أمريكا Vs الصين.. واشتعلت حرب الرسوم الجمركية !
في 2018 أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية والصين واحدة من أشرس الحروب الاقتصادية، حيث فرضت واشنطن رسومًا جمركية على واردات صينية بقيمة 550 مليار دولار، فردّت بكين برسوم مماثلة على سلع أمريكية بقيمة 185 مليار دولار.
هذه الحرب التجارية، التي بدأت كصراع حول الممارسات التجارية غير العادلة، سرعان ما تحوّلت إلى مواجهة استراتيجية أعمق بين أكبر اقتصاديين في العالم.
ووفقًا لصندوق النقد الدولي (FMI) أدت هذه المواجهة إلى خفض النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 0.8% سنة 2019، مما أثر على الأسواق الناشئة وسلاسل التوريد العالمية، كما تسببت في خسائر اقتصادية بلغت أكثر من 435 مليار دولار.
وبينما كانت الصين تسعى للحفاظ على مكانتها الاقتصادية، كانت الولايات المتحدة تهدف إلى تقليص العجز التجاري وحماية مصالحها الاقتصادية وهذه التوترات زعزت الاستقرار في الأسواق العالمية، وخلقت تحديات كبيرة للشركات في كلا البلدين.
وشكّلت هذه الحرب التجارية نقطة تحول مهمة في العلاقات الدولية كما أظهرت مدى تعقيد العلاقات الاقتصادية بين القوى العالمية الكبرى.
انــدلاع شـرارة الأزمـــة
اندلعت شرارة أزمة الرسوم التجارية المتبادلة بين واشنطن وبكين في عهد دونالد ترامب الذي أعلن خلال حملته الانتخابية سنة 2016 اعتزامه فرض إجراءات صارمة لاستعادة الوظائف الأمريكية التي فُقدت بسبب التوسع الصيني في الأسواق العالمية حسب تقديره.
وتعهّد بفرض رسوم جمركية على واردات الصين وتشديد الرقابة على استثمارات شركاتها في الولايات المتحدة، الأمر الذي دفع بكين إلى التلويح بقدرتها على اتخاذ إجراءات مضادة تشمل فرض ضرائب مرتفعة على السلع الأمريكية لا سيما في قطاعات مثل السيارات والتقنيات المتطورة والأجهزة الذكية.
وبالفعل نفّذ ترامب ما تعهّد به، حيث وقع في مارس 2018 مذكرة تنفيذية لفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على حوالي 1300 منتج صيني وخاصة على واردات الصلب والألمنيوم بسبب ما اعتبره ممارسات تجارية غير عادلة من "العملاق الآسيوي".
وانتقمت الصّين بفرض رسوم جمركية بنسبة 15% على 128 نوعا من المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة في مرحلة أولى ثمّ فرض رسوما إضافية بـ25% على 106 منتجات أخرى.
وتواصل الصراع في 2019 حيث قررت بكين فرض رسوم بنسبة 5% على النفط الخام الأمريكي، بينما أقرّت إدارة دونالد ترامب فرض رسوم بـ15% على الواردات الصينية التي تتجاوز قيمتها 125 مليار دولار، في مساع أمريكية متواصلة للضغط على الصين كي تحدث تغييرات شاملة في سياساتها بشأن حماية الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا إلى الشركات الصينية والمنح الصناعية والوصول إلى السوق.
وعاد الصراع بين العملاقين الاقتصاديين مجدّدا، حيث أعلن دونالد ترامب في فيفري 2025 عن رسوم جمركية جديدة بنسبة 10% على الواردات الصينية لمعاقبة بكين بسبب عدم سعيها لوقف تدفق مخدر "الفنتانيل" إلى الولايات المتحدة، لتسارع الصين إلى الإعلان أنها ستفرض بدورها رسوما جمركية بنسبة 15% على وارداتها من الفحم والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة و10% على وارداتها من النفط الخام والآلات الزراعية والمركبات الكبيرة والشاحنات الصغيرة.
عقب ذلك، قالت وزارة الخارجية الصينية في بيان "لا يوجد منتصرون في حرب تجارية أو حرب جمركية"، مضيفة أن التعريفات الجديدة ستؤثر حتما في التعاون المستقبلي في مجال السيطرة على المخدرات وتضر به".
