languageFrançais

قرارات الجامعة العربيّة لإنقاذ غزّة.. ليس بالإمكان أفضل ممّا كان؟

هل سيتم تنفيذ القرارات التي انتهت إليها القمّة العربية - الإسلامية المشتركة الطارئة المنعقدة مؤخرا في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية وصدر عنها بيان ختامي أدان العدوان الصهيوني على قطاع غزة والمجازر الهمجية الوحشية التي ترتكبها حكومة الاحتلال الاسرائيلي ضدّ الشعب الفلسطيني والمطالبة بضرورة وقف العدوان فورا، والذي تضمّن حوالي 26 نقطة، دعوة لكسر الحصار على غزة وفرض إدخال المساعدات الإنسانية، بشكل فوري؟

القمة العربية الإسلامية المشتركة الطارئة كانت قد شهدت مشاركة قادة دول عربية وإسلامية، بينهم رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ولم يُشارك فيها رئيس الجمهورية قيس سعيّد، واكتفت تونس بتمثيلها على مستوى وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، نبيل عمّار على رأس وفد رسمي دبلوماسي ليُبدي تحفّظ تونس على كلّ ما ورد في البيان الختامي للقمة باستثناء النقاط المتعلقة بالوقف الفوري للعدوان وإدخال المساعدات الإنسانية فورا وفكّ الحصار عن كلّ فلسطين.

"السقف العالي والمربط الخالي"

بيان قد يبدو قويّ اللهجة وعاليّ السقف، لتوحيد الصفّ العربي والإسلامي ضدّ الاحتلال الصهيوني ونصرة للقضيّة الفلسطينية، إلاّ أنّ جامعة الدول العربية الإسلامية، وجلّ قممها المنعقدة سابقا، لطالما عوّدت الشعوب العربية ببيانات دون تنفيذ أو نتائج، وهو ما يجعلنا في حقيقة الأمر، نتساءل عن الآليات التي تمتلكها جامعة الدول العربيّة لتنفيذ قراراتها؟ وأيّ ضغط قد تُمارسه الدول العربيّة من أجل وقف إطلاق النار في غزّة والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع؟

الوصول إلى اتخاذ قرار ليس هدفا في حدّ ذاته، بل يقتضي توفير آليات لتنفيذه، والتنفيذ يحتاج إلى المتابعة والتقييم. وبالتالي، ليس المهم اتّخاذ القرار فحسب، فما بعد اتّخاذ القرار مرحلة هامة أيضا. وهذا تماما ما ينطبق على بيان القمّة، حيث يكمن ضعفه أساسا في كونه، لم يُقرّ آليات التنفيذ، ممّا يجعلنا أمام قرارات دون آليات تنفيذ، وبالتالي، فإنّ عدم ذكر عقوبات في حال عدم احترام مطالب ودعوات الدول العربية، يُفقد البيان قوّته الفعلية.

صورة جماعية لرؤساء وفود الدول المشاركة في القمة العربية الإسلامية

غياب التأثير في مجلس الأمن

إنّ القرارات الصادرة عن القمة تحتاج إلى تنسيق بين الدول المشاركة فيها من أجل وضع خطة تنفيذ واضحة، خاصّة ما يتعلق بوقف إطلاق النار على القطاع، وهو ما يستوجب أيضا تحركات فعليّة، وضغط على المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي بما أنّه يقوم بإصدار قراراته في شأن حفظ السلم والأمن الدوليين وإعادتهما لنصابهما، وهو المخوّل له إصدار قرار وقف إطلاق النار.

ومن أشهر الحالات التي اضطلع فيها مجلس الأمن بإصدار قرارات تقضي بوقف إطلاق النار في هذا الشأن، حرب أكتوبر عام 1973، والحرب اللبنانية الإسرائيلية عام 2006.

إلاّ أنّ مجلس الأمن الدولي، في ظلّ ضعف التأثير العربي، عجز اليوم، عن اتّخاذ أيّ قرارات لوقف إطلاق النار في غزة وتقتيل المدنيين، فضلاً عن استخدام الولايات المتحدة حق النقض (فيتو) لمنع صدور أيّ قرارات تدين الاحتلال الإسرائيلي.

النفط العربي.. سلاح خارج الخدمة !

السياق الحالي، يُعيد إلى أذهاننا ما حدث في أكتوبر 1973، عندما فاجأت الدول العربية المُنتجة للنفط، الدول الداعمة لإسرائيل، خاصّة الولايات المتّحدة الأميركية وهولندا وبريطانيا وكندا واليابان، بحظر تصدير النفط وهو ما أدّى آنذاك إلى ارتفاع أسعار النفط 4 أضعاف، وساهم في تعميق أزمة الركود التضخّمي في الدول الرأسمالية المتقدّمة.

وقبل بدء حظر النفط العربي واستخدامه سلاحا سياسيا في وجه الأزمات والحروب، كانت الأطراف المعنية قد لوحت باستخدامه أداة لتغيير موازين المعركة، وكانت الدول العربية التي تبنت هذا الخيار هي السعودية والعراق وقطر والجزائر والكويت والإمارات.

وقد تركت "صدمة النفط" أثرا كبيرا على واقع الاقتصاد العالمي، وغيرت مسار العلاقات الدولية، ذلك أن المصالح الاقتصادية أرغمت بريطانيا وفرنسا على تبني موقف الحياد ورفض استخدام مطاراتهما لنقل العتاد العسكري إلى إسرائيل.

ورغم أنّ حظر النفط العربي دام أشهرا فقط، فقد كان وسيلة فعالة في ردع الكثير من الدول، كما مكّن الدول العربية من زيادة الأسعار وأعطاها السيادة في الإنتاج والتصدير.

ومع اشتداد القصف الصهيوني على قطاع غزة، منذ تاريخ 7 أكتوبر 2023، وفي ظلّ فشل مساعي السلام، فإنّ النفط كقوّة ضغط بأيادي الدول العربية لم يتمّ استعماله كسلاح لوقف حرب الإبادة التي يشنّها الكيان الصهيوني المحتل على الشعب الفلسطيني في غزّة !

المملكة العربية السعودية لا تبحث حاليا إمكانية استخدام سلاح النفط 

الردّ جاء على لسان وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، الأسبوع الفارط، حيث أكّد أنّ المملكة العربية السعودية، لا تبحث حاليا إمكانية استخدام سلاح النفط للضغط من أجل التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وقال خالد الفالح، ردا على سؤال عما إذا كانت الرياض، ستستخدم أدوات اقتصادية بما في ذلك سعر النفط للضغط من أجل التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة: "هذا الأمر لا يجري مناقشته اليوم، المملكة العربية السعودية تحاول تحقيق السلام من خلال المناقشات السلمية".

تملك الدول العربية والإسلامية الكثير من أوراق الضغط التي يمكن استخدامها للتأثير على الكيان الصهيوني والدول الداعمة له والوسائل كثيرة وعديدة، فبأيّ آليات سـُبرهن جامعة الدول العربية أنّها صاحبة قرار؟ أم أنّ بيانها الأخير كغيرها سيظّل حبرا على ورق؟

أمل منّاعي