ابن جندوبة.. الأوّل على الآداب .. أو الشاب الذي ركب الصعاب ورام القمم!
وإذ تحلم المتفوّقات في الدورة الرئيسية للباكالوريا بمغادرة البلاد لمزاولة تعليمهن الجامعي في الخارج، وقد تكون المغادرة دون عودة.. لم يبد التلميذ بدر الدين الماجري الشاب الوحيد في قائمة المتفوقين، أيّ رغبة في مغادرة تونس بل تمسّك بالبقاء، معبرا عن رغبته في مواصلة تعليمه داخل الجامعة التونسية ليصبح قاض يدافع عن القضايا العادلة ويساهم في بناء وطنه مع الصادقين والأحرار.
هذه الحياة التي نعيشها مجرد صراع من أجل البقاء.. وسعي دائم لتحقيق احتياجاتنا رغم العناء.. نثابر يوما بعد يوم حتى نبلغ أحلامنا لنستطيع الاستمرار في هذه الحياة التي نادرا ما تنصف، لكنها علمتنا أنه 'لا غنى كالعقل ولا فقر كالجهل'، وأن الظروف الاجتماعية الصعبة صنعت عظماء ومجد حكماء رغم الفقر وقلة ذات اليد.
والنجاح يأتينا اليوم من ولاية جندوبة التي اعتلت ''منصة التتويجات'' أمس إبان الإعلان عن نتائج الدورة الرئيسية للباكالوريا، بعد أن تمكن 'بدر الدين' من النجاح بمعدل 16.81 في شعبة الآداب وهو الأوّل وطنيا .
'بدر الدين'.. ابن معهد أبو القاسم الشابي بغار الدماء، أكد في تدوينة نشرها على فيسبوك أن ''ما مِنْ شيْ يجعلنا عظماءَ كالألمِ العظيمِ''، مقرا بأنه يعيش وضعا اجتماعيا مترديا لكن ذلك لم يمنعه من الإصرار على بلوغ القمم والنبش بكل ما أوتي بحثا عن الأمل في مستنقعاتِ اليأس، وسعيا وراء الحياة في كهوف الموتِ.
وتوجّه بالشكر لعائلته ولمن درّسه، داعيا المسؤولين إلى الالتفاتِ إلى المناطق النائية والاهتمام بالكادحين لأنّ "فيها رجالا صادقين لا يبغون إلاّ صلاح تونس وفلاحها"، وفق تعبيره.
هو لا يأمل سوى في غد أفضل وظروف أحسن في الجامعة ليتمكن من تحقيق أحلامه والتعويض لوالديه، قائلا 'شكرا للجميع، من درسني، من فرح معي، ولستُ أرجو من الله إلاّ أنْ تتوفّر لي ظروف في الجامعة أفضل من هذه الظروف لأحقق أحلامي، وأعوّض والديّ وأنفع بلادي وأساهم في بنائه مع الوطنيين والصادقين والأحرار... لذلك أدعو المسؤولين إلى الالتفاتِ إلى المناطق النائية والاهتمام بالكادحين لأنّ فيها رجالا صادقين لا يبغون إلاّ صلاح تونس وفلاحها...
وفي ما يلي نص التدوينة :
أنا بدر الدين الماجري نجحتُ بنعدّل 16.81 الأوّل وطنيّا، شعبة الآداب، أحمد الله وأشكره على فضله ونعمته، مَنّى عليّ بالنجاح ووفّقني لإرضائه وإرضاء والديّ الكادحيْن...
أشكرُ كلّ المحيطين بي من الصادقين، وأوّلهم أبي الذي حرمَ نفسه وكدحَ وجاهد من أجلي أنا وإخوتي...
" ما مِنْ شيْ يجعلنا عظماءَ كالألمِ العظيمِ " هكذا كان يقول لي أستاذي الجليل منير الجامعي، فيبدّدُ وجعي:
• وضع ماديّ أقلّ من المتوسط...
• وضع اجتماعي متردّي...
• بعد المسافة بين مسقط رأسي (الدخايلية) ومكان الدراسة غارالدماء)
• أغادر المنزل السادسة والنصف وأعود إليه بد السابعة بواسطة الحافلة المشؤومة...
• أقضّي فترة الراحة أمام المعهد أو في المقهى (لتناول فطور منتصف النهار...)
كلّ ذلك جعلني أنبش بأظفري وأسناني بحثا عن الأمل في مستنقعاتِ اليأس، وسعيا وراء الحياة في كهوف الموتِ...
الحمد لله لستُ أشكو أو أستجدي، ولكن لِيعلمَ أترابي ويتعلّموا أنّه لا شيء مستحيل...
وليعلمَ الجمعُ أنّ ورائي رجلا عظيما: بقسوته وحنيّته وغضبه ولينه، بنصائحه وتوجيهاته بعمله الذي أشقانا وأمتعنا، وأغنانا وأعفانا من البحث عن المعلومة خارج القسم، إنّه لا يفارقنا أبدا في القسم وأمام المعهد ويتواصل معنا بالهاتف وقت الحاجة والأجملُ أنه خصّص لنا صفحة مغلقة (رابعة آداب 1 أبو القاسم الشابي) يدرّسنا من خلالها عن بعد أوقات الانقطاع، ويسجّل دروسا إضافيّةً ويرسلها إلينا...(تراوحت معدّلي عنده بين 08 و16، وكان دائما يغضبُ ويقول لي بإمكانك الحصول على 18، فأضحك خفيةً واستغرب، ولكن تحقق الحلم وتحصلتُ على 17.5 فقط) إنه قدوتي الأستاذ الفاضل منير الجامعي أعانه الله وجازاه خيرا وكلّ أساتذتي فردا فردا...
شكرا للجميع، من درسني، من فرح معي، ولستُ أرجو من الله إلاّ أنْ تتوفّر لي ظروف في الجامعة أفضل من هذه الظروف لأحقق أحلامي، وأعوّض والديّ وأنفع بلادي وأساهم في بنائه مع الوطنيين والصادقين والأحرار... لذلك أدعو المسؤولين إلى الالتفاتِ إلى المناطق النائية والاهتمام بالكادحين لأنّ فيها رجالا صادقين لا يبغون إلاّ صلاح تونس وفلاحها...