languageFrançais

ترامب وماسك: عداء.. تقارب فتحالف.. فَما الذي يجمعهُما؟

ترامب وماسك: اثنان من الأنا المتضخّمة، من خصام إلى شراكة.. فكيف تحوّلت العداوة إلى تحالف؟

ترامب وماسك: عداء.. تقارب فتحالف.. فَما الذي يجمعهُما؟

في عالم مليء بالتقلّبات والتناقضات، يبدو أنّ أقوى العلاقات تلك التي تُولد من رحم الاختلافات، إذ يمكن أن يتحوّل العداء إلى تعاون من أجل تحقيق هدف مشترك، وهو كما يُعبّر عنه نيلسون مانديلا بقوله: "إذا أردت صنع السلام مع عدوك، فيتعيّن عليك أن تعمل معه، وحينها سيُصبح شريكك".

هذه المقولة تبدو وكأنّها تجسّدت في علاقة غير متوقّعة جمعت بين شخصيتين بارزتين تُحدّدان مصير دولة عظمى، بل ربّما مصير العالم بأسره: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورجل الأعمال الثرّي إيلون ماسك. فبعد أن شهدت علاقتهما سلسلة من الخلافات والانتقادات الحادة، تحوّلت اليوم إلى شراكة وثيقة تطرح تساؤلات حول طبيعة هذا التحالف.

فكيف تحوّلت هذه العلاقة المضطربة إلى شراكة وثيقة؟ ما العوامل التي أدت إلى هذا التحول، وما الذي يجمع بينهما؟ 

بداية متوتّرة..

دونالد ترامب وإيلون ماسك، اسمان يُثيران الجدل أينما ذُكرا، شخصيتان تتميزان بالقوّة والنفوذ، اختلفتا في البداية بشكل لافت، إذ بدا وكأنّهما على طرفي نقيض، كلٌّ منهما يحمل رؤية مختلفة تماما عن الآخر، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو حتّى مستقبل العالم.  

ليس الرجل المناسب.. وشخصيته لا تعكس صورة جيّدة للولايات المتحدة

فمنذ اللحظة الأولى، كانت الاختلافات واضحة بينهُما، وتحوّلت سريعا إلى صدامات علنية، حيث شنّ ماسك هجوما حادا على ترامب عندما ترشّح لانتخابات الرئاسة عام 2016 عن الحزب الجمهوري في مواجهة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. وأيّد ماسك كلينتون بشدّة خصوصا ما يتعلّق ببرنامجها الاقتصادي والبيئي، واعتبر أنّ ترامب "ليس الرجل المناسب" لرئاسة البلاد، وأنّ شخصيته "لا تعكس صورة جيدة للولايات المتحدة".

ومع ذلك فقد سعى ترامب بعد توليه السلطة إلى استقطاب ماسك وعينه ضمن مجلس استشاري اقتصادي، لكن الأخير سرعان ما استقال أواسط عام 2017 احتجاجا على قرار ترامب بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ.

وفي عام 2020 بدأت العلاقة بين الرجلين في التحسّن، خصوصا عندما دعم ترامب موقف ماسك في صراعه مع سلطات ولاية كاليفورنيا، التي أجبرت شركة تسلا على إغلاق مصنعها هناك، وغرّد ترامب، "يجب على كاليفورنيا السماح لتسلا بفتح المصنع الآن"، قبل أن يصفه بأنه أحد العباقرة العظام في الولايات المتحدة.

لكن التقلّب ظلّ سيد الموقف، فقد توترت الأجواء بين الرجلين من جديد في عام 2022 عندما أعلن ترامب اعتزامه الترشح للرئاسة مجددا، ورد ماسك بانتقاد هذه الخطوة مذكرا ترامب بأنه "كبير جدا في السنّ". 

كان بإمكاني أن أقول له اركع وتوسّل.. وكان ليفعل ذلك

بعد ذلك، شنّ ترامب هجوما على ماسك عبر منصته "تروث سوشيال"، متهما إياه بالقدوم إلى البيت الأبيض لطلب المساعدة في مشاريعه، مثل تسلا وسبيس إكس. وأشار إلى أنّ ماسك اعترف له بأنّه من كبار المعجبين به وبجمهوريته، قائلاً: "كان بإمكاني أن أقول له اركع وتوسّل، وكان ليفعل ذلك".

إلاّ أنّه في كتاب "إيلون ماسك بقلم والتر آيزاكسن"، يعترف ماسك مرارا وتكرارا بأنّه ليس من المعجبين بدونالد ترامب، وقال لكاتب سيرته الذاتية: "أنا لست من محبي ترامب. إنّه مدمّر". وكتب والتر آيزاكسون أنّ ماسك يضمر "ازدراءً عميقاً" لترامب "الذي اعتبره رجلاً محتالاً" وبدا، كما يقول ماسك، "مجنوناً نوعاً ما".

