بين الجنائية والعدل الدولية.. أيّ صلاحيات للمحكمتيْن؟
من المنتظر أن تصدر محكمة العدل الدولية، الجمعة 23 ماي 2024، حكمها بشأن طلب جنوب إفريقيا إصدار أمر بوقف الهجوم الصهيوني على رفح في قطاع غزة وتدابير الطوارئ في قضية الإبادة الجماعية. وسبق أن مثلت تل أبيب أمام هذه المحكمة من أجل إسقاط ما أسمته بـ "الاتّهامات". وهي المرة الأولى التي تقبل فيها إسرائيل الوقوف أمام هذه المحكمة.
وعديدة هي التحرّكات الدولية التي أحدثت صدمة داخل الاحتلال الصهيوني، آخرها طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إصدار مذكرة اعتقال ضدّ مسؤولين إسرائيليين على رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وفي هذا السياق، لا بدّ أن نشير إلى أنّه هناك خلط بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، لذلك سنُحاول من خلال هذا المقال توضيح أوجه الاختلاف بينهما ومهام كلّ واحدة منهما.
* محكمة العدل الدولية
هي هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة. تأسّست بموجب ميثاق الأمم المتحدة (الفصل الرابع عشر) في 26 جوان 1945 بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية وفق موقع وزارة الخارجية الفرنسية.
ويطلق عليها أيضا اسم "المحكمة العالمية"، ويكمن عملها في النظر في الخلافات والنزاعات بين الدول التي تعرض عليها وذلك في إطار مراعاة القانون الدولي.
ولهذه المحكمة أيضا دور استشاري في القضايا القانونية التي تطرح عليها من قبل المنظمات الأخرى التابعة للأمم المتحدة. وقد تبلورت فكرة تأسيس محكمة دولية في القرن 19 خلال مؤتمر لاهاي للسلام الذي انعقد في العام 1899. ثم تطورت الفكرة مجددا في مؤتمر السلام الثاني الذي انعقد في نفس المدينة في 1907 ومن ثمة بعد تأسيس عصبة الأمم المتحدة في 1919 بعد نهاية الحرب العالمية الأولى (1914-1918).
وبدأت هذه المحكمة نشاطها للمرة الأولى في العام 1922 لكنّها لم تتمكن من مزاولته بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية. الأمر الذي أدى إلى تجميدها بشكل كامل لغاية 1946 وهو تاريخ انعقاد أول جلسة افتتاحية لها.
- مهامها
محكمة العدل الدولية هي الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة، وتتمثل مهمتها، وفقا للقانون الدولي، في تسوية النزاعات القانونية التي تعرضها عليها الدول، وإصدار الفتاوى بشأن المسائل القانونية التي تحيلها إليها هيئات الأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة المأذون لها بذلك.
- مكوناتها
تتكون هيئة محكمة العدل الدولية من 15 قاضيا يتم انتخابهم من قبل الجمعية العامة ومجلس الأمن التابعين لمنظمة الأمم المتحدة لولاية مدتها 9 أعوام. فيما يعتبر جميع أعضاء "الأمم المتحدة" بحكم عضويتهم أطرافا في النظام الأساسي لهذه المحكمة. كما يجوز لأي دولة أن تنضم إلى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية لكن بشروط تحددها الجمعية العامة لكل حالة بناء على توصية مجلس الأمن.
ويتم تنظيم انتخابات كل 3 سنوات على ثلث المقاعد بسبب انتهاء ولاية 5 قضاة خلال الأعوام الثلاثة الأولى من الولاية. ثم 5 في نهاية السنوات الست من الولاية مع إمكانية إعادة انتخابهم. فيما ينتمي كل قاض بشكل ملزم إلى بلد مختلف كونهم لا يمثلون بلدانهم، بل يتميزون بالاستقلالية التي تسمح لهم بالنظر في النزاعات بشكل حر ودون ضغوط.
وتنص المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة على أن كل عضو من أعضاء "الأمم المتحدة" يتعهد أن يطبق حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفا فيها. وفي حال امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فالطرف الآخر له الحق أن يلجأ إلى مجلس الأمن. وبإمكان هذا الأخير تقديم توصياته أو إصدار قرار بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ الحكم.
