languageFrançais

يمشون كيلومترات من جبل السلّوم نحو المدرسة.. أطفال عبّدت طريقهم بالتعب

بخطوات حازمة لا تعكس حداثة سنّهم، وبملامح بشوشة تخفي شحوب مظهرهم، وبثياب خفيفة قد لا تقيهم برد ساعات الصباح الأولى في مرتفعات حاسي الفريد من ولاية القصرين، يمشي أربعتهم بين شعاب مسار لم يشفق على وضعهم أو طفولتهم.

هي مجموعة تلاميذ من بين مجموعات كثيرة تشق طرقات قاسية أفواجاً، نحو مدارسهم النائية بالمنطقة.

المحظوظون منهم تتوقف لهم شاحنات أو عربات ليزينوا عرباتها الخلفية على وجه الفضل والمكرمة إلى حدود أقرب نقطة لمدرستهم. والأقل حظّاً، يمشون لمسافات قد تبلغ 10 كم من أجل التحاقهم بأقسامهم.

يخاطبنا أحمد(اسم مستعار)، 9 سنوات، بصوت مرتجف "أقطن بجبل السلوم، أمشي يوميا 10  كم ذهاباً وإياباً من أجل الدراسة بمدرسة القويرة، أشعر بالبرد شتاءً والحَرّ ينهكني صيفاً، والتعب لا يتركني في كل الفصول في رحلتي نحو مدرستي في حاسي الفريد".

حاسي الفريد هي المعتمدية الأكثر فقرا في الجمهورية التونسية، وفق مؤشرات التنمية الجهوية الخاصة بالمعهد الوطني للإحصاء، بافتقارها لأدنى المقومات كالماء الصالح للشرب والبنية التحتية وغيرها.

والأمطار التي يستبشر لها العالم قد تعطل تلاميذ القويرة عن الالتحاق بمدارسهم، إذ يصرّح وائل(اسم مستعار)، 8 سنوات، وهو مرافق أحمد في مسلك التلاميذ من السلوم نحو المدرسة "نزول الأمطار يعني عدم المجازفة بالمشي في شعاب الجبل نحو المدرسة، والتوقف عن الدراسة إلى حين استقرار الأمور".

طريق التلاميذ غير معبدة، نائية، فاقدة للحركية، لا يمر عبرها إلا ما ندر من سكان "الدواوير" المحيطة بجبل السلوم، عبر عرباتهم أو دراجاتهم النارية.

"صناديق العربات الخلفية، والدراجات النارية التي تعترضنا هي وسيلة نقلنا على وجه فضل أصحابها، في أفضل الأحوال"، يضيف نادر(اسم مستعار) وهو ينظر نحو كاميرا موزاييك، ثم نحو أتراب رحلته الثلاث.

وضع سريالي متواصل في مدارس حاسي الفريد يندّد به الكاتب العام لنقابة التعليم الأساسي محمد الهادي السايحي، ويحمّل ظروف التنقل نحو المدرسة إضافة إلى تردي الوضع الاجتماعي لسكان المنطقة، مسؤولية التسرب المدرسي في حاسي الفريد.

قد يتراءى في بريق عيون التلاميذ الأربع، وهم يسلكون طريقهم الصعبة نحو مدرستهم، رسالة تحدّ للبيئة والظروف ديدنها مسالك معبّدة بالبؤس والتعب إيماناً بمصعد اجتماعي منشود، ورسالة أخرى مفتوحة إلى كل من يهمّه أمر طفولة لا تزال تبحث عن نفسها هناك في جبل السلوم المحاصر بكل أنواع المخاطر...

برهان اليحياوي