الأزمة الليبية: أي دور لتونس بعد الغياب عن مؤتمر برلين ؟
خلّف رفض تونس دعوة ألمانيا 'المتأخرة' للمشاركة في مؤتمر برلين حول الملف الليبي أراء متباينة في صفوف السياسيين والمهتمين بالشأن الليبي.
فهناك من اعتبر أن تونس كان عليها قبول الدعوة رغم تأخرها وعدم تفويت فرصة الحضور في هذا الحدث الدولي الهام وفي المقابل هناك من اعتبر أن تونس لم تخسر بعدم مشاركتها في مؤتمر برلين وقد يُشعر موقفها الرافض لدعوة ألمانيا ،الأطراف الليبية والدولية بضرورة تشريك تونس مستقلا وبشكل فعّال في أي تحرك أو مؤتمر قادم.
فأي دور لتونس بعد الغياب عن مؤتمر برلين الذي أجمع أغلب المتابعين للملف الليبي أن نتائجه كانت هزيلة ولم ترتق إلى مستوى حّل ينهي الصراع المتواصل في الدولة المجاورة لتونس؟
الأزمة الليبية : مؤتمرات عديدة وحلول ضعيفة
اعتبر الدبلوماسي السابق توفيق وناس في تصريح لموزاييك أن مؤتمر برلين لم يحقق أهدافا هامة لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الأمنية العسكرية مبينا أنه لا يرى أسباب إضافية لتحقيق هذه الأهداف خاصة بعد فشل عديد المؤتمرات انطلاقا من مؤتمر الصخيرات إلى مؤتمر باليرمو ومؤتمر باريس وصولا إلى مؤتمر موسكو الذي سبق مؤتمر برلين بحوالي 10 أيام.
وشدد وناس أن الوضعية لم تتغير رغم كل هذه المؤتمرات ومازال الانسداد ذاته الواقع على الأرض من الناحية العسكرية بين المشير حفتر وحكومة السراج إضافة إلى الانسداد الموجود في المصالح المتعارضة لكل الدول التي تلعب دورا في الملف الليبي.
وأوضح الدبلوماسي السابق أن هذه الدول ذهبت إلى مؤتمر برلين ولم تتمكن من تحقيق حل سياسي متفق عليه ووقف لإطلاق النار بصفة قطعية وملموسة مشيرا إلى أنه وقع تكليف الأمم المتحدة بعقد اجتماعات بين العسكريين من جانب الطرفين الليبيين المتنازعين ووقع الاتفاق على عدم الإضرار عسكريا بالمنشآت النفطية في ليبيا وطلب تعزيز الهدنة في البلاد.
حصيلة هزيلة لمؤتمر برلين
واعتبر توفيق وناس أن هذه النتائج المعلن عنها اثر مؤتمر برلين هزيلة خصوصا أنه وقع الاتفاق حولها في الاجتماعات السابقة إضافة إلى التنصل من قبل الأطراف الليبية خصوصا وأن رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج لم يكن مشاركا فعالا جدا في مؤتمر برلين إضافة إلى مغادرة المشير خليفة حفتر لمؤتمر موسكو دون توقيع أي اتفاق .
وبين أن مؤتمر برلين الذي يأتي بعد حوالي أسبوع من عقد مؤتمر موسكو حول الملف الليبي لم يأت بأي نتائج ملموسة ولم يأت بأي تغييرات على أرض الواقع خصوصا بعد التدخل العسكري المتواصل الذي ينفذه خليفة حفتر بمساعدة بعض الدول على غرار مصر والإمارات والتدخل التركي الواضح والتدخل شبه المقنع من الدولة الروسية.
تونس لم تخسر بعدم مشاركتها في مؤتمر برلين
وصرّح الديبلوماسي التونسي السابق أن نتائج مؤتمر برلين تؤكد أن تونس لم تخسر شيئا بعدم حضورها في هذا المؤتمر خصوصا وأن الدبلوماسية التونسية في الملف الليبي تعتبر هزيلة جدا منذ اندلاع الأزمة في هذا البلد شقيق فضلا عن غياب رؤية حقيقية منذ سنة 2014 في ديلوماسية تونس تجاه الملف الليبي. وبين أن غيابها عن مؤتمر برلين نتيجة لكل الضعف الذي تشهده الديبلوماسية التونسية .
وأضاف توفيق وناس أن رفض المشاركة في مؤتمر برلين بعد وصول الاستدعاء بشكل متأخر وعدم مشاركة تونس في الأعمال التحضيرية لكل هذه المؤتمرات وخاصة مؤتمر برلين قد يشعر الأطراف الليبية والدولية بضرورة تشريك تونس في أي تحرك أو مؤتمر قادم.
