languageFrançais

دافوس 2025: صراع الذكاء الاصطناعي والتوترات العالمية هل من مخرج؟

دافوس 2025: صراع الذكاء الاصطناعي والتوترات العالمية هل من مخرج؟

منذ انطلاقه قبل أكثر من 50 عامًا، أصبح منتدى دافوس الاقتصادي العالمي محط اهتمام دولي لكل القادة من الحكومات، قطاع الأعمال، المجتمع المدني، والمجالات الأكاديمية. 

هذا العام، في نسخته لعام 2025، ينعقد المنتدى الاسبوع الحالي في سويسرا تحت شعار "التعاون من أجل العصر الذكي"، حيث سعى المنتدى للتصدي للتحديات الكبرى التي تواجهها البشرية في ظل التوترات الجيوسياسية، الأزمات الاقتصادية المتواصلة، وتسارع التطور التكنولوجي، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي.

يشارك في المنتدى العديد من القادة البارزين من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا. 

كما شارك أكثر من 1600 من قادة الأعمال وصناع القرار من مختلف الصناعات. هذه المشاركة الواسعة شكلت منصة عالمية لتبادل الآراء حول التحديات الاقتصادية والسياسية المستمرة.

التحديات الرئيسية في دافوس 2025

منتدى دافوس 2025 كان نقطة التقاء مهمة للتباحث حول قضايا عالمية تمس الاستدامة، الأمن الاقتصادي، وتوظيف التكنولوجيا لتحقيق النمو.

أكد بورج بريندي، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، على أن العالم يواجه فترة من عدم اليقين، حيث تزايدت التوترات الجيوسياسية بشكل ملحوظ، بما في ذلك النزاعات المسلحة بين الدول، وتفشي الجريمة المنظمة، مما يتطلب تعاونًا غير مسبوق بين الدول لمواجهتها.

وفي كلمته أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الأربعاء، أشار الأمين العام إلى تركيز المنتدى هذا العام على التعاون من أجل العصر الذكي، واصفا ذلك بأنه "رؤية نبيلة". لكنه قال: "دعونا نواجه الأمر. عندما ينظر كثير من الناس حول العالم، فإنهم لا يرون الكثير من التعاون. وربما لا يرون في أذهانهم ما يكفي من الذكاء".

وأضاف: "يجب علينا التعاون حتى تستفيد جميع البلدان والشعوب من وعد الذكاء الاصطناعي وإمكاناته لدعم التنمية والتقدم الاجتماعي والاقتصادي للجميع. من خلال الاستثمار في الإنترنت بأسعار معقولة، ومحو الأمية الرقمية، والبنية الأساسية التي تسمح لكل دولة بتسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي".

وقال الأمين العام "الآن هو الوقت المناسب للاستيقاظ على هذه التحديات الوجودية - ومواجهتها وجها لوجه. بصفتنا مجتمعا عالميا، يجب أن نتحمل هذه المسؤولية العظيمة".

كما حذرت نائبة المدير الإداري الأولى لصندوق النقد الدولي "جيتا جوبيناث" من السياسات التجارية الحمائية التي يعتزم الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" اتباعها عن طريق فرض تعريفات جمركية مرتفعة.

وقالت "جوبيناث" على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس: "التهديد بالتعريفات الجمركية بعيد عن بيئة التجارة العالمية القائمة على مجموعة من القواعد، مشيرة إلى أنه من السابق لأوانه تقييم هذه السياسات.

وأضافت أنه يجب الانتظار حتى تتضح آفاق سياسات "ترامب" المتعلقة بالتجارة الخارجية، وكيفية رد الدول الأخرى على هذه السياسات، والتي قد يكون لها تأثير كبير على نمو الاقتصاد العالمي، حسبما نقلت شبكة "سي إن بي سي".

وتابعت أن توقعات الصندوق لنمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.3% على مدار عامي 2025 و2026، لم تأخذ في الاعتبار التعليقات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس الأمريكي، والتي أشار فيها إلى احتمالية فرض جمارك مرتفعة على العديد من الدول اعتبارًا من فيفري القادم.

كلمة ترامب المرتقبة

يعتزم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم التوجه بكلمة إلى قادة الأعمال والسياسة العالميين عبر تقنية الفيديو كونفرنس في ختام فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي 2025 في دافوس. وتعد هذه الكلمة أول خطاب رئيسي له في السياسة الخارجية منذ توليه منصبه رسمياً يوم الاثنين الماضي.

وفقاً لتقارير شبكة “سي إن بي سي” الأمريكية، من المتوقع أن تتضمن كلمة ترامب رؤيته للقضايا الاقتصادية والسياسية العالمية، بما في ذلك الصراع في الشرق الأوسط وأزمة أوكرانيا. 

وكان الرئيس الأمريكي قد دعا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى الدخول فوراً في مفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مهدداً بفرض المزيد من الضرائب والعقوبات على روسيا إذا استمر النزاع.

