languageFrançais

عدوّ الطفولة.. هذا ما يفعله الهاتف الذكي بطفلك!

عدوّ الطفولة.. هذا ما يفعله الهاتف الذكي بطفلك!

الهواتف الذكية والأطفال.. هذه المعضلة التي أصبحت المعاناة اليومية لأغلب الأولياء لا في تونس فقط بل في العالم! فإذا أصبح طفلك يُفضِّل اللعب بالهاتف الذكي، بدلا عن الخروج واللهو مع أصدقائه، وإذا أصبح هذا الجهاز بديلا له عن الألعاب اليدوية والجلوس مع العائلة، وبلغ به الأمر حدّ إهمال أداء واجباته المنزلية، فأنت للأسف من بينهم!

الهاتف الذكي.. هذه الأداة التي أصبحت أساسية وجزءا لا يتجزأ منّا ولا نستغني عنها، لإدارة حياتنا اليومية في البيت، في العمل، وفي الشارع، تصبح أصل الداء إذا تحوّلت إلى 'إدمان'.

فرغم ميزاتها العديدة التي لا تخفى عن أحد، لأنها بكل بساطة تسهّل حياتك، لكن دراسات عديدة أثبتت أنّ الاستعمال المفرط لها، قد يؤدي إلى أضرار صحية للبالغ، فما بالك بالطفل، فماهي أضرار الهواتف الذكية والشاشات عامة على الأطفال؟ هذا ما سنحاول تفسيره في هذا المقال، لكن قبل الخوض في التفاصيل دعنا أولا نكتشف ما هو الهاتف الذكي؟

 

 

الهاتف الذكيّ.. ماهو؟

هو جهاز كمبيوتر مدمج ومصنع داخل هاتف محمول، له شاشة عرض وبرامج تقنية ذكية لإدارة المعلومات الشخصية، كما يعتبر الهاتف الذكي من الأجهزة التي تحمل نظام تشغيل يسمح بتشغيل برامج الحاسوب المختلفة، على غرار تصفح الويب، والبريد الإلكتروني، والموسيقى، والصور والعديد من التطبيقات المختلفة.

تكون الهواتف الذكية مجهزة بكاميرا رقمية تختلف دقتها من هاتف إلى آخر، كما هو الحال بالنسبة للتصميم، ويستطيع الفرد من خلال الهاتف الذكي مشاركة هذه الصور مباشرةً باستخدام الهاتف مع الآخرين على مواقع التواصل الاجتماعي أو باستخدام الرسائل النصية، كما توفر القدرة على تسجيل مقاطع الفيديو.

كما يُتيح الهاتف الذكي القدرة على إرسال واستقبال الرسائل النصية القصيرة، حيث يحتوي الهاتف الذكي على لوحة مفاتيح تعرض على شاشة الهاتف عند الحاجة، مصممة كلوحة مفاتيح الحاسوب.

ويوفر الهاتف الذكي الاتصال بالإنترنت من خلال برامج متصفح الويب تماماً كأجهزة الحاسوب، حيث تقوم هذه العملية من خلال استقبال شبكات الواي فاي أو استقبال الأبراج الخلوية.

 

 

مميّزات الهاتف الذكي:

فضلا عن مهام الاتصالات الهاتفية والتي تعتبر الوظيفة الرئيسية لأجهزة الهواتف الذكية، تمتاز هذه الهواتف بقدرتها على القيام بعدّة مهام ومسؤوليات ولعلّ أهمها إدارة المعلومات الشخصية والقدرة على الاتصال بالأجهزة الأخرى مثل أجهزة الحاسوب المكتبية.

والقدرة على مزامنة المعلومات مع تطبيقات مايكروسوفت، وتطبيقات معالجة النصوص، وألعاب الفيديو، من بين مميّزات الهاتف الذكي.

من خلال هذا الجهاز بإمكانك صرف شيكات وحذف إيصالات، تخزين معلومات بطاقات الائتمان وتسديد الفواتير، إنشاء اتصال عن طريق شبكة الانترنات وتقريب المسافات.

