جيانغوا: نُرحِّب بتونس على قطار التنمية الصينية السريعة
بمناسبة الذكرى الـ73 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، خصّ سفير الصين بتونس جانغ جيانغوا إذاعة موزاييك بالمقال التالي حيث ضمّنه أهم معالم بناء الصين اليوم سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا، كما عرّج على تاريخ العلاقات التونسية الصينية معدّدا المشاريع الثنائية سواء المنجزة حديثا أو التي هي بصدد الإستكمال،
وفي مايلي نص مقال سفير الصين بتونس جانغ جيناقوا:
فلنعمل، معا جميعا، من أجل مستقبل أفضل
--- بقلم سفير جمهورية الصين الشعبية بتونس جانغ جيان قواه
بمناسبة الذكرى الـ 73 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية
يصادف غرة أكتوبر الذكرى الـ 73 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. على مدار 73 عاما الماضية، تحت القيادة القوية للحزب الشيوعي الصيني، وبفضل الجهود المستمرة والتضحيات الشجاعة للشعب الصيني، نجحت الصين في شقّ طريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وتمكنت، بخطواتها السريعة، من اللحاق بامتياز بركب العصر.على مدار 73 عاما الماضية، أحرزت الصين، كذلك، تقدما مهما ونالت اكبار المجموعة الدولية بفضل تمسكها بمبادئ المساواة والاحترام في تعاملاتها مع جميع الدول. كان هدفها في ذلك تحقيق المنفعة المشتركة والحرص على الرفع في درجات التعاون، والسعي الصادق إلى إقامة شراكة في مجال التنمية العالمية القائمة على قيم التضامن والمساواة والتوازن والمنفعة المشتركة. هذا التمشي سمح بضخ قوة دافعة جديدة للسلام والتنمية العالميين.
إن الصين اليوم، هي ذلك البلد الذي تميز بمسيرة كفاح متواصلة. ففي عام 2021، بلغ حجم الاقتصاد الصيني 17.7 تريليون دولار، وهو ما يمثل 18.5٪ من الاقتصاد العالمي، لتحتل المرتبة الثانية في العالم. لقد حققت الصين، بحلول الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وعودها تجاه شعبها وتميزت بإقامة مجتمع ينعم بالرفاهية وجودة الحياة على نحو شامل. كما نجحت في تحرير 770 مليون من متساكني الأرياف من براثن الفقر، بل نجحت في القضاء تماما على الفقر المدقع. منذ سنة 2022، التزمت الصين بتحقيق التوجهات العامة التي تسعى إلى التقدم مع الحفاظ على الاستقرار، وعملت بكل صدق من أجل السيطرة على الجائحة وضمان الاستقرار الاقتصادي وصيانة الأمن والتنمية. وعملت الصين على رفع تحدي التوفيق بين الوقاية والسيطرة على الجائحة وبين التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فقد رفعت الصين التحدي وتمكنت من تحقيق الحماية والسلامة لأبناء الشعب والحفاظ على صحتهم بأكبر قدر ممكن، كما نجحت الصين في الحفاظ، على الاستقرار وهو الشرط الأساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكان لهذه المجهودات والتوجهات الشجاعة نتائج إيجابية حيث وارتفع، خلال النصف الأول، إجمالي الناتج المحلي السنوي في الصين بنسبة 2.5 بالمائة.
لم تتغير أساسيات الاقتصاد الصيني المتميزة بالصمود القوي والإمكانيات الكبيرة والمجال الواسع للتحرك والتوق دائما نحو الأفضل على المدى البعيد. هذا التوجه ساعد على في خلق ديناميكية قوية ساهمت بشكل فعال في تحقيق استقرار الاقتصاد العالمي وتعافيه. كما سيتيح ذلك من خلق فرص تنموية أرحب لمختلف دول العالم. وتعتزم الصين، من خلال ادراكها العميق للمرحلة التنموية الجديدة وتنفيذ الفلسفة التنموية الجديدة وإقامة المعادلة التنموية الجديدة، من انتهاز فرصة الثورة الصناعية الرابعة لتطوير الأعمال والصناعات المجددة. فقد تم انجاز أكثر من 1.85 مليون محطة قاعدية لـ5 G وهو ما يزيد عن 60 بالمائة من الاجمالي العالمي. وبالتوازي، أنشأت الصين أكبر نظام للضمان الاجتماعي في العالم، يشمل الإحاطة بالمسنين والرعاية الطبية والإسكان والتعليم وخدمات أخرى. وخلقت الصين، سنويا، 13مليون فرصة عمل في مناطقها الحضرية، إلى جانب فرص دخل متوسطة يصل حجمها إلى 400 مليون، تحسنت حياة الشعب في كافة المجالات، ليكون شعور الشعب بالكسب والسعادة والأمن أقوى وأكثر ضمانا واستدامة.
