القصرين: عمّال النظافة جنود من نوع آخر
بعد موعد الإفطار مباشرة تنطلق الشاحنة القديمة من مستودع بلدية القصرين ويسير حولها أكثر من 10 عمال تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والخمسين عاما، نحو شوارع المدينة وأزقتها لتنظيفها.
بأزيارهم التي تحمل اللون البرتقالي يغوصون في عمل شاق لا ينتهي قبل طلوع الفجر. عمال النظافة، جنود من نوع آخر، يجمعون ما تركه التجار والمواطنون من نفايات لم يتراجع حجمها بمفعول الأزمة التي لم تمنعهم بدورهم من مواصلة الكدّ من أجل مدن نظيفة.
ينطلق علي، 47 سنة، ليحمل ما برز من بقايا مواد استهلاكية في محيط السوق المركزية بالقصرين في حركة تعود عليها منذ اختياره لمهنة متعبة وشاقة. ساعات طويلة من الذهاب والإياب من وإلى الشاحنة التي يلقي فيها القمامة المتراكمة على قارعة الطريق بعد رفعها.
رغم ضعف ما يتلقاه من أجر مقابل مجهوده المضني، ورغم النظرة الدونية من قبل البعض لمهنته، يعتبر علي نفسه جندي يخدم وطنه قبل الأزمة واثناءها وبعدها ويشدد على أن واجبه المهني والمجتمعي هما المحفزان الرئيسيان له من أجل إتقان ما يقوم به.
جزء كبير من عمال النظافة هم من أعوان الحضائر الذين يتقاضون أجرا لا يزيد عن 400 دينار شهريا، دون منح تذكر، رغم حجم المخاطر المحيطة بهم جراء ما يجمعونه من نفايات قد تكون سامة أو حاملة لمرض ما في بعض الأحيان.
قيس، 36 سنة، هو واحد من عمال الحضائر العاملين في مجال النظافة منذ سنة 2011. يخاطبنا ماسحا لعرق أندى جبينه من جراء مجهوده في ساعات العمل، ليؤكد على أنه لا يقوم صحبة رفاقه بأكثر من واجبهم الذي حتمته عليهم مسؤولية المحافظة على نظافة المدينة. لكنه يذكر بوضعيتهم المهنية الهشة ويطالب بترسيمهم والعناية بهم ككل القطاعات المهنية العمومية الأخرى.
من جانبه، يؤكد رئيس بلدية القصرين محسن المدايني في تصريحه لموزاييك، على ضرورة تكريم جنود النظافة عبر الحديث عن مجهوداتهم على الأقل، بعد ما بذلوه خلال أزمة الكورونا.
رغم حجم المسؤوليات الموكولة إليهم وقلة الإمكانيات بالإضافة إلى كميات القمامة الكبيرة التي سيتعاملون معها إلى حدود قدوم اليوم المقبل، فإن ابتسامة الرضا لا تغيب عن محياهم. ابتسامة تخرج من بين روائح كريهة لا يقترب من مصدرها إلا عمال ارتقوا إلى درجة جنود من نوع خاص، ينظفون بتفان ما لوثه غيرهم ليحلموا بعد كل ذلك بمستقبل أفضل يضمن حقوقهم التي أفنوا أعمارهم فلم يتحصلوا إلا على جزء مجهري منها.
برهان اليحياوي