زيارة ماكرون إلى مصر: جولات واتفاقيات ومواقف في ثلاثة أيام

في وقتٍ تشهد فيه المنطقة توتّرات متصاعدة، أدّى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء الأحد 6 أفريل 2025، زيارة رسمية إلى القاهرة، استمرت ثلاثة أيّام، التقى خلالها بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي.

وتطرّق الجانبان إلى سبل تعزيز التعاون الثنائي، كما تمّ توقيع عدد من الاتّفاقيات في مجالات الصحة والطاقة والنقل. وشملت الزيارة أيضًا جولة للرئيسين في منطقة خان الخليلي، إلى جانب زيارة ماكرون لمدينة العريش القريبة من قطاع غزّة.

وتخلّلت هذه الزيارة الرابعة في تاريخ زيارات ماكرون إلى مصر، محطّات أخرى وأحداث لافتة، نتناول أبرزها في هذا المقال.

ماكرون في قلب القاهرة.. عشاء وجولة في سوق خان الخليلي

استهل إيمانويل ماكرون زيارته إلى مصر بجولة داخل المتحف المصري الكبير، الذي يُفتتح رسميًا في الثالث من جويلية المقبل. 

ويضم المتحف أكثر من 50 ألف قطعة أثرية مصرية، من أبرزها المجموعة الذهبية الكاملة للملك توت عنخ آمون، بينما ينتصب عند مدخله التمثال العملاق للملك رمسيس الثاني.

وفي مساء اليوم نفسه، اصطحب عبد الفتاح السيسي نظيره الفرنسي في جولة داخل منطقة خان الخليلي التاريخية، حيث تجوّلا في أزقة السوق الشعبي، والتقيا بعدد من المواطنين والباعة. 

واختُتمت الجولة بعشاء في مطعم نجيب محفوظ الشهير. وتناول الرئيسان السيسي وماكرون وجبة من المقبلات والمشويات المتنوعة بين الكباب والشيش طاووق والطرب، حسب تصريحات مدير المطعم أشرف عطية لوسائل إعلام محلية، مشيراً إلى إعجاب ماكرون الشديد بالطعام، وبالأجواء داخل المطعم.

والسيسي وماكرون ليسا أوّل رئيسين يزوران المطعم، إذ سبق أن زاره الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش (الأب)، والرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في فيفري 2022، كما زارته رئيسة المجر في نوفمبر 2023.

جولة في الميترو..

وقام الرئيس الفرنسي رفقة نظيره المصري بجولة داخل مترو الأنفاق الذي تُشغله الشركة الفرنسية RATP. 

وفي مقطع فيديو متداول، ظهر السيسي وهو يجلس إلى جانب ماكرون في إحدى عربات المترو وهما يتفاوضان حول تكلفة أحد المشروعات الجديدة المشتركة بين الجانبين في قطاع النقل التي ستتم بتمويل فرنسي، بينما يردد الرئيس المصري: "مفيش فايدة.. مش هدفع.. أنا عايز أخفّضه 10 في المائة".

وفيما أحاط مسؤولون فرنسيون ومصريون بالرئيسين، أضاف السيسي: "إحنا عاوزين مصنع زي اللي موجود في فرنسا أو إيطاليا.. وأنا هفتتحه والرئيس ماكرون"، متابعاً: "إحنا كل التأخيرات ما عملناش غرامات خالص، إحنا أصدقاء".

وظهر ماكرون في المقطع نفسه، وهو يقول للسيسي ممازحا إياه: "لحسن الحظ أنك عسكري سيادة الرئيس، ولست تاجراً"، وسط ضحكات متبادلة بينهما.

ونشر ماكرون عبر حسابه على 'إكس' متحدثا عن المترو: "منذ عام 1984، تقف فرنسا إلى جانب مصر في بناء شبكة مترو الأنفاق الخاصة بها... يستخدم ملايين الركاب يوميًا الخطين 1 و3، وقريبا المونوريل نحو العاصمة الجديدة والخط السادس المستقبلي... تم اختبار الخط 3 والموافقة عليه! فخر مشترك".

وفي محطّة لاحقة، زار ماكرون جامعة القاهرة، في مشهد أعاد إلى الأذهان زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إلى الجامعة عام 2009. وقد تمّ إخلاء الجامعة بشكل شبه كامل من الطلاب وتعليق الدراسة، يوم الاثنين، ما أثار انتقادات عدد من الأكاديميين والسياسيين والمراقبين.

كما شملت جولة ماكرون زيارة إلى المركز الثقافي الفرنسي بحيّ المنيرة وسط القاهرة، تأكيدًا على الجانب الثقافي في علاقات البلدين.

بيان مشترك..  واتّصال هاتفي مع ترامب

ودعا الرئيسان المصري والفرنسي والعاهل الأردني إلى وقف فوري لإطلاق النار في الحرب المتواصلة منذ 18 شهرا على قطاع غزّة.

وقال بيان مشترك عقب قمّة جمعت إيمانويل ماكرون وعبد الفتاح السيسي وعبدالله الثاني إنّ "الحوكمة والحفاظ على النظام والأمن في غزة، وكذلك في جميع الأراضي الفلسطينية، يجب أن تكون بشكل حصري تحت مظلة السلطة الوطنية الفلسطينية الممكّنة بدعم إقليمي ودولي قوي".