ماذا إذا تحوّل استخدام الهاتف إلى إدمان؟

رغم كلّ هذه الميزات، وهي مجرد لمحة بسيطة، على هذا الجهاز الذكي، فإنّ الأضرار عديدة إذا تحول إلى 'إدمان'!

أفاد تقرير علمي نُشر في 2022 بأنّ البالغين في الولايات المتحدة الأميركية يفحصون هواتفهم في المتوسط 344 مرة يوميا (مرة كل 4 دقائق)، ويمضون ما لا يقل عن 3 ساعات يوميا على أجهزتهم.

التقرير ذاته، بيّن أن 74% من الأميركيين يشعرون بعدم الارتياح عند ترك هواتفهم في المنزل، وقال 71% منهم إنهم يفحصون هواتفهم خلال الدقائق العشر الأولى من الاستيقاظ، ويعتبر 47% منهم أنفسهم "مدمنين" على هواتفهم.

أما في بقية أنحاء العالم، فيوجد أكثر من 6.92 مليارات مستخدم للهواتف الذكية في أرجاء المعمورة حاليا، ما يعني أن 86.2% من سكان العالم يمتلكون هاتفا ذكيا.

ووفقا لاستطلاع أجري عام 2021، قال نصف المستجيبين تقريبا إنهم يمضون من 5 إلى 6 ساعات يوميا على هواتفهم المحمولة، وكشفت البحوث أن 71% من مستخدمي هذه الهواتف ينامون بالفعل مع أجهزتهم، ونحو ثلث المستخدمين لا يغلقون هواتفهم أبدا، وفق موقع "ستاتيستا" (Statista).

استخدام الهاتف بشكل مفرط يؤدي إلى تغييرات في العقل، لا سيما في عمليتي التركيز والانتباه ويزيد من مستويات الإجهاد والقلق، وفقا لتقرير نشرته منصة "بي بي سي" (BBC) البريطانية، ولك أن تتخيّل تأثير كل سبق على الدماغ البشري وخاصة إذا كان دماغ طفل!

 

 

الهواتف الذكية في تونس

حسب موقع "داتا ريبورتال" (DataReportal) المختصّ في تقديم إحصائيات رقمية حول العالم، بلغت اشتراكات الهاتف المحمول 16.73 مليون اشتراك للهاتف المحمول  في جانفي 2024 ، وهو ما يعادل 133.7% من إجمالي عدد السكان.

أمّا مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، فقد بلغ عددهم 7.12 مليون مستخدم، في نفس الفترة، أي ما يعادل 56.9% من إجمالي عدد السكان.

أما نسبة انتشار الإنترنت فتقدر بـ79.6% ما يعني أنّ أغلب السكان في تونس متصلون بالإنترنات وأكثر من نصف السكان (56.9%) يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي.

الهاتف الذكي.. عدوّ الطفولة

أثبتت إحدى الدراسات التي أعدّت في الغرض، أنّ ما يقارب 70% من الأطفال بين عمر 11- 12 سنة يستعملون الهواتف النقالة، وتزيد النسبة إلى 90% عند الأطفال بعمر الـ14، فيما أفادت ''إي إي'' أبرز شركات الاتصالات في بريطانيا، بأن ما يقارب من ربع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و7 سنوات لديهم هاتف ذكي في المملكة المتحدة، وفق بحث أجرته هيئة ''أوفكوم'' للإعلام في بريطانيا.

للوقت الذي يقضيه الأطفال على الشاشات تأثير سلبي على نمو أدمغتهم، فالبقاء أمام أمام الشاشة لوقت طويل يقضي على مهارات القراءة والكتابة، مثل التخيل والتحكم العقلي والتنظيم الذاتي، مما يؤدي إلى تباطؤ السرعة الإدراكية، كما يمكن أن يؤثر ذلك على التفاعل الهادف مع العائلة والمعلمين، يقول الدكتور محمد عطا حندوس استشاري أول في طب الأطفال الأكاديمي وحاصل على شهادة البورد الأميركي لطب الأطفال والمجلس الأميركي للتخصصات الطبية.