لكن، صاحب تسلا الذي كان يرى ترامب كبيرا جدا في السنّ بشكل لا يناسب منصب الرئيس، عاد ليقول إنّه هو من سيجعل الولايات المتحدة عظيمة مرة أخرى، وإنّ فوزه ضروري للحفاظ على الدستور والديمقراطية.

نقطة التحوّل.. 

"يسعدني أن أعلن أنّ العظيم إيلون ماسك سيتولى قيادة وزارة كفاءة الحكومة، بالتعاون مع الوطني الأمريكي فيفيك راماسوامي". هذا ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضمن سلسلة إعلاناته المتتالية عن المرشحين للانضمام إلى إدارته الجديدة.

هذا الإعلان لم يكن سوى جزء من التحول الكبير الذي طرأ على علاقة ماسك وترامب قبل ثلاثة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ففي هذه الفترة، انحاز ماسك بشكل علني وكبير إلى ترامب، مستخدمًا منصته تويتر لدعمه في مواجهة بايدن، ثم كامالا هاريس. ولم يكتف ماسك بالدعم المعنوي رغم أهميته، وإنّما دخل ساحة الدعم المادي بسخاء بالغ، حيث وصل حجم مساهماته لحملة ترامب إلى أكثر من 110 ملايين دولار.

لكن هذا الدعم لم يكن وليد الصدفة، بل كان نتاجا لمسار من التفاعلات والمواقف التي نسجت خيوط التقارب بينهما، مما أدّى إلى تحوّل جذري في علاقتهما، جعلتهما أكثر توافقا في الرؤى والأهداف.

 

ترامب وأزمة تويتر

ترامب.. 'المنقذ'

لم يكن الوضع جيدًا على الإطلاق بالنسبة لإيلون ماسك خلال فترة رئاسة بايدن، الذي سعى لتقليص نفوذه وإنجازاته، محاولًا تحويله من رجل أعمال ناجح إلى تهديد حقيقي للأمن القومي. وقد تصاعدت الخلافات بين ماسك وإدارة بايدن، مع سلسلة من التحقيقات التي شنتها وكالات فيدرالية ومكتب المدعي العام في نيويورك، شملت اتهامات بالتمييز في التوظيف وعدم الامتثال للقوانين البيئية.

ورفعت إدارة بايدن عدة دعاوى قضائية ضدّ شركة "تسلا"، إلى جانب التحقيقات في حوادث القيادة الذاتية ومدى التزام الشركة بمعايير السلامة الفيدرالية. كما فتحت هيئة الأوراق المالية والبورصة تحقيقات حول تغريدات ماسك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفرضت عليه عقوبات بعد فشله في المثول أمام المحكمة في التحقيق المتعلق باستحواذه على "تويتر" مقابل 44 مليار دولار.

 

ووجهت لماسك تهم بارتكاب انتهاكات محتملة لقوانين الأوراق المالية، إضافة إلى اتهامات بانتهاك القوانين البيئية بسبب مواقع إطلاق الصواريخ لشركة "سبيس إكس" في ولاية تكساس، والتي تسببت في حرائق.

تحت وطأة هذه الضغوط، أصبح ترامب بمثابة المنقذ الذي لجأ إليه ماسك، بما أنّه كان أقرب إلى مصالحه الشخصية، حيث شكّل ملاذا آمنا وخيارا أفضل من بايدن، مما فتح الباب للتقارب بينهما.

سمات ومصالح مشتركة

ربّما لا تظهر الكثير من القواسم المشتركة بينهما للوهلة الأولى، لكن ترامب وماسك يشتركان في الميل إلى كسر القواعد وإثارة الجدل. ماسك وجد في ترامب حليفا سياسيا يمكن أن يُوفّر له بيئة أكثر انفتاحًا على أعماله، بينما رأى ترامب في ماسك داعمًا قويًا يعزز من نفوذه الإعلامي والتكنولوجي. 

ماسك، كرائد أعمال وصاحب رؤية تقنية، لديه مواقف واضحة تجاه حرية التعبير، حيث يسعى لتقليل الرقابة على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما ينسجم مع موقف ترامب الذي تعرض لحظر من تويتر بعد اقتحام الكابيتول، كما أشرنا سابقا. وبالتالي كلاهما يشارك في نقد ما يعتبرانه "تقييدا للأصوات" على وسائل الإعلام الكبرى، مما يولد تقاربا في هذا المجال.