إن الصين اليوم، هي الدولة التي تتميز بالتزامها الثابت بالانفتاح. فبفضل تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، أصبحت الصين أكبر دولة تجارية وأكبر مصدر وأكبر دولة من حيث احتياطي النقد الأجنبي وثاني أكبر مستورد ومستقبلة للاستثمار الأجنبي المباشر في العالم. فبالرغم من الظروف التنموية المعقدة والخطيرة داخل البلاد وخارجها، لن تتزعزع ثقة الصين وعزيمتها على الإصلاح والانفتاح مهما كانت التغيرات. وتعتزم الصين مواصلة مسيرتها في اتجاه تحقيق انفتاح أكبر على المستوى العالمي وتطبيق القائمة السلبية لنفاذ الاستثمار الأجنبي بالكامل وتوسيع قائمة القطاعات المشجعة للاستثمار الأجنبي وتحسين الخدمات لتشجيع الاستثمار الأجنبي وزيادة عدد النقاط التجريبية الشاملة لتوسيع انفتاح قطاع الخدمات.
ففي النصف الأول من هذا العام، بلغ إجمالي حجم الواردات والصادرات3.08 تريليون دولار، بزيادة سنوية قدرها 10.3٪. وبلغ الاستخدام الفعلي للرأس المال الأجنبي 112.35 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 17.4٪. كما نجحت الصين في إقامة المنتدى بوآو الآسيوي واجتماع الحوار الرفيع المستوى للتنمية العالمية، مما قدم منصة جديدة ذات مستوى عال من الانفتاح على العالم الخارجي. بذلك تتقدم الصين، رصيدها في ذلك قوة تفاعلها الجيد مع العالم وسعيها المتواصل لتحقيق التنمية المشتركة.
إن الصين اليوم ، هي الصين التي تتميز بإحساسها القوي بالمسؤولية. في الوقت الراهن، تتشابك وتتفاعل آثار التغيرات، غير المسبوقة في العالم منذ مائة سنة ، إلى جانب تأثيرات جائحة القرن. وأمام ما يشهده العالم، بشكل متواصل، من تحديات أمنية مختلفة، وأمام تعثر عملية التعافي الاقتصادي العالمي، وما سجلته التنمية العالمية من انتكاسات كبيرة، طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي مع الأخذ في الاعتبار ضرورة ضمان الرفاهية للبشرية جمعاء. وقد بذلت الصين قصارى جهدها لدفع التعاون الدولي في مجال مكافحة الجائحة وتقديم المساعدات لذلك. فقد وفرت أكثر من 2.1 مليار جرعة من اللقاحات إلى أكثر من 120 دولة ومنظمة دولية، بما يساهم بشكل إيجابي في سد "فجوة المناعة". وهي تسلك بثبات طريق التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون الذي يعطي الأولوية للبيئة الإيكولوجية. وأعلنت الصين أهدافا طموحة بخصوص بلوغ ذروة الكربون وتحييد الكربون. كما أطلقت "مبادرة أمن البيانات العالمية" التي توفر الشروط الأساسية للاستفادة منها أثناء وضع القواعد العالمية للأمن الرقمي. تعمل الصين مع دول "مجموعة الأصدقاء لمبادرة التنمية العالمية"، ومن ضمنها تونس، على بناء شبكة تعاون في مجال الزراعة والتعليم ومكافحة الأوبئة وتغير المناخ وغيرها. كما قدمت المزيد من المساعدات الإنمائية للبلدان النامية، بما فيها تونس، من خلال إنشاء "صندوق الصين-الأمم المتحدة في السلام والتنمية" و"صندوق التنمية العالمية والتعاون جنوب -جنوب".
