القيروان: تراث عالمي يتحوّل إلى مصب نفايات
تعيش منذ سنوات فسقيات الاغالبة حالة من الإهمال والنسيان و التلف ليتحوّل هذا المعلم المائي إلى مصب القمامة والأوساخ و تتحوّل مياهه العذبة إلى أخرى راكدة بلون الطحالب تطفو فوقها كميات كبيرة من القوارير والأكياس البلاستكية.
نشطاء يندّدون ويطالبون
أكّد سمير فيّالة ناشط المدني أن برك الاغالبة كانت قبل الثورة قبلة للسياح والزوّار وتعتبر المتنفس الوحيد للعائلات القيروانية الذين يطوفون ويتجوّلون برفقة أطفالهم بين الفسقيات ويتمتّعون بالمناظر الخلاّبة ويمرحون بين الأزهار والورود التي كانت تكسو الفضاء ويلعبون في المنتزه إلا أن هذا المكسب قد أهمل واتلف وتحوّل اليوم إلى وكر للفساد و مرتع للمنحرفين حيث يتعاطون المخدرات.
أما منى القصيبي (ناشطة بالمجتمع المدني) فقد نبّهت من إمكانية حصول كارثة بيئية بسبب تكاثر الحشرات والأوساخ داخل أوحال المياه ببرك الاغالبة،واستنكرت عدم استغلال هذا المعلم العالمي الذي تناهز مساحته حوالي 14 هكتار ليفقد بريقه و إطلالته الجذّابة بعد أن كان قبلة للزوار ووجهة سياحية هامة ومرفق للراحة والاستحمام في مقاهيه الجاذبة ومنتزهاته الرائعة.
فن معماري جمع بين الجمال والمنفعة
أحدثت فسقيات الاغالبة أو كما يسمّيها البعض ب "برك الاغالبة" سنة 248 للهجرة في عهد إبراهيم احمد بن الأغلب على مساحة تفوق 13 هكتارا بسعة تفوق 53 الف متر مكعب من الماء وتتكون من حوض صغير للترسيب وحوض تخزين كبير يتصل بالحوض الأول عن طريق فتحة تسمى "السرح" وصهرجين للاغتراف وكانت المياه تاليها حال فيضان وادي " مرق الليل " من خلال منظومة تصريف تألفت انذاك من القنوات والسدود الصغيرة وكذلك عبر قناة كبرى لجلب مياه الشرب العذبة من منطقة "الشريشيرة " من معتمدية حفوز الذي تبعد حوالي 40 كلم والمعروفة بمياهها العذبة.
وجمعت فسقيات الاغالبة بين ثنائية الجمال والمنفعة من خلال بناء هذا المعلم المائي ذات طابع معماري مميز من جهة ومواجهة العطش والجفاف من جهة ثانية،
وقاوم هذا المعلم كل عوامل الاندثار عبر عدّة قرون ليبقى شاهدا على براعة الاغالبة في فن العمارة وحسن استغلالهم للموارد المائية في منطقة كثيرا ما عرفت بقلة هطول الأمطار.
استغلال المعلم في الحملات الانتخابية والظهور الإعلامي
رغم أهمية هذا المعلم إلا أنه بقي في حالة جمود يعاني من الجفاء و الإهمال والتهميش يستغله البعض في حملاتهم الانتخابية والبعض الآخر هدفهم الظهور الإعلامي لغايات سياسية أو للحصول على المنح والامتيازات.
كما أن هناك عدّة خلافات وتباين حول الرؤى والتصورات بين الإدارات والمصالح العمومية حول استثمار هذا المعلم كما أن هناك اعتراضات وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية واخلالات المعهد الوطني للتراث وعدم صيانته وتنظيفه وترميمه.
وعود لا تنتهي وتصاريح متنوّعة
لا نكاد نسمع عن جهود الدولة في العناية بفسقية الاغالبة الا بالتزامن مع تعاقب و تعالي زيارات للمسؤولين و لعل أهمها إعلان يوسف الشاهد رئيس الحكومة الأسبق ذات نوفمبر من سنة 2017 خلال زيارته لرابعة الثلاث عن انطلاق الدراسات لإحداث مركز الفنون الدرامية والركحية والمسرح هواء الطلق بالفسقية لاحياء هذا المعلم.
كما أعلنت منذ أيام حياة قطاط القرمازي وزيرة الثقافة الحالية عن انطلاق اشغال ترميم الفسقية وصفتها بالاسعافات داعية جميع الاطراف إلى ضرورة تكاتف كل المجهودات الوطنية لانقاذ الموروث الحضاري الهام وذلك بعد موافقة المملكة العربية السعودية على صرف جزء من الهبة المخصّصة لاعادة تهيئة جامع عقبة بن نافع ومحيطه الخارجي للانطلاق فورا في الاشغال الاستعجالية في إنتظار إستكمال الدراسات حسب تصريحها.
تعطل وكثرة الدراسات ومصيرا مجهولا
و على الرغم من مثل هذه الزيارات وتنوّع الاراء يبقي المعلم المائي الإسلامي على حاله ولا يمكن له أن يتحوّل الى مصب نفايات سيما و أن رئيس الجمهورية قيس سعيد قال في تعليقه على تأخر الدراسات المتعلقة باستغلال فسقيات الاغالبة "لو كان الاغالبة على قيد الحياة لبنوا فسقيات جديدة".
*خليفة القاسمي