الكل يعلم أنّ الأطفال يتعلمون من بيئتهم، وأنّ تكوينهم يبدأ ممّا يدور حولهم، وبالتالي اشتغالهم بالشاشة سيؤدي بالضرورة إلى حرمانهم من التعلم والإبداع.

حصول الطفل على هاتف ذكي لا يمت لدخل الأسرة ومستواها الاجتماعي بصلة، حيث خلصت دراسة أجرتها مؤسسة دوكمو اليابانية المتخصصة بهذا النوع من الدراسات، أنّ أكثر ما يستخدمه الأطفال بالهواتف هو الكاميرات بنسبة 51%، ومشغل الموسيقى 44%، ومشغلات أفلام الفيديو 26%، وأنهم يستخدمون تطبيقات ووظائف هذه الهواتف بنسبة أعلى بكثير من آبائهم.

وعن علاقة الإنترنت بهذه الهواتف، بينت الدراسة أن 40% من الأطفال يستخدمونه من خلال هواتفهم مرة واحدة يوميا على الأقل، والأكثر استخداما من قبل الأطفال هي شبكات التواصل الاجتماعي بنسبة 73%، وهي أعلى بكثير من أولياء أمورهم الذين تبلغ نسبة استخدامهم الهواتف للدخول لهذه الشبكات 43% فقط.

الدراسة خلصت إلى أن هناك علاقة طردية بين استخدام الأطفال الهواتف الذكية وقلق أولياء أمورهم، حيث بينت أن ما بين 70% و80% من الآباء يشعرون بالقلق الدائم من استخدام أطفالهم للهواتف الذكية.

 

 

هذا ما يفعله الهاتف الذكي بطفلك..

إجهاد العين: يمكن أن يؤدي التحديق في شاشة صغيرة لفترات طويلة إلى إجهاد عيني الطفل أو ما يشار إليه عادة باسم "إجهاد العين الرقمي"، فالضوء الأزرق، الذي تصدره شاشات الهاتف المحمول قد يسبب عدم الراحة العينين، ويؤدي إلى أعراض مثل عدم وضوح الرؤية وجفاف العين والصداع وصعوبة التركيز.

ووفقاً لدراسة نُشرت في المجلة الدولية للطب الوقائي، فإن مستخدمي الهواتف الذكية معرضون لخطر أعلى بنسبة 39.7% لألم العين وجفافها.

إجهاد العين الرقمي هو حالة مَرَضية شائعة تحدث عند تعرض العينين للإرهاق نتيجة الاستخدام المفرط، في شاشات الكمبيوتر والأجهزة الرقمية الأخرى. وقد يكون إجهاد العين مزعجًا، لكنه عادة لا يكون خطيرًا، وتختفي الأعراض بمجرد أن تريح عينيك أو تتخذ خطوات أخرى.

آلام الرقبة: عند إرسال الرسائل النصية أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، يجلس طفل عادة في وضع منحني، وهذا يمكن أن يؤدي إلى حالة تُعرف باسم "رقبة الرسائل النصية". وهذا يحدث عندما تصبح عضلات الرقبة والطتفين متيبسة أو مؤلمة.

ضعف الوظائف الإدراكية: الاعتماد المفرط للهواتف الذكية قد يضعف الوظائف الإدراكية لدى الطفل، وتقليل قدرته على التركيز على المهام الموكلة له أو الدراسة.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن التعرض لإشعاع المجال الكهرومغناطيسي للترددات الراديوية الناجم عن الهواتف المحمولة يرفع درجة حرارة الجسم الأساسية ويمكن أن يُضعف عمليات الإدراك، كما يمكن أن يؤدي هذا إلى أعراض مثل ضعف الذاكرة والنسيان وتشتيت الانتباه وعدم التحكم في الانتباه.

اضطرابات النوم: استخدام الهاتف المحمول قبل النوم خطير جدا للطفل، حيث وتشير دراسة نشرتها مجلة (Nature and Science of Sleep) إلى أنّ استخدام الهاتف المحمول لمدة 30 دقيقة على الأقل بعد إطفاء الأنوار يؤثر على جودة النوم، والضوء الأزرق المنبعث من شاشات يتداخل مع إنتاج الميلاتونين، الهرمون المسؤول عن تنظيم النوم.