في غضون شهر سينعقد المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني، الذي يعتبر مؤتمرا مهما للغاية إلى جانب توافق موعده مع التوقيت الحيوي الذي يصادف إطلاق مسيرة جديدة لاستكمال بناء دولة اشتراكية حديثة على نحو شامل والبدء بالتقدم نحو تحقيق أهداف الكفاح عند الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية. سيتخلل المؤتمر الاستعراض الشامل للإنجازات الهامة والخبرات الثمينة لعملية الإصلاح والانفتاح في الصين. كما سيكون مناسبة لوضع البرامج التنفيذية والسياسات والمبادئ العامة التي تهدف إلى تحقيق مواكبة أفضل لمتطلبات القضايا في الصين وتطورها والاستجابة لتحديات العصر الجديدة ومواصلة المسيرة من أجل تحقيق تطلعات الشعب الجديدة. سنلتزم بتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية عبر التحديث على النمط الصيني، وسنواصل العمل على الدفع بإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية وتوفير الفرص الجديدة للعالم عبر التنمية الجديدة في الصين، بما يساهم بالحكمة والقوة في السلام والتنمية في العالم وتقدم الحضارة البشرية.
قبل 58 عامًا، قام رئيس مجلس الدولة تشو إن لاي والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وتونس تحدوهما في ذلك الرغبة الصادقة "لإيجاد أرضية مشتركة مع ترك الخلافات جانبا" وهو ما يؤكد تأصل الحكمة السياسية البارزة، وجسد ذلك قصة رائعة في تاريخ العلاقات الدولية. وعلى مدى السنوات الـ 58 الماضية، حرصت الصين وتونس على اعتماد الرغبة الصادقة لإقامة العلاقات الدبلوماسية واغتنمتا الفرص التاريخية للتطور، ومضت الصين وتونس قدما، يدا بيد، على طريق التنمية والنهضة الوطنية. وحقق التعاون بين البلدين إنجازات ملحوظة في مختلف المجالات، كما شهدت علاقات الصداقة بين البلدين تطورا مستمرا.
اليوم، ونحن نقف عند مفترق طرق التاريخ، نتطلع إلى مستقبل مشرق للعلاقات بين البلدين ولدينا ثقة كاملة لتحقيق ذلك. إننا اليوم مطالبون بمزيد البذل من أجل تعزيز التعاون الثنائي ودعم أواصر الثقة السياسية المتبادلة. فعلى الرغم من الاختلافات في الأنظمة الاجتماعية والأيديولوجية، تواصلت علاقات الصداقة بين الصين وتونس في كنف الاحترام المتبادل، مع التمسك بأن تكون المعاملات بين البلدين على قدم المساواة، تتميز بالتفاهم والدعم المشترك بشأن القضايا التي تمس المصالح الجوهرية والاهتمامات الكبرى للبلدين.
وتتخذ الصين وتونس موقفا مشتركا فيما يتعلق بقضايا السيادة والاستقلال والحكم الذاتي، وتعارض التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتسعى للحفاظ على الاختيار المستقل لمسار التنمية. وتقدر الصين الدعم القوي الذي يقدمه لها الجانب التونسي في القضايا المتعلقة بمصالحها الأساسية، وهي ستواصل دعم جهود تونس لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة ورفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية تحت أي ذريعة، مع الرفض الكامل لأية محاولات لوضع مستقبل الدولة ومصيرها تحت سيطرة أطراف خارجية.