كما دعا البيان الثلاثي إلى "عودة فورية لوقف إطلاق النار لحماية الفلسطينيين وضمان تلقيهم المساعدات الطارئة الإنسانية بشكل فوري وكامل"، مؤكّدين على أهمية تطبيق اتّفاق وقف إطلاق النار الموقّع في 19  جانفي، "والذي نصّ على ضمان إطلاق سراح جميع الرهائن والمحتجزين، وضمان أمن الجميع".

ورفض البيان "تهجير الفلسطينيين من أرضهم وأيّ محاولة لضمّ الأراضي الفلسطينية"، في إشارة واضحة إلى خطّة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة وللتصريحات الإسرائيلية المماثلة.

ودعا البيان الثلاثي "إلى الدعم الدولي لخطّة إعادة إعمار غزّة التي اعتمدتها القمّة العربية التي عقدت في القاهرة في الرابع من مارس"، لمواجهة مقترح ترامب بتحويل قطاع غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" مع إعادة توطين سكان القطاع في دول الجوار مثل مصر والأردن.

وأثناء قمتهم الثلاثية، وبمبادرة من الرئيس الفرنسي، أجرى القادة الثلاثة مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ناقشوا خلالها الوضع في غزة.

أبرز الاتفاقيات الموقّعة

وشهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، توقيع مجموعة من الاتّفاقات بين الجانبين، تشمل مشاريع استثمارية في قطاعات متعدّدة.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك عُقد في القاهرة، أكّد ماكرون أنّ بلاده ستواصل دعم الحوار الجاري بين مصر وصندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية، بهدف توفير المساندة اللازمة للاقتصاد الكلي وتسهيل تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

وأشار الرئيس الفرنسي إلى أنّ "الوكالة الفرنسية للتنمية" ستوقع اتفاقات منح وقروض تتجاوز قيمتها 260 مليون أورو، مخصّصة لتمويل مشاريع في مجالات الطاقة والنقل والمياه والصرف الصحي. 

وأكّد التزام بلاده بدعم "رؤية مصر 2030" عبر استثمارات الشركات الفرنسية، إضافة إلى المساعدات الأوروبية الثنائية ومتعددة الأطراف.

ووقع وزراء التخطيط والنقل والصناعة والاستثمار والإسكان والكهرباء في مصر، مع نظرائهم الفرنسيين 12 اتفاقية، أبرزها:

√ اتفاق بين "الستوم" والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة لإنشاء مجمع صناعي في مصر.  

√ اتفاقية تعاون بين شركة كهرباء فرنسا للطاقة المتجددة و"زيرو ويست" وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة وهيئة موانئ البحر الأحمر لصالح تطوير مشروع إنتاج الآمونيا الخضراء بالبحر الأحمر.

√ اتفاقية مع الميناء الجاف ببرج العرب لإنشاء مجمع صناعي في مصر.

√ اتفاقية تعاون لمشروع إنشاء خط سكة حديد الروبيكي- العاشر من رمضان- بلبيس (قرض ومنحة).

وقالت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي المصرية، رانيا المشاط، في مقابلة مع "الشرق"، على هامش توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية بين مصر وفرنسا، إنّه تمّ توقيع اتفاقيات مع الجانب الفرنسي اليوم بقيمة تتجاوز 250 مليون أورو. وأضافت أنّ "الاتفاقيات شملت قطاعات مختلفة كالطاقة الجديدة والمتجددة ومعالجة المياه".

العريش.. المحطّة الأخيرة

وتوجّه ماكرون، الثلاثاء، إلى العريش في شمال سيناء (شرق مصر) التي تبعد 50 كيلومترا من معبر رفح الذي يصل مصر بقطاع غزة.

وتعتبر العريش المطلة على البحر المتوسط القاعدة الخلفية للمساعدات الإنسانية الموجهة لغزة، والتي تمنع إسرائيل دخولها منذ مارس بعد شهرين من هدنة هشة استأنفت بعدها الحرب المتواصلة منذ أكتوبر 2023.

والعريش هي المحطّة الأخيرة في زيارة رسمية للرئيس الفرنسي إلى مصر. وتضمنت جولة ماكرون في العريش زيارة لمستشفى العريش الذي يستقبل مرضى فلسطينيين ونقاط تجميع المساعدات الإنسانية الموجهة لقطاع غزة.

ودعا ماكرون، خلال زيارته، إلى وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر، وأعلن دعمه للخطّة العربية لإعمار غزّة في مواجهة خطّة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ماكرون يُوجّه رسالة بالعربية للسيسي..

وفي ختام زيارته، توجّه ماكرون بالشكر إلى السيسي والمصريين على ترحيبهم به، قائلا عبر منصة "إكس" باللغة العربية: "شكرا جزيلا للرئيس السيسي وللمصريين".

وأضاف: "أغادر مصر بعد 3 أيام مؤثرة، رأيت فيها نبض القلوب، في ترحيبكم الكريم، في قوة تعاوننا، وفي الدعم الذي نقدمه معا لأهالي غزة، وفي العريش، حيث يقاوم الأمل الألم، شكرا لكم، تحيا الصداقة بين شعبينا".

أمل مناعي