وشدد على هذا الرفض لم يأت بنتيجة سلبية على تونس وقد يكون حافزا وناقوسا لكل الدول الأخرى بأن تونس لديها موقف ودور قد تلعبه مستقبلا ويحسب لها حساب في مستقبل الجهود من أجل تحقيق الأمن والسلام وإعادة الإعمار في ليبيا.
وفي المقابل اعتبر الناشط الحقوقي والمختص في الشأن الليبي مصطفى عبد الكبير أن تونس هي الدولة الأولى المفترض أن تتواجد على كل طاولات الحوار حول الملف الليبي خصوصا وأن بلادنا التي لا تعتبر قوة عسكرية واقتصادية كبرى إلا أنها تملك مالا تملكه دول أخرى.
وبدوره اعتبر لمحلل السياسي المختص في الشأن الليبي غازي معلى قرار تونس رفض المشاركة في مؤتمر برلين رغم الدعوة المتأخرة مجانب للصواب ،لأن وجود تونس في مثل هذه المؤتمرات والملتقيات يعطي تونس إشعاعا اكبر ويجعلها داخل المطبخ الدولي حول ما يحاك لنا في المنطقة من أي قرارات دولية أو غيرها . وتباع ''وكان لا بد من حضور تونسي ولو حتى على مستوى أقل من رئاسة الجمهورية سواء على مستوى وزارة الخارجية أو رئاسة الحكومة ..كان لا بد من وجود ممثل للدولة التونسية خصوصا وان هذا المؤتمر يرسم خطوط التماس حول ما يقع في ليبيا بين شقين أصبحا واضحين، الأول هو التركي الروسي من ناحية والطرف الأوروبي من ناحية أخرى (فرنسا وألمانيا وايطاليا ) والطرف الأمريكي الذي يعدّل بين هذا الشقين .
دور تونس مستقبلا في الأزمة الليبية
وشدد الديبلوماسي السابق توفيق وناس على ضرورة تحديد تونس لموقف واضح بخصوص مصالحها في ليبيا.. مشيرا إلى أن الدبلوماسية التونسية بقيت منذ 2014 مجرّد إعادة إعلان مبادئ (رفض التدخل الأجنبي والتمسك بالشرعية وتونس ليبيا شعب واحد في بلدين) وهو كلام فضفاض حسب الديبلوماسي السابق داعيا إلى اتخاذ موقف واضح بخصوص الملف الليبي بهدف الدفاع عن مصالحنا.
وقال في هذا السياق إن ''المشاركة التونسية يجب أن تكون مستقبلا بهدف الدفاع عن مصالحنا في أي حل من الحلول بخصوص الأزمة الليبية.. ماهي مصالحنا بالضبط ''. وتابع بـ''أن تونس لم تضبط قائمة مصالحها ورؤيتها في حالة حلّ الأزمة الليبية وما دام لم يقع هذا الأمر فيجب أن تقع أي مشاركة في المستقبل على هذه النظرة ''حسب رأيه.
من ناحيته، شدد الخبير في الشأن الليبي غازي معلى على أن مؤتمر برلين لم يوفق في جمع طرفي النزاع الليبي حول طاولة حوار ولم تبدأ إلى غاية هذه الساعة نقاشات جدية وهذا ما يبين أن مستوى الثقة وصل إلى الصفر بين طرفي الصراع الليبي ولم يرتق مؤتمر برلين إلى الرفع من مستوى الثقة بينهما.
وقال معلى أن ''تونس إذا أرادت أن تلعب دوارا مهما في الملف الليبي فعليها السعي إلى ترميم الثقة بين الفرقاء الليبيين وإعادة بنائها خطوة بخطوة مؤكدا أن تونس لديها من الأدوات الدبلوماسية والاجتماعية والعلاقات الرسمية وغير الرسمية ما يكفي لتوظيفها لترميم هذه الثقة".
تونس تدفع الثمن رغم امتلاكها لنقاط القوة
واعتبر الناشط الحقوقي والمختص في الشأن الليبي، مصطفى عبد الكبير أن تونس تدفع الضريبة رغم أنها أكثر دولة تملك نقاط القوة التي يمكن الارتكاز عليها وتجعلها موجودة في كل المؤتمرات حول ليبيا .وأوضح في هذا الصدد أن تونس تمثّل عمقا استراتيجيا لليبيا ويجمع البلدين حدود مترامية الأطراف بحرا وبرا فضلا عن استضافة تونس على أرضها لكل الفرقاء الليبيين من الشرق والغرب ومن الشمال والجنوب وكافة الفصائل المتقاتلة .كما أن تونس لا تفرض التأشيرة على الليبيين وتتقاسم المواد الغذائية والاستهلاكية والاستشفائية المدعومة مع الأشقاء الليبيين وتم استنزاف قواتها الأمنية والعسكرية المرابطة على الحدود نتيجة الوضع المتردي في ليبيا ويجعلها دائما في حالة طوارئ.
*كريم وناس*
(صورة من الأنترنت)