ودعت الصين الولايات المتحدة إلى التعامل مشاكلها المتعلقة بالمخدرات بشكل موضوعي وعقلاني بدلا من التهديد المستمر للدول الأخرى بالرسوم الجمركية، داعية واشنطن إلى تصحيح ممارساتها الخاطئة وإجراء مناقشات صريحة وتعزيز التعاون وإدارة الخلافات على أساس المساواة والمنفعة والاحترام المتبادلين.

الخلفية التاريخية للعلاقات التجـــارية بيـن الصين وأمريكا
شهدت العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين تغييرات كبيرة في العقود الأخيرة، حيث بدأت الصين في تبنّي سياسات انفتاح اقتصادي في التسعينيات وهذا التطور كان بداية الصراع التجاري بين البلدين.
ومع نمو القوة الاقتصادية للصين، أصبحت المنافسة التجارية أكثر تعقيدًا فكل دولة تريد تعزيز مكانتها الاقتصادية، مما زاد في توتر العلاقات.
وواجهت العلاقات الاقتصادية الأمريكية-الصينية تحديات عديدة من بينها زيادة حجم التبادل التجاري بشكل مستمر وتنامي الاستثمارات المتبادلة وأيضا التنافس على الأسواق العالمية.
ويذكر أنّ منظمة التجارة العالمية لعبت دورًا مهمًا، حيث ساعدت في وضع قواعد للتبادل التجاري وفرضت معايير للعقوبات الاقتصادية بانضمام بكين إليها في 2001.
ونما حجم التبادل التجاري بين البلدين بشكل مطرّد حتى أصبحت الصين من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.
أسباب النـــزاع التجـــاري بيـن العملاقين
النزاع التجاري بين الصين وأمريكا هو نتيجة لمجموعة متنوعة من العوامل الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1. الاختلال في الميزان التجاري:
تعتبر الولايات المتحدة أن لديها عجزا تجاريا كبيرا مع الصين، حيث تستورد منها أكثر مما تصدر إليها وترى أن هذا العجز التجاري غير عادل ويضر بالاقتصاد الأمريكي.
2. الممارسات التجارية غير العادلة:
تتهم الولايات المتحدة الصين بالقيام بممارسات تجارية غير عادلة، مثل دعم الشركات الحكومية وإغراق الأسواق بمنتجات رخيصة، وهو ما يضرّ بالشركات الأمريكية ويعيق المنافسة العادلة.
3. التكنولوجيا والتجسس:
تخشى الولايات المتحدة من تنامي قوة الصين التكنولوجية، وتتهمها بالتجسس وسرقة التكنولوجيا الأمريكية، وتعتبر أن هذا الأمر يهدد أمنها القومي واقتصادها.
4. الأمن القومي:
تجزم الولايات المتحدة أن صعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية يشكل تهديدًا لأمنها القومي، وتعتبر أن النزاع التجاري هو جزء من صراع أوسع بين البلدين على النفوذ العالمي.
5. قضايا الملكية الفكرية
تتهم الولايات المتحدة الصين بانتهاك حقوق الملكية الفكرية فيما يتعلّق بالمنافسة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي والجيل الخامس والحوسبة السحابية والتكنولوجيا الحيوية
هذه الحرب ليست مجرد نزاع تجاري أشعل فتيله القادم الجديد إلى البيت الأبيض بل صراع هو استراتيجي بين القوتين الاقتصاديتين الرئيسيتين في العالم منذ عقود.

المبـــادلات التجاريـــة للبلــدين في أرقـــام
شهدت العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة تفوقًا واضحًا لصالح بكين. ففي عام 2017، حققت الصين فائضًا تجاريًا ضخمًا قدره 375 مليار دولار في تعاملاتها التجارية مع واشنطن. ويُضاف هذا الرقم إلى حجم التبادل التجاري الكلي بين البلدين الذي تجاوز 600 مليار دولار في عام 2016، مما يعكس حجم الاعتماد المتبادل بينهما.