من جهة أخرى، يفضل ماسك السياسات الاقتصادية التي تدعم الابتكار وتخفيف الضرائب على الشركات، وهو ما تتسم به إدارة ترامب. إذ شهدت فترة حكمه الأولى تخفيضا كبيرا في الضرائب، ما أسهم في خلق بيئة اقتصادية مواتية لنمو شركات مثل تسلا وسبيس إكس. هذا النوع من السياسات يجعل ماسك أقرب إلى ترامب، خاصة أنه يعبر عن مواقف مناهضة للبيروقراطية والقيود التي تفرضها الحكومات. 

كذلك، يجمع بينهما موقف مناهض للنخب التقليدية. ترامب قدم نفسه كزعيم شعبي ضد النخبة السياسية، بينما ماسك ينتقد باستمرار المؤسسات التقليدية التي تعرقل الابتكار.

لذلك، قد يكون تقارب ماسك مع ترامب مبنيا على رؤية مشتركة للاقتصاد والسياسة، وليس مجرد دعم سياسي مباشر.

ربح متبادل.. 'Gagnant Gagnant'

يُدرك كلّ من ترامب وماسك جيّدا أهمية النفوذ الإعلامي وقوّة العلاقات العامة. فبالنسبة لترامب، كان دعم ماسك، سواء المالي أو المعنوي، ورقة رابحة عزّزت موقفه السياسي. أما ماسك، فقد استفاد من قربه من شخصية قوية مثل ترامب، ليس فقط لحماية مصالحه التجارية وتعزيز رؤاه السياسية، بل أيضا لترسيخ مكانته كلاعب رئيسي في دوائر القوة، ساعيا لأن يكون ليس فقط أغنى رجل في العالم، بل أحد أكثرهم نفوذا أيضا.

بمعنى آخر، ترامب احتاج إلى ماسك لإضفاء قوّة جديدة على حملته الانتخابية، بينما احتاج ماسك إلى ترامب لحماية مصالحه. وهكذا، تحولت العلاقة بينهما من خصومة إلى تحالف قائم على مبدأ "Gagnant Gagnant"، حيث أصبح كل منهما يدعم الآخر في سعيه نحو مزيد من النفوذ والقوة.

واستفاد ترامب من ماسك على عدة أصعدة أدت في النهاية إلى وصوله إلى قمة الحكم في 2025، حيث قدّم لحملته الانتخابية دعما ماليا ضخما، مما زوّدها بوسائل حديثة للتواصل مع الناخبين، خاصةً في ظل تنافس شديد على الأصوات. وبفضل هذه الإسهامات، تمكن ترامب من تمويل حملاته الانتخابية بكفاءة عالية واستقطاب شرائح جديدة من مؤيديه.

يُمكن أيضا القول إنّ ارتباط ترامب بماسك، الذي يُعد أحد أعظم رواد التكنولوجيا والابتكار في عصرنا، منح ترامب صورة معاصرة ومبتكرة تتجاوز النمط السياسي التقليدي. فقد جذب هذا التحالف أنظار فئات جديدة من الناخبين، بما في ذلك عشاق التكنولوجيا ورواد الأعمال، مما عزّز شرعية ترامب أمام جماهير تبحث عن تغيير جذري في النظام السياسي.

ماسك خلال تجمع انتخابي مع ترامب

من جهته، حقّق إيلون ماسك، مكاسب ضخمة عقب فوز ترامب في الانتخابات، حيث قفزت أسهم تسلا بنسبة 15%، مما أدى إلى زيادة ثروة ماسك بنحو 30 مليار دولار، لتقترب من 300 مليار دولار، وفقًا لمؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات. 

وقال دان إيفز، المحلل فى شركة Wedbush Securities المالية الأمريكية، إن فوز ترامب قد يضيف ما يصل إلى 200 مليار دولار إلى قيمة تسلا، ما سيزيد من ثروة ماسك بنحو 26 مليار دولار فى المجموع.

وكتب إيفز فى مذكرة للمستثمرين: "إن أكبر إيجابيات فوز ترامب ستكون لصالح تسلا وماسك"، مستشهدا بفوائد محتملة مثل إمكانية فرض ترامب تعريفات جمركية أو ضرائب استيراد، على المركبات الكهربائية المصنوعة في الصين.

إضافة إلى ذلك استفاد ماسك من فوز ترامب في الانتخابات من خلال:

* ارتفاع أسهم شركاته بشكل كبير (حدث ذلك مباشرة لحظة فوز ترمب).

* تولّي منصب رفيع في حكومة ترمب كما وعده.

* نفوذ واسع قد يصل إلى قوة فيدرالية.

* الحصول على تدفق ثابت من العقود الحكومية لشركاته وخاصة SpaceX.

* توسع أعمال شركته Neuralink التي تعمل على وضع شرائح في أدمغة البشر.