغ 1.8 مليون سيارة في عام 2023.

 

 

الصين تجذب أفضل مصممي السيارات في العالم

شهدت السيارات الصينية الفخمة تحولا جذريا في تصميماتها خلال العقد الماضي، مما جعلها محط أنظار عشاق السيارات حول العالم، ولم تعد هذه السيارات تُعرف فقط بأنها اقتصادية أو محدودة الإمكانيات، بل أصبحت منافسا قويا في فئة السيارات الفاخرة، بفضل التصاميم المبتكرة التي تعكس الأناقة والجودة.

السر وراء النقلة النوعية في تصميم السيارات الصينية الفخمة يكمن في استقطاب مصممين عالميين ذوي خبرة واسعة في العمل مع علامات تجارية أوروبية مثل مرسيدس، بي إم دبليو، وأودي، واستفادت الشركات الصينية من هذه الخبرات لابتكار تصاميم تجمع بين الرفاهية الأوروبية والجرأة الصينية، مما أضفى طابعا فريدا على سياراتها.

وجذبت الصين أفضل مصممي السيارات في العالم للعمل لديها، مثل فولفغانغ إيغر الذي صمم سيارات فاخرة مثل ألفا روميو وأودي وحاليا يعمل كبير المصممين في شركة BYD الصينية للسيارات الكهربائية. كما نتحدث عن مصممين آخرين مثل جايلز تايلور وستيفان سيلاف الذين انضموا إلى شركات صينية.

 

 

السيارات الصينية الفخمة.. طائرات مسيرة مدمجة في أنظمتها

أعلن عملاق السيارات الكهربائية الصيني BYD والشركة المتخصصة في تقنيات الطائرات المسيرة DJI، عن إطلاق نظام Ling Yuan للطائرات المسيرة داخل المركبات، ما يمنح السائقين القدرة على تحويل كل رحلة إلى تجربة سينمائية متكاملة.

يحمل اسم Ling Yuan معنى ''الطائرة الروحية،' حيث يدمج حظيرة صغيرة للطائرات المسيرة داخل سقف مركبات BYD الكهربائية، تنفتح بلمسة زر على شاشة السيارة، لتطلق طائرة مسيرة مستعدة لتوثيق رحلتك من زوايا جوية مدهشة.

ولا يقتصر النظام على الإطلاق والاسترجاع فحسب، بل يشكل منظومة متكاملة. فهو مزود بآلية تلقائية لشحن وتبديل بطاريات الطائرة المسيرة، لضمان جاهزيتها الدائمة. كما يحتوي على وحدة تحديد موقع متقدمة، تتيح للطائرة العودة إلى قاعدتها بدقة حتى أثناء تحرك السيارة بسرعات تصل إلى 25 كيلومتراً في الساعة. كما يمكن للطائرة تتبع السيارة بشكل تلقائي بسرعات تفوق 54 كيلومتراً في الساعة، ملتقطة مشاهد ديناميكية مبهرة كانت في السابق حكراً على فرق التصوير الاحترافية.

 

 

 

السيارات الصينية الفخمة

وبعيدا عن كل ما سبق، تتميز السيارات الصينية الفخمة بخطوطها الانسيابية التي تضفي عليها طابعا رياضيا مع الحفاظ على مظهر راقٍ، مع تناغمها مع مجال التكنولوجيا، مما جعلها في مصاف السيارات العالمية من حيث الابتكار والتقنيات المتطورة. لم تعد هذه السيارات مجرد وسيلة نقل، بل أصبحت منصة تجمع بين الراحة، الفعالية، والذكاء الاصطناعي لتوفير تجربة قيادة استثنائية.

وتعد السلامة هي أحد المجالات التي ركزت عليها السيارات الصينية الفاخرة باستخدام التكنولوجيا. وتأتي هذه السيارات مزودة بمستشعرات متقدمة وكاميرات 360 درجة لتوفير رؤية شاملة للسائق. كما تشمل أنظمة مثل الفرملة التلقائية عند الطوارئ، مراقبة النقاط العمياء، والتحذير من التصادم الأمامي، وعديدة هي الفيديوهات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تظهر مقارنة بين السيارات الصينية والسيارات الأوروبية في علاقة بمخاطر مطبات الطرقات.