نحن اليوم مطالبون، أكثر من أي وقت مضى، بتعميق التعاون متبادل المنفعة والسعي لتحقيق التنمية والازدهار المشترك. دخلت الصين مرحلة جديدة من التطور وهي تعمل الآن بنشاط على بناء نمط تنموي جديد. وهي ترحب بتونس على متن قطار التنمية الصينية السريعة لاغتنام فرص التنمية الجديدة. لقد شارك وزير الخارجية التونسي السيد عثمان الجرندي مؤخرا في الاجتماع الوزاري لمجموعة أصدقاء مبادرة التنمية العالمية برئاسة عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ يي في نيويورك لمناقشة خطط التعاون لتعزيز الالتحام الاستراتيجي وتنفيذ مبادرات التنمية. لقد حقق التعاون العملي بين الصين وتونس نتائج مثمرة، وشهدنا منذ بداية هذا العام تسليم معهد التكوين الدبلوماسيين من الجانب الصيني إلى الجانب التونسي، واستكمال انجاز مشروع بناء المركز الثقافي والرياضي للشباب ببن عروس، والتقدم السريع في انجاز مشروعي سد "ملاق" الجديد ومحطة معالجة مياه الصرف الصحي في سوسة. وستواصل الصين التعاون مع تونس في مشاريع واسعة النطاق في مجالات الاقتصاد الأخضر والاقتصاد الرقمي بما يساعد على تحقيق التحول والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
يصادف، العام المقبل، الذكرى السنوية العاشرة لمبادرة "الحزام والطريق"، وهو ما يتطلب منا جميعا السعي لاستكشاف الفرص الجديدة وتثمين الإنجازات السابقة والاستفادة من الزخم الإيجابي بهدف تحقيق تنمية عالية الجودة بشكل مشترك، وتعميق التعاون متبادل المنفعة بين الجانبين وتقديم منافع أكبر للشعبين. إنه يتوجب علينا تعزيز التواصل الإنساني والثقافي وتوطيد الروابط الشعبية بين البلدين.
الأكيد أنه يوجد تقارب طبيعي بين الشعبين. فقد ساهم التعاون في مجال العلوم الانسانية في وضع أسس متينة وآفاق واسعة في عديد المجالات. ففي الفترة الأخيرة، أصبح تعلم الصينية أكثر انتشارا في تونس، وقام معهد كونفوشيوس بجامعة قرطاج، منذ إنشائه، بتدريب أكثر من 2000 متعلم للغة الصينية، ولاقت مسابقة "جسر اللغة الصينية" الكثير من الاهتمام في المجتمع التونسي . وأصبحت الثقافة الصينية والكونغ فو الصيني والطب الصيني التقليدي أكثر شعبية في تونس. ويوفر بروتوكول التعاون الثقافي للسنوات 2021-2024 ، الذي تم توقيعه في بداية هذا العام، عديد الضمانات والمبادئ التوجيهية للمبادلات والتعاون في المجال الثقافي بين البلدين، وسيعمل الجانبان على توسيع التعاون في مجالات الإعلام والتعليم والثقافة والسياحة والصحافة وعلم الآثار والمبادلات المحلية، إلى جانب إنشاء نمط جديد من العلاقات الإنسانية المتنوعة والتفاعلية بما يجعل العلاقات بين الصين وتونس أكثر متانة وعمقا إلى جانب ما تتميز به من صداقة دائمة بين الشعبين.
قال الرئيس التونسي قيس سعيد إن العالم قد دخل مرحلة جديدة في التاريخ ويجب علينا أن نتحمل فيها مسؤولية تاريخية جديدة ومواصلة توحيد الجهود لمواجهة الصعوبات. وأشار الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى أنه علينا أن ندرك الاتجاه العام لتنمية العالم ونرسّخ الثقة ونتخذ الخطوات الملموسة في ذلك. إن الصين وتونس دولتان ناميتان، ويتطلع كلا الشعبين إلى التنمية والازدهار. ومع التطلع إلى المستقبل، فإن الصين على استعداد للعمل مع الجانب التونسي لتعزيز التعاون في البنية التحتية والصحة والسياحة والتنمية الخضراء والتبادلات الإنسانية، لإثراء جوهر التعاون الصيني التونسي بشكل مستمر، وتشجيع الشركات الصينية المؤهلة على الاستثمار في تونس لمساعدتها على تحويل مزايا موقعها الاستراتيجي إلى مزايا تنموية في مجالات مثل الصادرات وسوق العمل.
لنكن واثقين ولنستمر في المضي قدمًا جنبًا إلى جنب على طريق التنمية والنهضة الوطنية، والعمل معا على كتابة فصل جديد في تاريخ الصداقة الصينية التونسية، وبناء شراكات أكثر ديناميكية وفعالية وشمولية، وخلق حقبة جديدة من الازدهار والتنمية المشتركة.