استنزفت أموالا طائلة..ما هي خطة ترامب لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية؟
من منظور رجل الأعمال يتعامل دونالد ترامب مع مختلف الملفات وبدا هذا الأمر جليا في مختلف تصريحاته الصادمة وخططه التي فاجأت حتى أقرب حلفائه، وكشفت عن نهم لامحدود للمال والصفقات.
وحتى قبل وصوله إلى السلطة، بدأ الرجل في بث الإشارات هنا وهناك حول تعامله مع مختلف الملفات المطروحة على المستويين الداخلي و الخارجي، واعتقد البعض أنّها مجرّد تصريحات استعراضية، لكنه كذّب أغلب هذه الاعتقادات..
الملف الروسي الأوكراني كان من بين الملفات التي طرحها دونالد ترامب، واعدا بإنهاء الحرب الدائرة رحاها منذ ثلاث سنوات (فيفري 2022)، واعتزامه فرض السلام بالقوّة ولكن بأيّ مقاربة؟
في هذه الورقة نستعرض الكلفة المادية والبشرية للحرب الروسية الأوكرانية وحجم الأموال التي تدفّقت على أوكرانيا من الولايات المتحدة وأوروبا ضمن حزمة من المساعدات العسكرية لمواجهة روسيا.
كما سنستعرض الخطوط العريضة لرؤية ترامب لهذا الملف وخطّطه لإنهاء الصراع.
• إعداد: شكري اللّجمي

أموال طائلة للمساعدات العسكرية
إلى موفى سنة 2023، أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعدّ أهمّ داعم لأوكرانيا بالمساعدات العسكرية، 48.7 مليار دولار، خصّص أكثر من نصف هذه المساعدات (25.93 مليار دولار) لإعادة تكوين مخزون التجهيزات العسكرية.
وإذا ما اعتبرنا المساعدات الإنسانية، فإنّ إجمالي الدعم الأمريكي لأوكرانيا يرتفع إلى نحو 110 مليار دولار.
وفي فيفري من العام الماضي، صادق الكونغرس الأمريكي على قانون يتعلق بالأمن الوطني، نصّ على مخصّصات إضافية بـ 60 مليار دولار من أجلب العمليات المتعلّقة بالملف الأوكراني.
وأنفقت دول الإتحاد الأوروبي مجتمعة منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ما قيمته 42.2 مليار دولار في شكل دعم مباشر للقوات المسلّحة الأوكرانية.
وترتفع قيمة المساعدات إلى 48.3 مليار دولار إذا ما أضيفت إليها 6.1 مليار دولار ضمن برنامج الإتحاد الأوروبي لدعم السلم.
وفضلا عن ذلك، أقر الإتحاد الأوروبي تخصيص عائدات الأصول الروسية المجمدة إلى أوكرانيا. وفي جويلية من العام الماضي تمّ صرف دفعة أولى من هذه العائدات بقيمة 1.63 مليار دولار.
وفي أكتوبر الماضي أقرّ مجلس الإتحاد الأوروبي سلسلة من الإجراءات للمساعدة المالية لأوكرانيا تطبيقا لالتزامات أعلنتها مجموعة السبع (G7).
تشمل حزمة المساعدات قرضا استثنائيا بقيمة تقدّر بحوالي 36.7 مليار دولار، سيتمّ تسديد جزء منه عبر عائدات الأصول الروسية المجمّدة في أوروبا.
كلفة بشرية ومادية ثقيلة على أوكرانيا
أشارت تقارير لبعثة الأمم المتحدة لمراقبة حقوق الإنسان أنّ11 ألفا و734 مدنيا قضوا في الحرب الروسية الأوكرانية، إلى حدود شهر أوت من العام الماضي، كما أصيب أكثر من 24 ألف مدني.
ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا بلغت الأضرار المباشرة للحرب منذ نهاية 2023 ما قيمته 152 مليار دولار، بحسب تقديرات صادرة عن البنك الدولي والمفوّضية الأوروبية والأمم المتحدة والحكومة الأوكرانية.
وتصل الكلفة الجملية لإعادة الإعمار حتى نهاية 2023 ما قيمته 486 مليار دولار بحسب التقديرات.
ويكلّف كلّ يوم من القتال كييف ما قيمته 140 مليون دولار، فيما تشير التقديرات لسنة 2025 إلى أنّ ميزانية الدفاع قد تلتهم 26 بالمائة من قيمة الناتج المحلي لأوكرانيا.