وبالنظر إلى تفاصيل التبادل التجاري في عام 2017، نجد أن الصادرات الأمريكية إلى الصين بلغت 116.2 مليار دولار، في حين أن واردات الولايات المتحدة من الصين وصلت إلى حوالي 492 مليار دولار. هذه الأرقام تُظهر بشكل جلي الاختلال الكبير في الميزان التجاري بين البلدين، حيث تستورد الولايات المتحدة من الصين أكثر بكثير مما تصدر إليها.
وتستورد الولايات المتحدة الألمنيوم والصلب والإلكترونيات والملابس والآلات من الصين، بينما تعتبر الصين أكبر مستورد لفول الصويا من الولايات المتحدة.
وهيمنت الصين على التبادل التجاري مع الولايات المتحدة يعود إلى عدة عوامل منها:
**فروق تكاليف الإنتاج: تتمتع الصين بتكاليف إنتاج أقل مما يجعل منتجاتها أكثر تنافسية في السوق الأمريكية.
**السياسات التجارية: حيث تتبع الصين سياسات تجارية تشجع على زيادة صادراتها إلى الولايات المتحدة.
**الطلب الأمريكي: يُعتبر السوق الأمريكي سوقًا كبيرًا ومستهلكًا، مما يزيد من الطلب على المنتجات الصينية.

تـأثير حرب الرســـوم الجمركــية على الاقتصاد الصيني
يواجه اقتصاد الصين تحديات كبيرة بسبب حرب الرسوم الجمركية التي أثرت بشكل كبير على القطاعات الإنتاجية والتصديرية، وانجرّ عن ذلك:
-انخفاض الصادرات الصينية بنسبة 8% خلال عامي 2018-2019
-تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي
-تأثر القطاعات الصناعية التصديرية بشكل مباشر
وقد حاولت الشركات الصينية حاولت التكيف بطرق متنوعة ن خلال الاستثمار في تنويع الأسواق والتركيز على السوق المحلية، كما استثمرت في التكنولوجيا المحلية لتغلب على القيود التجارية.
وأظهرت الدراسات أن الاستثمار الأجنبي تأثر بشكل مباشر في الصين، حيث انخفض بنسبة 3.4% خلال فترة النزاعات الاقتصادية الدولية.
وكشف المكتب الوطني للإحصاء في الصين أنه في عام 2019، نما الاقتصاد الصيني بنسبة 6.1٪، وهو أبطأ نمو منذ 27 عامًا، معتبرا أن الحرب التجارية هي أحد العوامل التي تؤثر على النمو الاقتصادي الصيني.
تـأثير حرب الرســوم الجمــركية على الاقتصاد الأمريكي
حرب الرسوم الجمركية أثرت في الولايات المتحدة أيضا وفي عدة قطاعات مختلفة، وأهمها القطاع الزراعي الذي تعرض لضربة قاسية، فانخفاض الصادرات الزراعية إلى الصين كان كبيراً كما فقدت المزارع الأمريكية أسواقاً رئيسية.
وتكبد المزارعون خسائر تقدر بملايين الدولارات وفقدوا العديد من العقود التجارية مع الصين مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية التي انعكست بشكل واضح على المستهلكين الأمريكيين الذين دفعوا تكاليف إضافية على المنتجات المستوردة والمحلية.
وأظهرت دارسات اقتصادية أن الأمريكي يدفع 831 دولارًا إضافية سنويًا بسبب هذه الحرب التجارية.
وقدّر مكتب الميزانية في الكونغرس (CBO) سنة 2019 أن الحرب التجارية خفضت في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة 0.1٪ في عام 2020 و0.2٪ في عام 2021.
التداعيـــات العالمية للحــرب التجارية بين الصين وأمريكا
لم يكن العالم بمنأى عن الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين فالعقوبات الاقتصادية المتبادلة خلقت حالة من عدم الاستقرار، وتسببت حرب الرسوم الجمركية في:
*تعطيل سلاسل التوريد العالمية: العديد من الشركات وجدت نفسها مجبرة على تغيير استراتيجياتها التجارية لتكيف مع الظروف الجديدة من ذلك نقل مراكز الإنتاج من الصين إلى دول آسيوية أخرى وزيادة تكاليف الإنتاج والشحن والبحث عن بدائل للموردين الصينيين
*تراجع معدلات النمو الاقتصادي: خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي في 2019 إلى 3.0% وهو أدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية. وأشار إلى أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين هي أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على النمو العالمي.