وتتميز السيارات الصينية بتقديم مجموعة واسعة من الخيارات التي تناسب مختلف الاحتياجات والميزانيات.

 

 

عمالقة السيارات في العالم في مأزق

بعد أن تحالفت عليهم الظروف الخارجة عن إرادتهم، فأضعفتهم وقللت قدرتهم على مواجهة الظروف التنافسية المحيطة بها في عالم صناعة السيارات، وجد عمالقة السيارات في الاتحاد الأوروبي وأمريكا واليبان أنفسهم في مأزق.

وقد تسبب النفوذ الصيني المتزايد في الخارج في إثارة الذعر لدى بعض الحكومات، من تداعيات هذا الاتجاه على شركات صناعة السيارات المحلية.

وفي سبتمبر الماضي، أطلقت المفوضية الأوروبية تحقيقاً في السيارات الكهربائية صينية الصنع بشأن الدعم الذي ربما تكون قد تلقته، وهو ما وصفته بكين بأنه إجراء 'حمائي'. 
لتقوم إدارة بايدن في الولايات المتحدة برفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائيةب ننسبة 100 بالمائة، فيما سار الاتحاد الأوروبي على خطى واشنطن واعلن بدوره فرض رسوم جمركية، على السيارات الكهربائية صينية الصنع إلى نحو 45.3% .

هذا القرار أدى إلى انقسام في أوروبا ودفع بكين إلى رد مقابل.

وكانت عشر دول أعضاء في التكتل بينها فرنسا وإيطاليا وبولندا قد أيدّت فرض رسوم تصل نسبتها إلى 35.3%، إضافة إلى الرسوم القائمة حالياً البالغة نسبتها 10%.


خطط 2025.. والتوقعات

في عام 2025، أعلنت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح ووزارة المالية في الصين، إشعارا حول توسيع نطاق تنفيذ سياسات تجديد المعدات وتجارة السلع الاستهلاكية على نطاق واسع، حيث سيتم تقديم إمكانيات لسوق السيارات بشكل أكبر.

وتفيد تقارير حكومية صينية بأنه من المتوقع أنه في عام 2025، سيستمر سوق السيارات في إظهار اتجاه تطور ثابت وإيجابي، وسيستمر إنتاج ومبيعات السيارات في النمو.

وتتوقع مبدئيا أن تبلغ المبيعات السنوية للسيارات في عام 2025 حوالي 32.9 مليون، بزيادة سنوية قدرها 4.7٪ ، منها 28.9 مليون سيارة ركاب، بزيادة سنوية قدرها 4.9٪. وستبلغ مبيعات المركبات التجارية 4 ملايين، بزيادة سنوية قدرها 3.3٪. و 16 مليون مركبة طاقة جديدة، بزيادة سنوية قدرها 24.4٪ ؛ وسيبلغ إجمالي صادرات السيارات 6.2 مليون وحدة ، مما يعكس زيادة بنسبة 5.8٪ على أساس سنوي.

 

 

لن تكتفي بالتصدير.. الصين تبني مصانع بالخارج

لفتت  مجلة "إيكونوميست" البريطانية في تقرير لها إلى أن شركات السيارات الصينية لن تكتفي بالتصدير من الداخل فحسب، بل تسعى أيضا إلى تأسيس موطئ قدم لها من خلال بناء مصانع في الخارج، لتجنب الرسوم الجمركية وتكاليف الشحن والبقاء على مقربة من العملاء، حيث تتصدر هذا الاتجاه شركة "بي واي دي"، التي تصنع مركباتها حاليا في تايلند وأوزبكستان، وتخطط لإنشاء مصانع في البرازيل والمجر وإندونيسيا وتركيا وربما في المكسيك.

كما أن شركات صينية أخرى مثل شيري وشانجان وغريت وول وسايك لديها مصانع خارجية قيد التشغيل أو قيد الإنشاء.

والآن بعد حصولها على لقب أكبر مصدر ومنتج، هل سكيفي منافسوها الذين هيمنوا لفترة طويلة على الصناعة بالوقوف أمام اعتلاء الصين العرش؟ وهل سيصمد هذا العملاق أمام الحرب الجمركية وما يسعى إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من إعادة صياغة النظام التجاري العالمي الذي تهيمن عليه الصين حاليًا؟

* أميرة عكرمي