..وعلى روسيا
وبعد 1000 يوم من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أنفقت روسيا ما يعادل 320 مليار دولار، وفق ما أوردت تقارير صحفية، وهو ما يعادل كلفة يومية تصل إلى 320 مليون دولار.
وأدّت الحرب إلى ارتفاع نسبة التضخّم في روسيا بما يزيد عن 9% في عام واحد.
وعلى المستوى البشري، جاء في تقرير لمجلّة لوبوان أنّ روسيا خسرت منذ بداية الحرب 700 ألف جندي بين قتيل وجريح ومفقود وأسير.
وخسرت القوات الروسية ما يقارب 20 ألف قطعة من المعدات من مركبات وطائرات، بالإضافة إلى آلاف الدبابات والمركبات وعشرات الطائرات والمروحيات.
تداعيات على الاقتصاد العالمي
ولم تقتصر التداعيات الإقتصادية للحرب الروسية الأكرانية على البلدين المعنيين مباشرة بالحرب، بل امتدت آثارها لباقي مناطق العالم، إذ أدّت إلى ارتفاع أسعار المواد الأوّلية وأسعار الغذاء، باعتبار أنّ هذين البلدين يمثّلان أهمّ مزودين للحبوب في العالم.
وأشار تقرير للبنك الدولي أنّ طول أمد الحرب أدى إلى وقوع أضرار اقتصادية كبيرة، وأعاق تحقيق التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا.
عودة ترامب إلى السلطة تقلب المعطيات
ومنذ عودته إلى السلطة أعلن ترامب اعتزامه إدخال تغييرات جذرية تتعلّق بتدخّل الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الملف، من بينها اجراء محادثات سلام بين روسيا وأوكرانيا بإشراف أمريكي، ولاقت هذه المبادرة ترحابا من الروس لكنّها قوبلت بتوجّس من قبل الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي خاصة مع إقصاء ترامب للاتحاد الأوروبي من هذه المحادثات.
هذا المعطى المفاجئ، خلق ردود أفعال غاضبة من القادة الأوروبيين، وجعل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يدعو إلى قمّة أوروبية طارئة في محاولة للإبقاء على التأثير الأوروبي في هذا الملف المرتبط مباشرة بأمن دول الاتحاد الـ 27.
شروط ترامب مقابل مواصلة دعم أوكرانيا
خطط ترامب لإحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا، لا يهدف فقط لوضع حدّ للانفاق الأمريكي على حرب غير معنية بها بشكل مباشر، بل أيضا تحقيق أرباح مباشرة.
واشترط الرئيس الأمريكي مواصلة مساعدة أوكرانيا باستغلال مخزونات المعادن النادرة في الأراضي الأوكرانية ، الضرورية لقطاع الصناعات التكنولوجية في وقت كشف فيه الرئيس الأمريكي عن مشاريع عملاقة وإعلانه عن استثمارات هائلة بقيمة 500 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي.
ويبدو أنّ الرئيس الأوكراني بدوره يريد التعامل بشكل براغماتي مع الوضع الجديد، حيث أبدى استعداده للسماح للولايات المتحدة باستغلال مخزونها من المعادن النادرة مقابل دعم عسكري متواصل لمواجهة القوّة الروسية.
صفقة لا يمكن إلاّ أن تكون في صالح الولايات المتحدة، التي تعتمد على المعادن النادرة المنتجة في الصين بنحو 80%.
محادثات روسية أمريكية في السعودية ولقاء مرتقب بين ترامب وبوتين في الرياض

وفي انتظار تطوّرات هذه الصفقة التي من الممكن أن تتضح معالمها بصورة أوضح في الفترة المقبلة، بعد المحادثات الروسية الأمريكية ولقاء مرتقب بين بوتين وترامب في العاصمة السعودية الرياض في هذا الخصوص.
ومن المقرر أن تنعقد الثلاثاء محادثات بين مسؤولين روس وأميركيين رفيعي المستوى في السعودية بهدف "إعادة" العلاقات الثنائية. وستشمل المحادثات أيضا "مفاوضات محتملة حول اوكرانيا" والتحضير للقمة بين الزعيمين.
ويرى ملاحظون أنّ مصير الملف الأوكراني سيتحدّد بعد هذه المحادثات والقمة بين الرئيسين بوتين وترامب، بينما تجد أوروبا نفسها مضطرّة للبقاء في موقع المشاهد والمترقّب، خاصة أنّ القارة العجوز نفسها تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية في أمنها الخارجي عبر منظّمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
على ماذا تقوم خطّة ترامب للسلام؟

وإن لم يتمّ الكشف عن فحوى خطّة ترامب للسلام، إلاّ أنّ بعض ما رشح من مبادرة ترامب بحسب تسريبات مزعومة تؤكّد أنّ الخطّة الأمريكية ستستغرق 100 يوم لإحلال السلام استنادا إلى بوابة الأخبار الأوكرانية strana.today.
وتقضي الخطّة المزعومة بالتوصّل إلى وقف لإطلاق النار في أفريل المقبل وانسحاب القوات الأوكرانية بشكل تام من منطقة كورسك، و"إجبار" الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الاعتراف بالسيادة الروسية عليها.
ورغم نفي زيلينسكي، لما جاء في التقرير حول الخطّة المزعومة، إلاّ أنّ ما أشارت إليه التقارير الإعلامية بدا متوافقا مع تصريح لوزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث بأنَّ العودة إلى حدود أوكرانيا قبل عام 2014، أي قبل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، مسألة غير واقعية.
ويعزّز هذا التصريح احتمال طلب الولايات المتحدة الأمريكية من أوكرانيا الاعتراف الرسمي بالمناطق التي خسرتها لصالح روسيا.
كما تقضي الخطّة المزعومة إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح تشرف عليها قوة أوروبية.