*زعزعة الثقة في التجارة الدولية: الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أثرت بشكل كبير على الثقة في النظام التجاري الدولي وتسببت في تقويض مبادئ النظام التجاري القائم وانعدام الثقة في الشراكات التجارية.
وتأثرت الدول النامية بشكل كبير بالصراع التجاري، حيث فقدت فرص التصدير والاستثمار بسبب التوترات بين القوتين الاقتصاديتين.
وأظهرت الدراسات انخفاض التبادل التجاري العالمي بنسبة 3.5٪. وهذا يؤكد تأثير النزاع السلبي على العالم.
كما خفضت منظمة التجارة العالمية في 2019 توقعاتها لنمو التجارة العالمية إلى 1.2٪، وهو أبطأ نمو منذ الأزمة المالية العالمية. وأشارت إلى أن الحرب التجارية هي أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على التجارة العالمية.

مـاذا فعلت الصين لمــواجهة العقوبات الأمريــكية ؟
واجهت الصين تحديات كبيرة في الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، لكنها استخدمت استراتيجيات ذكية لتكيف مع الضغوط الاقتصادية والتجارية، حيث عدمت إلى:
*تنويع الشركاء التجاريين وتوسيع شبكة علاقاتها التجارية خارج الولايات المتحدة وركزت على تعزيز التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي ودول آسيا والشرق الأوسط.
*تفعيل مبادرة الحزام والطريق وتعرف أيضا باسم طريق الحرير الجديد أو طريق الحرير للقرن الـ21 وتقوم على ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية لربط أكثر من 70 دولة وتهدف إلى إنشاء حزام بري من سكك الحديد والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى أفريقيا وأوروبا، بكلفة إجمالية تبلغ تريليون دولار.
*تعزيز السوق المحلية وتحفيز الاستهلاك الداخلي من خلال زيادة الإنفاق الحكومي تحفيز الاستثمارات المحلية ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وأظهرت استراتيجيات الصين نجاحها في تخفيف تأثير العقوبات، كما أظهرت مرونة الاقتصاد الصيني في مواجهة التحديات.
كيـف ردّت الولايات المتـــحدة الفعل على انتقــام الصين ؟
الولايات المتحدة الأمريكية واجهت التوترات التجارية مع الصين من خلال استراتيجية تركز على عدة محاور رئيسية، من بينها:
فرض قيود على الشركات التكنولوجية الصينية
تقييد الاستثمارات الصينية في القطاعات الاستراتيجية
حماية حقوق الملكية الفكرية الأمريكية
ودفعت الإدارة الأمريكية بقوة نحو تحجيم النفوذ الاقتصادي الصيني واستهدفت تغيير ميزان القوى التجارية. كما اتخذت واشنطن موقفًا صارمًا بالضغط دبلوماسياً وحشد الدعم الدولي ضد الممارسات التجارية الصينية. وركزت الاستراتيجية على تقليص العجز التجاري وإعادة التوازن.
مسـتقــبل العلاقات التجارية الأمـريـكية الصيـنية
يتوقع خبراء اقتصاديون أن الحرب التجارية ستستمر في التأثير على الاقتصاد العالمي، خاصة مع استمرار التنافس التكنولوجي بين البلدين.
وقد تؤدي هذه الحرب إلى إعادة هيكلة سلاسل التوريد العالمية، مع تحول الشركات إلى مصادر إنتاج خارج الصين.
أما من الناحية السياسية، فالمفاوضات الدبلوماسية ستلعب دوراً كبيراً في تحديد مسار العلاقات التجارية، وقد قد تؤدي إلى تحديثات جديدة في سياسة التجارة العالمية، مما يؤثر على الشركاء التجاريين الآخرين.
** حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين قد أثرت كثيرًا على الاقتصاد العالمي، حيث تريد الولايات المتحدة خفض عجز الميزان التجاري مع الصين، بينما تريد الصين معاملة متكافئة.
هذه المواجهة انعكست على التجارة والأسواق المالية حول العالم، وخلقت تحديات جديدة للشركات والدول، خاصة أن التنافس الاقتصادي انتقل إلى صراع تكنولوجي.
*أميــرة العـلبــوشي
--تم استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج الصور--