استقرار الاقتصادات

تصدرت قضايا مثل الحرب الروسية الأوكرانية والتوترات الإقليمية الأخرى قائمة المخاوف العالمية في استبانة شملت أكثر من 900 خبير في المنتدى. 
ورغم استمرار المخاوف من التقلبات الاقتصادية، كانت المخاطر المرتبطة بالتحولات الجيوسياسية و"الصراعات الجيو-اقتصادية" تتصدر الأولويات لهذا العام. 
كما تم تسليط الضوء على أزمة المناخ وأحوال الطقس المتطرفة، والتي ما زالت تؤثر بشكل كبير على استقرار الاقتصادات والشعوب.

الأولويات الخمس للمنتدى

ركز المنتدى على خمسة محاور رئيسية تَعتبر في جوهرها الطموحات العالمية الكبرى:

إعادة تصور النمو: تَجَسَدت هذه الفكرة في كيفية استكشاف الفرص الجديدة للنمو الاقتصادي في ظل الابتكار التكنولوجي، وخاصة الذكاء الاصطناعي.
ناقش الخبراء والمشاركون في المنتدى كيف يمكن أن تساهم هذه التكنولوجيا في تحسين إنتاجية الأعمال وحل مشاكل معقدة في مجالات مثل الصحة والتعليم والطاقة.

الصناعات في العصر الذكي: تناول المنتدى كيف يمكن للصناعات العالمية استخدام التقنيات المتقدمة لتحويل طريقة عملها وتعزيز الكفاءة. من الصناعات الكبرى إلى الشركات الناشئة، كان هناك توافق على ضرورة التكيف مع الثورة التكنولوجية، خاصة فيما يتعلق بتطوير حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء.

الاستثمار في الإنسان: ارتكز المنتدى على أهمية تعزيز التعليم والتدريب المهني لمواكبة التحولات السريعة في أسواق العمل.

في الوقت الذي تزداد فيه الحاجة إلى المهارات الرقمية، كان الهدف تأكيد ضرورة استثمار الدول والشركات في رأس المال البشري لتمكين المجتمعات من التكيف مع التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية.

حماية الكوكب: كانت هذه القضية حاسمة في المنتدى، حيث ناقش المشاركون كيفية مواجهة التحديات البيئية من خلال التحول إلى اقتصاد أخضر، يتضمن الطاقة المتجددة، وتحسين تقنيات الإنتاج لتقليل الانبعاثات الكربونية.

وقد كانت الحاجة إلى التحرك السريع ضد تغير المناخ أحد المحاور التي لم تقتصر على الخطاب بل صاحبها دعوات لتحويل هذه المناقشات إلى خطوات ملموسة.

إعادة بناء الثقة: في ظل التوترات العالمية، كان المنتدى منصة لدعوات لإعادة بناء الثقة بين الدول والشعوب. من خلال تعزيز الحوار بين القادة الحكوميين ورجال الأعمال، سعى المنتدى إلى إيجاد سبل لتعزيز التعاون الدولي والتفاهم، وهو أمر أساسي لتحقيق استقرار عالمي مستدام.

الذكاء الاصطناعي محور اهتمام خاص

من أبرز المواضيع التي نوقشت في دافوس 2025 كان "الذكاء الاصطناعي"، الذي يُعتبر من المحركات الرئيسية للثورة الصناعية القادمة.

منذ ظهور الذكاء الاصطناعي كقوة كبيرة في مجالات التكنولوجيا، أصبح المنتدى منصة رئيسية لتحديد كيفية استخدام هذه التكنولوجيا بشكل أخلاقي.

كان التركيز على أهمية وضع أطر قانونية وتنظيمية تتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، بما في ذلك التعليم، الرعاية الصحية، والصناعات الأخرى.

تساءل الكثيرون عن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل. فقد أظهرت الدراسات المتداولة في المنتدى أن هناك وظائف ستختفي نتيجة للتطور التكنولوجي، بينما سيتم خلق وظائف جديدة تحتاج إلى مهارات جديدة. وعليه، تم التأكيد على أهمية التعليم المستمر والتدريب على المهارات الرقمية لتفادي البطالة التكنولوجية.

يمكن القول إن منتدى دافوس 2025 كان بمثابة نقطة انطلاق لتطوير حلول مبتكرة تجاه أبرز القضايا التي تواجه العالم، من الذكاء الاصطناعي إلى تغير المناخ والاقتصاد العالمي.

في عالم تتزايد فيه التحديات، تبرز أهمية التعاون الدولي كعامل رئيسي في مواجهة الأزمات. من خلال تبادل المعرفة والعمل الجماعي، يسعى المنتدى إلى تشكيل عالم أكثر استدامة وذكاء في السنوات القادمة.

تظل أسئلة عديدة مفتوحة حول قدرة الدول والمؤسسات على تنفيذ الحلول التي تم الاتفاق عليها في دافوس، لكن رسالة المنتدى كانت واضحة "التعاون هو السبيل الوحيد للتقدم في عصر التغيرات الجذرية".

صلاح الدين كريمي