الإجهاد النفسي: يعاني الأطفال من التوتر والقلق بسبب الاستخدام اليومي للهاتف الذكي، وتقول خبيرة الطب الباطني الدكتور مانجوشا أجراوال: "يمكن أن تؤدي هذه العادة إلى زيادة مستويات مشاكل الصحة العقلية، مما يؤدي إلى أعراض مقلقة مثل التوتر والذعر والأرق وما إلى ذلك بمرور الوقت".

زيادة الوزن: دراسات عددية ربطت بين الاعتماد على الهاتف المحمول والسمنة لدى الأطفال، اعتبارا لأن العزلة تؤدي الى عدم الحركة.

الإدمان: إدمان الأطفال على الهاتف المحمول أصبح أمرا حقيقيا، وكثيرة هي الفيديوهات التي يتم نسرها على مواقع التواصل الاجتماعي لأطفال يدخلون في حالة هيستيريا عند منعهم من استعمال الهواتف الذكية.

هذا السلوك القهري يؤثر على نمط حياة الطفل ليصبح منعزلا بعيدا عن أصدقائه وبيئته وقد وقد يؤدي به الأمر حدّ فقدان طفولته.

الأجهزة الإلكترونية عامة والهاتف الذكي خاصة، تأثيراتها النفسية والعاطفية عديدة على الأطفال، وسنلخّصها في: القلق والتوتر، العصبية، الانعزالية، اكتئاب المراهقين، مشاكل في تطور اللغة، عدم التركيز، ضعف ملكة التفاعل لدى الطفل، الإدمان والهوس والخوف من فقدان الهاتف.

 

 

توصيات..

أوصت ''أي أي'' أبرز شركة اتصالات في بريطانية الأهل بعدم شراء هواتف ذكية للأطفال دون سن 11 عاماً، لحمايتهم من العالم الرقمي، لكن بالامكان السماح لهم باستعمال 'أجهزة ذات سعة محدودة'، وفق وصفها، لا يمكنهم من خلالها سوى إرسال الرسائل النصية وإجراء المكالمات.

كما دعت إلى أن يكون لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 عاماً إمكانية وصول محدودة إلى الشبكات الاجتماعية. وشددت على ضرورة أن يحمّل الأهل على هواتف أطفالهم عناصر تحكّم لمراقبة الوقت الذي يمضونه أمام الشاشة، وأن يضعوا حدوداً زمنية لتطبيقات معينة.

كما كشف تقرير أعده خبراء فرنسيون أنّ الأطفال بحاجة إلى حماية من "إستراتيجية صناعة التكنولوجيا التي تهدف إلى الربح لجذب انتباه الأطفال''، الذين أصبحوا "سلعة" في سوق التكنولوجيا الجديدة، بحسب ما نقلت صحيفة "غارديان".

وبخصوص السنّ المناسبة لاستخدام الطفل الهاتف، فيُشير بعض الاختصاصيين إلى أنّها من 12 إلى 13 سنة، مع التأكيد على عدم الإفراط، ويوصي عايش السبول (أنظر أعلاه) بتحديد وقت لا يزيد على ساعتين في اليوم.

كيف يمكن إشغال الأطفال بعيدا عن أجهزة الهاتف؟

عديدة هي الطرق التي يمكن أن نشغل بها أوقات فراغ الطفل بشكل صحيح وسليم، بدلا من منحه هاتفا ذكيا، على غرار، تجنب استخدام الهواتف الذكية بكثرة أمام الطفل، دفعه للعب مع أطفال في سنه، وتشجيعه على اكتساب أصدقاء، قراءة القصص والروايات، الاشتراك في النوادي الرياضية وممارسة الهوايات وتخصيص الوقت للحديث معه، مشاهدة البرامج والأفلام الهادفة، وتكليف الطفل ببعض المهام البسيطة.
 

أميرة عكرمي