الأبعاد التاريخية للصراع الروسي الأوكراني
ما يزال التصعيد سيّد الموقف في الأزمة الروسية الأوكرانية رغم المساعي والجهود الديبلوماسية المبذولة للتدخّل بين روسيا والولايات المتّحدة لإيجاد حلّ سلمي بسبب المخاوف من التداعيات الجيوستراتيجية والإقتصادية في حال إندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا التي تدعمها الولايات المتحدة بالأسلحة والأموال.
وبالإضافة إلى الأسباب الإستراتيجية والصراع المستمرّ على النفوذ بين الشرق والغرب ، فإنّ للأزمة أبعادا تاريخية حيث يعتبر الروس أوكرانيا جزءا لا يتجزّأ من الأراضي الروسية خاصة وأنّها لطالما كانت خاضعة للنفوذ الروسي لعدة قرون إضافة إلى ما يجمع البلدين من ارث ثقافي واثني موحد، حيث تضمّ أوكرانيا نسبة كبيرة من المواطنين من أصول روسية وهم أغلبية في عدد من الأقاليم على غرار إقليم القرم الذي ضمّته روسيا إليها في سنة 2014.
ولطالما كانت العلاقات متشعبة بين روسيا وأوكرانيا منذ القرن التاسع ميلادي. وتنقسم أوكرانيا إلى جزئين، يضمّ جزءه الشرقي أغلبية ناطقة باللغة الروسية.
إمارة كييف... مهد الدولتين الروسية والأوكرانية الحديثتين
في القرن التاسع ميلادي تأسّست "إمارة كييف التي تمثّل مهد الدولتين الروسية والأكرانية الحديثتين. وفي القرن الثالث عشر ميلادي انقسمت هذه القطعة الجغرافية إلى جزئين، الجزء الغربي تحت التأثير البولوني اللتواني، اما الجزء الشرقي فكان تحت التأثير الروسي.
وفي القرن الثامن عشر استكملت الإمبراطورة ''كاثرين الثانية'' السيطرة على الجزء الغربي من أوكرانيا الحالية إضافة إلى قنال القرم وتمّ ادماجهما تحت الراية الروسية.
خروتشوف يهدي القرم لأوكرانيا
ولإقليم القرم على وجه الخصوص أهمية استراتيجية بما أنّه يمكّن روسا من الحصول على منفذ على البحر الأبيض المتوسّط. ولم يخضع إقليم القرم سابقا لأوكرانيا قبل سنة 1954 عندما قرّر نيكيتا خروتشيف، إهداء هذا الإقليم إلى جمهورية أوكرانيا الإشتراكية.
ولم يكن لهذا أي أهمية في ذلك الوقت بما أنّ أوكرانيا كانت تابعة للإتحاد السوفياتي سابقا. ولكن اختلف الأمر مع انهيار الإتحاد السوفياتي واعلان أوكرانيا استقلالها وهو ما اُعتبر خيانة من قبل النخب في روسيا التي تعتقد أنّ مصير البلدين ينبغي أن يبقى موحّدا، ومثّل هذا الإنفصال اشكالا خاصة بالنسبة لـ 17 بالمائة من الأوكرانيين المنحدرين من أصل روسي القاطنين بأوكرانيا.
ومع انفصال أوكرانيا خسرت روسيا إقليم القرم ومثّل ذلك مصدر توتّر دائم بين الدولتين.
روسيا تستعيد ''هديتها''
في سنة 2014 وبعد توقف مفاوضات انضمام أوكرانيا للإتحاد الأوروبي جدّت أحداث عنف وانتفاضات من قبل الموالين للإتحاد الأوروبي وانتهت تلك الأحداث بالإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانيكوفيتش، المقرب من موسكو.
وتولّت الحكم أطراف موالية للغرب وسرعان ما صادق البرلمان الأوكراني على إلغاء الروسية كلغة رئيسية ثانية في البلاد.
واندلعت مظاهرات واحتجاجات من قبل المواطنين الناطقين باللغة الروسية. كما اندلعت في عدد من الأقاليم الشرقية للبلاد أعمال مسلّحة من قبل حركات انفصالية مدعومة من روسيا، ضدّ السلطات الأوكرانية على غرار إقليم الدونباس، حيث ما تزال المواجهات بين الإنفصاليين والسلطات المركزية متواصلة.
وتولّت مجموعات مسلّحة، يُعتقد أنّها روسية، السيطرة على إقليم القرم، وأعلنت روسيا لاحقا ضمّه إليها بعد تنظيم استفتاء في الإقليم صوت أغلب سكانه، المنحدرين من أصول روسية، لصالح الإنضمام للـ ''وطن الأم''، وهو القرار الذي لا يعترف به الغرب ويعتبرونه مخالفا للقانون الدولي.
لكن وجود روسيا في مجلس الأمن الدولي واستخدامها حقّ ''الفيتو'' يمنع من ايجاد حلّ سلمي للأزمة.
المساعي التوسعية للناتو من الأسباب المباشرة للأزمة الراهنة
وغذّت الأزمة المساعي التوسعية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) باتجاه الشرق بنية انضمام أوكرانيا للحلف،حيث تعارض موسكو أيّ توسّع للناتو وتعتبر ذلك تهديدا استراتيجيا لها.
* إعداد شكري اللّجمي