- كيف ترفع دعوى لدى المحكمة؟
في حالة رفع دعوى أمام المحكمة بعريضة مقدمة وفقا للفقرة 1 من المادة 40 من القانون الأساسي لمجلس الأمن، فيجب أن توضح العريضة الطرف الذي يرفع الدعوى والدولة المدعى عليها وموضوع المنازعة.
كما ينبغي أن توضح العريضة قدر المستطاع الأسباب القانونية التي يبنى عليها المدعي قوله باختصاص المحكمة فضلا عن تعيين الطابع المحدد للادعاء. وهذا ما ستسعى القيام به جنوب أفريقيا التي رفعت دعوى ضد إسرائيل.
* ما الفرق بين محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية؟
تتعامل الأولى مع النزاعات والحروب بين الدول أما الثانية فهي تنظر في التهم الموجهة للأفراد.
وأُنشأت المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام روما الأساسي، وهي وثيقة تأسيسية وقعتها الدول الأطراف. حيث تعهدت الدول الأطراف بمنع الجرائم وعرض من يتحمل المسؤولية على العدالة. وتحاكم المحكمة الجنائية الدولية الأفراد عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعدوان، وهي أخطر الجرائم التي تثير قلقاً دولياً. ويقع مقر المحكمة بلاهاي، في هولندا.
وتمارس المحاكم الوطنية التحقيق والادعاء في الجرائم المرتكبة في البلد. ولا تتدخل المحكمة الجنائية الدولية إلا إذا لم تستطع دولة التحقيق والادعاء في جرائم أو لم تُرِد ذلك.
وليس عند المحكمة لا جهاز شرطة ولا جيش خاص بها، فهي تعتمد على الدول في القبض على المشتبه بهم وتسليمهم. وتبقى أوامر القبض سارية المفعول مدى الحياة ما لم يقرر قضاة المحكمة خلاف ذلك.
- الإجراءات القضائية للمحكمة
بعد نقل المشتبه به إلى المحكمة أو بعد مثوله عن طواعية أمام القضاة، سترتب المحكمة مثوله الأول وبعد ذلك جلسة اعتماد التهم. إن الهدف من جلسة اعتماد التهم هو معرفة ما إن كانت هناك أدلة كافية لبدء محاكمة.
ويُعهد بكل قضية إلى ثلاثة قضاة في المحكمة. وخلال المحاكمة، يقدم الادعاء أولاً الأدلة ويدعو الشهود. ويمكن لهيئة الدفاع إجراء استجواب مقابل من ناحيتها لأولئك الشهود، وتقديم أدلة، ودعوة شهودها هي. ويمكن للمجني عليهم التعبير عن آرائهم وشواغلهم في قاعة المحكمة. كما يمكن للقضاة دعوة شهود.
وبعد تقديم طرفي القضية أدلتهما، يُدعى الدفاع والادعاء إلى تقديم مرافعاتهما الختامية. وتُتاح فرصة الكلام الأخيرة دوماً للدفاع.
- قرار المحكمة / العقوبة
عند نهاية المحاكمة، يقرر قضاة المحكمة الجنائية الدولية ما إن كان الشخص المتهم مذنبا أم لا. فإن كان مذنباً وأُدين، يمكن أن تُسلَّط عليه غرامة و/أو حكم بالسجن قد يصل إلى 30 سنة، وبصفة استثنائية إلى السجن مدى الحياة.
ويقضي المحكومون مدة سجنهم في دولة تحددها المحكمة من قائمة الدول التي كانت قد عبرت للمحكمة عن رغبتها في قبول المحكومين. ويمكن أن يأمر القضاة بجبر الضرر للمجني عليهم، بما في ذلك عبر رد الاعتبار والتعويض وإعادة التأهيل.
ويجوز للادعاء وللشخص المحكوم (الدفاع) الطعن في القرار. ويمكن لدائرة الاستئناف تأكيد أو نقض أو تعديل القرار أو الإدانة، أو الأمر بمحاكمة جديدة أمام دائرة ابتدائية أخرى.
فرانس 24 + وكالات