المسرح الوطني يحتفي بيومه العالمي.. إبداع ومقاومة وانتصار للإنسانية
احتفى المسرح الوطني التونسي، تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية، باليوم العالمي للمسرح الذي يصادف 27 مارس من كل عام وذلك بقاعة الفن الرابع بالعاصمة، في احتفالية خاصة تعكس مكانة المسرح كأداة للإبداع والتنوير، ومجال مفتوح لمناقشة القضايا الإنسانية الكبرى.
وجاءت هذه المناسبة لتؤكد التزام المسرح التونسي بمسيرته الفنية التي تجمع بين التجذر في الهوية والانفتاح على العالم، مع الإصرار على دوره الفاعل في التفاعل مع القضايا الوطنية والعالمية.
المسرح في مواجهة الأزمات
في كلمته بهذه المناسبة، شدد معز المرابط، المدير العام للمسرح الوطني التونسي، على الدور الجوهري الذي يلعبه المسرح في مواجهة الأزمات الإنسانية والاضطرابات العالمية، حيث قال "المسرح ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو مرآة تعكس الواقع، سلاح يواجه القبح بالابداع، والصراعات بالحوار. في عالم يموج بالعنف والانقسامات، يصبح المسرح ضرورة ملحّة أكثر من أي وقت مضى."
وأشار إلى أن الأوضاع الراهنة، بما تحمله من نزاعات وحروب واضطرابات اجتماعية، تجعل الواقع أشبه بـ"مسرحية واقعية" تطغى عليها مشاهد الظلم والتناحر، مما يستدعي دورًا فاعلًا للفن في إعادة إحياء قيم الإنسانية والتسامح والسلام.
وأضاف أن المسرح منذ نشأته مع الإغريق ظل فنًا قائمًا على تفكيك الصراعات الأخلاقية والفكرية، وإبراز المعاناة الإنسانية بأساليب جمالية تعزز وعي الجمهور وتثير التساؤلات الجوهرية حول العدالة والحرية والكرامة.

التجذر في الهوية والانفتاح
أكد البيان أن المسرح التونسي لم يحد عن هذه المبادئ، حيث ظل رائدًا في تقديم أعمال تعكس القضايا المجتمعية بأساليب إبداعية، تجمع بين التجريب الفني والنقد الاجتماعي والسياسي. ولم يقتصر دوره على معالجة الشأن المحلي، بل كان حاضراً في الساحة العربية والإفريقية، مدافعًا عن قضايا الشعوب، وناقلًا لصوت المهمشين والمقهورين.
كما سلطت الكلمة الضوء على قدرة المسرح التونسي على إعادة إنتاج الواقع بطريقة رمزية، تجمع بين السخرية والجدية، مما يجعله فضاءً للحوار والنقاش الحر. فالمسرح في تونس لم يكن يومًا مجرد فن ترفيهي، بل ظل عبر العقود منبرًا ثقافيًا وسياسيًا يعبر عن قضايا الشعب، ويرسم ملامح تطلعاته وآماله.
المسرح صوت المقاومة
في موقف واضح ومبدئي، شدد المسرح الوطني التونسي على مناصرته المطلقة للقضية الفلسطينية، معتبرًا أن المسرح، كفن مقاوم، لا يمكن أن يكون محايدًا أمام الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
وجاء في نفس البيان "نعلن مجددًا إدانتنا لجرائم الاحتلال الصهيوني، ونؤكد وقوفنا الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع من أجل دولته المستقلة وعاصمتها القدس. سنواصل تقديم أعمال مسرحية تسلط الضوء على هذه القضية العادلة، لأن الفن الحقيقي لا ينفصل عن قضايا الإنسان العادلة."
وأكد أن المسرح التونسي سيظل منبرًا للدفاع عن الحقوق والحريات، مسلطًا الضوء على القضايا المصيرية التي تواجه الشعوب المستضعفة، ومؤكدًا أن المسرح هو أداة مقاومة بقدر ما هو فضاء للإبداع والجمال.
"التابعة" لتوفيق الجبالي: عرض خاص في احتفالية اليوم العالمي للمسرح
في إطار الاحتفالات بهذه المناسبة، قدم المسرح الوطني عرضًا خاصًا لمسرحية "التابعة"، من تأليف وإخراج توفيق الجبالي، أحد أبرز رواد المسرح التونسي المعاصر.
وتتناول المسرحية مفهوم "التابعة"في المخيال الشعبي، باعتباره اعتقادًا بوجود قوى خفية تتحكم في مصائر الأفراد، ليتم توظيف هذا المفهوم في قراءة نقدية للواقع التونسي، بأسلوب يجمع بين السخرية والتجريب المسرحي.
تميز العرض بأسلوب إخراجي حداثي، حيث تم توظيف الفضاء المسرحي بشكل مبتكر، إلى جانب استخدام اللغة القوية والحوارات العميقة التي تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي بطريقة رمزية.
كما أن الأداء التمثيلي جاء مفعمًا بالحيوية والتعبير الجسدي، مما أضفى على العرض بعدًا بصريًا مؤثرًا، يجعل المتلقي في حالة تفاعل دائم مع النص والمشهد.
كما شهد الحفل عرضا موسيقيا أمنته الفنانة إشراق مطر رافقها فيه عازف البيانو إلياس البلاڤي.
المسرح.. فن المقاومة والإبداع
واختتم المسرح الوطني بيانه بالتأكيد على أن المسرح سيظل دائمًا فن المقاومة من أجل نشر السلم، الحب، والجمال، داعيًا إلى استمراره كأداة لمواجهة الظلم وتعزيز القيم الإنسانية في عالم يعاني من الانقسامات والصراعات.
"المسرح ليس ترفًا، بل ضرورة. إنه فعل مقاومة ضد الظلامية والتجهيل، ومساحة للحلم والتغيير. في هذا اليوم، نجدد التزامنا بأن يبقى المسرح فضاءً مفتوحًا لكل الأفكار، منبرًا حرًا للعدالة والكرامة، وجسرًا للحوار والتنوير."
تكريم ثلّة من رواد المسرح
وفي لفتة تقدير لجهود المسرحيين، كرّمت مؤسسة المسرح الوطني التونسي بالتعاون مع المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة وتحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية، عددا من الشخصيات المسرحية البارزة تقديرا لإسهاماتهم في إثراء الساحة الثقافية التونسية، وهم ناجية الورغي وحليمة داود وعبد العزيز المحرزي ورؤوف بن يغلان.
ويؤكد المسرح الوطني التونسي، من خلال هذه الاحتفالية، أن المسرح ليس مجرد عرض على خشبة، بل هو حياة تنبض في وجدان المجتمع، ورسالة تتحدى الصمت، وكلمة تعيد للإنسان إنسانيته.
صلاح الدين كريمي